رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

أنس : اللاهثون خلفك خائفون

د.إبراهيم الصديق علي
(1)
لا تملك القوى السياسية شجاعة إدانة إختطاف مواطن من داره ومن بين أسرته وإقتياده لجهة مجهولة..
لن تبادر منظمات حقوق الإنسان ولا مبعوث الأمم المتحدة بالحديث عن ذلك ، في فاههم ماء..
هل تدرون لماذا ؟
سأحدثكم وانا حزين وغاضب ومتعجب ..
الاخ أنس من جيل شعاره :
آخرُ العمرِ، قصيرًا أم طويلْ..
كفنٌ من طرف السوق وشبرٌ في المقابر….
و
يا منايَا حَوِّمِي حول الحِمَى واستعرضِينا واصْطفِي
كلَّ سمحِ النفس بسَّامِ العشيات الوفي
الحليم العِفِّ كالأنسام روحًا وسَجَايا
أريحي الوجه والكف افترارًا وعطايا
فإذا لاقاك بالباب بشوشا وحفي
بضميرٍ ككتاب الله طاهر
اُنشبي الأظفارَ في أكتافه واختطفي
وأمانُ الله منا يا منايا
كلما اشتقتِ لميمونِ المُحيَّا ذي البشائر .. شرّفِي
تجدِينَا مثلًا في الناس سائرْ
نقهرُ الموتَ حياةً ومصائرْ..

وأنس من جيل نقلوا القول ، من حروف باردة إلى موجة من السمو الشفيف، عبر من حالة الفعل بلا تردد أو وجل..
هكذا سمة هذا الفتى الجسارة والإقدام دون تردد ولذلك تجده دائماً يردد قصيدة عكير الدامر :
عهدنا معاك كنداب حربة ما بتتشلخ
وصرة عين جبل ملوية ما بتتفلخ
أكان ايدينا فيك من المسك تتملخ
السما ينتكى وجلد النمل اتسلخ..
هذه المواقف التي تشبهه، و المقامات التي يتطلع لها.. فهو أسد تهابه السباع..
(2)
امس اختطفت ميلشيا الدعم السريع الاخ أنس عمر من داره ، دون مسوغ قانوني ودون سبب سوى تغطية الفشل لمغامرتهم وحماقتهم .
لقد حزنت للحادثة وغضبت وعجبت ..
حزنت لإن أنس مثال لجيل جديد من الساسة عفيف اللسان وقوي الحجة ومبدئي الموقف ونظيف اليد.. فلا يمكن أن يقابل ذلك بالغدر والجبن..
وحزنت لإن أنس من جيل المدافعة عن الوطن في وقت المحن ، وضع روحه على كفه ، بحثا عن وطن حر أو شهادة في سبيل الله .. صعدت لله ارواح صحبه علي عبدالفتاح والمعز عبادي وحمدي مصطفي ، وآخرين من الموكب المبارك وبقي هو علي ذات العهد والدرب..
وحزنت لإن أنس أختطف لإنه يمثل تيارا سياسيا ، له خياراته ومواقفه ومنظوره ومنطلقاته لم ولن يرهن ارادته للآخرين ، واجراءات العسف والمكر لن تبدل في خياراته..
وغضبت ، لإن قوى سياسية عريقة اصبحت تتسلق جدار مليشيا مسلحة ، لتصفية حساباتها وادارة معاركها من وراء جدر ، أختارت إختطاف الوطن وحين عجزت شرعت في تفتيته..
وغضبت لإن أيدي وطنية سودانية غارقة في تنفيذ أجندة أجنبية بوعي وبهمة لا تحسد من أجل شهوة السلطة وبؤس الرؤية..
(3)
لقد اعتقل الأخ الكريم أنس عمر فضل الله واخيه البسام البشوش خالد محمد نور وشقيقه الترمذي، عام 2020م ، و كلنا نعرف ان الأخ أنس عمر تم حبسه ذلك الوقت لجسارته وهو يستهين بحكومة قحت ويصفهم ب(الهوانات)، ولم يجدوا وسيلة سوي حبسه، لقد اخافتهم كلماته، فهم نمر من ورق،
لقد حرضت قحت على إعتقاله، لم يصبر ادعياء الحرية على مجرد تصريح، وقد جاء في الإنتباهة اون لاين يوم ١٦ أبريل ٢٠٢٠م وعلى لسان صديق يوسف السكرتير السياسي للحزب الشيوعي هذا النص ((أننا في قوى الحرية والتغيير طالبنا السلطات الحكومية باعتقاله وكل رموز النظام السابق الذين مازالوا يمارسون نشاطهم من خلال منظومة المؤتمر الوطني المحلول).. وجاءت اليوم ميلشيا الدعم السريع لتنفيذ المهمة؟..
وقبل ذلك ، كان احد المتحدثين بإسم قحت يتوعد الإسلاميين بالويل والثبور بعد تشكيل حكومتهم المدنية..
إنها إذن معركة سياسية وأجندة سياسية ، بين مشروعين..
تيار وطني مع جيش وطني وحوار وطني..
وقلة باحثة عن سلطة تستعين لها بكل وسيلة وطريق حتي لو على سرج ميليشيا روعت الآمنين..
وعجبت لإن كل مخططاتهم لإستفزاز الإسلاميين باءت بالفشل ، حتي لجأوا لهذا الأسلوب الساذج ، دون ان يدركوا خطورة فعلهم..

(4)
دخل أنس كل بيت سوداني، وسكنت محبته في القلوب، من خلال برنامج ساحات الفداء، رسالة البسالة والوفاء للقوات المسلحة في دفاعها عن الوطن والأرض والعرض.. لم يكن مجرد برنامج، بل مجاهدة وصبر وشهادة وجراح وإحترافية.. كان مدرسة إبداعية، تقبل الله الشهداء وتقبل من اللاحقين..
وطالب جامعة ام درمان الأهلية، َالمشهور بنقاشاته وبشاشته ولين جانبه، أيضاً صاحب رؤية خاصة، وأذكر أنه احد الذين ابتدروا برامج الحوارات في التلفزيون ولم تستمر التجربة، فلم تتهيأ لها البيئة السياسية، ولكنها فكرة سابقة للآخرين في الدعوة للإنفتاح السياسي.. ويتمتع الأخ أنس بطابع إجتماعي ودود .. ولا ريب في ذلك فهو سليل بيت دين وعزة، شقيقه الأكبر بدر الزمان، وما ادراك ما بدر، وشقيقه الشهيد اللواء لقمان عمر.. ذلك بيت خيار من خيار..
وحين كلف والياً لولاية شرق دارفور، اثبت (اللواء أنس) انه قدر التحدي وأسقط رهانات كثيرة وهو ينقل الولاية من حالة التنازع إلى مشارف التنمية والعمار ووحدة وتماسك المجتمع وأصبح أنس (أيقونة) ، فقد صقلته تجربته العسكرية والأمنية مع نزعة القيادة..
أنس هو كل قيمة سودانية ، أصالة ووطنية ونقاء سريرة ورباطة جأش..
شامة في صدر الوطن وغرة في جبينه وقمر لا يحجبه غمام..
حفظ الله الاخ أنس ورده إلى داره آمنا مطمئنا.. والنصر لقواتنا المسلحة في معركتها الجسورة وتبا للأدعياء في كل واد .. الله المستعان

اترك رد

error: Content is protected !!