رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

للحرب ظلال أخرى :(الرزيقي ) موسوعي المعرفة : رجل لا يخالفك الرأى ، ولكنه يقنعك بخطل منظورك..

د.ابراهيم الصديق على

(1)
فى ثمانينيات القرن الماضي رات قيادة الحركة الاسلامية إعادة البناء ، بعد ما حدث من خلاف نتيجة المصالحة الوطنية وتداعيات أخرى ، وتم الدفع بشباب جدد ، ومن ذلك الجيل تم إسناد أمر الجامعة الاسلامية لطالب موهوب فى معرفته وخطابته ، ولكنه قليل الخبرة العملية وخبايا الأمور ، وكان كلما أشكل عليه أمر ذهب لسابقيه للإستشارة والإستنارة ، وحين انعقدت مؤسسات الشورى وانتقدوا عدم إلتزامه بقرارات الشورى (قال والله انا عارف إنها مخالفة لقراراتكم ، لكن الأخ زروق أقنعني بها ).. وزروق هو الأخ السفير محمد حسين زروق ، عليه الرحمة ، احد اكثر السفراء الشباب موسوعية معرفية وسعة اطلاع وإخلاص فيما يوكل له من مهام ، انه طراز فريد ، فهو صاحب مدارك معرفية تتجاوز أنداده ببون شاسع وهو كثير البحث والتنقيب والمقارنات والمقاربات ، وكلما ناقشته تكتشف فائدة جديدة وتخرج منه بمسار منهجي جديد ،
ومثله كذلك الأخ الصادق ابراهيم المشهور (الصادق الرزيقي) ، وهو رجل يستطيع أن يقنعك بخطل فكرتك وتصوراتك دون ان تحس أنه يخالفك الرأى ، حيث يستجمع قوة المنطق وسعة الرؤية ولطف السرد والطرح بما يبعدك عن الجدل للإستماع والإنصات ، وحين يسكت الضجيج يشرق العقل.. ذلك هو صديقنا وزميلنا الصادق مثقف فى ثوب بدوى ، ومتمدن فى زهد صوفي ، وموسوعى فى معرفته ..

(2)
كاتب موهوب وغزير العبارة وكثيف الظلال ، وهذا أمر لا يتوفر عليه كثر..
بإمكان الأخ الصادق أن يكتب مقاله أو تحليله من اول حرف وحتى نهاية مقاله دون ان يرفع راسه ، لا يحتاج للكثير من البحث والتنقيب ، لإن لديه مخزون معرفي متدفق ، ومثله قلة فى الصحافة السودانية ، ثم إن المفردة عنده لها طعم خاص دون (بهرجة) ، لا ريب إنها مدرسة الأستاذ حسين خوجلى والتى اخضعت لغة الصحافة إلى عالم الشعر والأدب والجمال وهكذا كان رموز الصحافة السودانية فى الأوائل ، أهل ادب وفكر..
وهو صاحب مواقف مستقلة ورؤية مستقلة ، لم يرهنه إنتماء سياسي أو إجتماعي ، ودفع ثمن ذلك ، ولعل اعتقاله عام 2019م بتهمة مشاركته فى محاولة انقلاب الفريق اول هاشم عبدالمطلب وسجنه هى محاولة مبكرة لإخضاعه للإبتزاز والضغوط والعمل مع طرف عسكرى وسياسي معلوم ، ولكنه فطن لذلك وغادر البلاد..

(3)
يمكنك ان تجد مئات المقالات والاقوال والأحاديث عن الاخ الصادق بالشتم والإساءة ، ولكن لن تجد قولا واحدا منه خارج سياق (اللباقة) و (اللياقة) ، آراؤه فى غاية الإحترام والتقدير للآخرين ، وذلك دأب أبناء المعلمين ، تجد فيهم ذلك الحس الرفيع من التعافي النفسي والترفع عن المعارك الصغيرة والهتافات الجانبية..
ولذلك حظى بالإحترام من اقرانه ، فقد حافظت صحيفته الإنتباهة على المركز الأول فى التوزيع لتسعة أعوام متتالية..
وحظى بالتقدير من مجتمعه..
فهو رئيس الاتحاد العام للصحفيين لدورتين متتاليتين ، وهو فاعل ومؤثر فى القارة الافريقية وفى الإتحاد الدواي للصحفيين ، ودون كثير ضوضاء ، مع اننا نعرف تعقيدات المؤسسات النقابية والتكتلات المهنية وتقاطع المصالح ، مما يقتضى حنكة وسعة بال وقراءة صحيحة..

(4)
الصادق رجل متحرر من القيود ، وذو شخصية منفتحه على التجارب الإنسانية ، فهو وإن كان إبن التيار الاسلامي العريض ، فلن تجده متعصبا أو منغلقا على رأى أو موقف ، ومع أنه مشهور بإنتمائه الاجتماعي (الرزيقي) إلا عنه نهل من معارف الخرطوم وامدرمان والقضارف وبورتسودان والابيض وكادوقلي ، مثلما ظل نابضا فيه ذلك الخيط الرفيع من قيم التسامح الذي يربط نسيج نيالا ، قبل ان تتبدل الأحوال فيها ، ولكن ذلك الإرث لن يخبو سيعود للبريق ثانية إن شاءالله..
هو كاره للتحيزات ، كان أغلب الذين يعادونه فى معيته ، فى اللجان أو المناسبات أو فى ورش العمل ، كان حريصا على الكل ، لم يغلق بابه يوما ، وذلك سمت القادة ، والثقة بالنفس..
ويتمتع الصادق بأنس لطيف ولديه قدرة على المؤانسة والحكى ، وهو صاحب ثقافة موسوعة عن المجتمع السوداني وخصائصه ودقائقه وخباياه وحكاياته مما يسمونه (أدب الأسمار) ، فوق ذلك خطيب مفوه ، يعرف ماذا يقول ومتى يقول..

(5)
فى كتابات واقوال الأخ الصادق الرزيقي ، ثلاث حقائق مهمة ، العمق المعرفي بدقائق الأمور والمتغيرات والنظرة الإستراتيجية متجاوزة للإستغراق فى الراهن الزمان والمكاني وقوة الإستدلال والمنطق والحجة ، ومع قلة ما يكتب ، فإن ما يكتبه يظل شاخصا ، وواقعا ، ذلك هو الفرق بين أن تكتب وفقا لحالة انفعال وقتى ودون نظرة للمآلات والشواهد ، وبين تكتب أو تتحدث بعقلك وخلفيتك الفكرية وموروثك الثقافي..
تداعت عندي هذه الخواطر ، وانا اقرا كتابات دكتور الدرديرى محمد احمد والاخ الصادق ابراهيم الزريقي واحدهما الأكثر إقترابا من تقديم تفسيرات وتحليلات للمشهد ولظاهرة عربان الشتات ولناحية القراءة العميقة للتحولات فى المشهد السودانى وفى المنطقة.. هذه معركة تتطلب قراءة مستبصرة وواقعية دون الإنزلاق للمواقف الآنية والعوارض العابرة ، وما أكثر ما نجد من رؤي وطنية رصينة..

(6)
فى سلسلة مقالاته التى نشرت فى بدايات الحرب (مايو 2023م ، راجع الجزيرة نت ) تحت عنوان :
(منابع ومسارات المرتزقة الأفارقة نحو السودان )
قدم الأخ الصادق قراءة عميقة ودسمة لما يجرى ، وهو بالمناسبة رد على الكثيرين ممن ينتقدون الإعلام السوداني ، لقد أسهم الإعلام بدور كبير لا يقل عن معارك الميدان ، بغض النظر عن الدور الرسمي ، وسنأتى على ذلك إن شاءالله..
وللبحث عن مصادر المعلومات قام الصادق برحلة أشار اليها فى مقدمة كتاباته بالقول (لإستقصاء المعلومات عن حقيقة وجود منابع ومسارات وعمليات تحشيد لمرتزقة محتملين من دول غرب أفريقيا ووسطها إلى السودان للقتال بجانب متمردي الدعم السريع، طرتُ يوم 3 مايو/أيار الجاري من العاصمة الكينية نيروبي إلى العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، ومنها إلى عمق غرب أفريقيا وإلى دول الساحل على وجه الخصوص، للبحث عن حقيقة ما يجري، ولا سيما مع تواتر مرويات ومقاطع فيديو انتشرت بكثافة على شبكات التواصل الاجتماعي عن تحركات وسط مجموعات سكانية من قبائل غرب أفريقيا، ودعوات للانضمام إلى قوات حميدتي (قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي) في السودان)..
ولذلك فإن تقديم رؤية عن طبيعة الحرب وابعادها ، وحمولاتها السياسية والإجتماعية وتداعياتها على المنطقة تأسست على ضوء هذه الرؤى وامثالها..
(إنها حرب داخلية بأجندة أجنبية) ..
حفظ الله البلاد والعباد وحفظ كل ابناء الوطن الاوفياء فى زودهم الرفيع عن وطنهم..
د.ابراهيم الصديق على
6 فبراير 2024م

اترك رد

error: Content is protected !!