ليمانيات / د. إدريس ليمان

لحظةٌ مِنْ وَسَنٍ ..!!



إنَّ رُصاصةَ الخامس عشر من أبريل شَكَّلَتْ مُنعطفاً خطيراً فى الحياة الإجتماعية والأمنية لبلادنا وجَعَلَتها تَعيشُ واقعاً مريراً إمتَدَّ لسبعةِ عشر شهراً ، وستجعلها تعيشُ واقعاً أكثر تعقيداً بعد إنتهاء الحرب إنْ لم يتم التَحَسُّبَ له برسم إستراتيجية غير تقليدية للعمل الأمنى لأن المؤشرات من واقع آثار ونتائج الحرب تُشير إلى حتمية إستبدال مكونات البنية السياسية والإجتماعية والإقتصادية وليس إحتماليتها ..!!
فالمتتبع الجيِّد للأحداث يَجِد أنَّ أدعياء العمل الثورى عند إحساسهم بالغرق الثورى لجأوا إلى بندقية المليشيا التى لا إنسانية لديها يلتمسون فيها المجد والسؤدد بعد أن هبط مؤشر الكرامة والوطنية عندهم لدرجة التجمد بل والغثيان ، وتَرَدَّى مستواهم إلى القاع .. ومنذ ذلك التأريخ ودماءُ الأبرياء تسيل فى الطُرقات ، وسالت معها مشاعر الناس جداول ألماً وحُزناً .. !! كما سَالَ حِبرَ الأوفياء من فرسان الكلمة والمنابر كما الدماء دفاعاً عن الأرض الطيبة التى تَحللها البَغلُ .. !!
ويقينى بالله الذى لا ظَنَّ فيه أنَّ هذه الحرب ستنتهى على خير وسيكون أمر بلادنا إلى خير ، وسنقف جميعنا حُكاماً ومحكومين أمام محكمة التأريخ ليقول كلمته الفصل فيما حدث ، وليهلك من هلك عن بيِّنَة ويحيا من حيي عن بيِّنة .. وقطعاً سيطول وقوف الراعى الذى لم يُحرِّكْ أىِّ ساكن ولم يُسَكِّن أىِّ مُتحرك عندما رأى قائد المليشيا وهو يتأهب لإبتلاع الدولة السودانية .. وليس هذا أوانُ التلاوم فالمطلوب من كل الذين لم يَسبِق عليهم الكتاب والتَزَلُّف وخيانة الأمانة الوطنية من المفكرين والمثقفين وأهل الإعلام ومن رموز المجتمع وخطباء المساجد ومن الساسة أيضاً فضلاً عن قادة الأجهزة الأمنية هو مراجعة كل أوجه الإنحلال القِيمى الذى كان وقوداً إضافياً للنار التى أشعلها الهالك ، ومراجعة جادة لكل ما يتعلق بالعمل الأمنى والمعلوماتي فالمؤمن العاقل لا يُلدغ من جُحرٍ مرتين .. والشرطة السودانية قادرة على ذلك لما لديها من كفاءات تجمع بين الخبرة الأمنية والإطلاع العميق على كل مهددات الأمن الداخلى والأمن القومى وخبرة ممتدة فى علم الإدارة وصياغة الإستراتيجيات والخُطط الأمنية الفاعلة .. فعلى الدولة أن تضع الإهتمام بالشرطة فى سلم أولوياتها تطويراً وتأهيلاً ودعماً بالمعينات والتشريعات إن أردنا لبلادنا الإستقرار لأن الهدف الأسمى للأمن يتمثل فى حماية الدولة السودانية وحفظ كيانها .. فإن كانت الشرطة السودانية تتحمل عبء العمل الأمنى بكل تنوعه وعبء مكافحة الجريمة بشتى صورها لوحدها قبل الحرب يجب الاَّ تتحمل أعباء وأخطاء معظم مؤسسات الدولة كما كان يحدث من قبل ، وأن يتسم أداؤها فى المرحلة القادمة بالمرونة بما يتلائم مع طبيعة المتغيرات وعمق المهددات الأمنية التى أحدثتها بندقية المليشيا لا سيما وأن مفهوم الكثير من المُغيَّبين تجاهها قد تغيَّر وأصبح دورها المأمول يحظى بالإقتناع الحقيقى والإلتزام الواعى بهذا الدور ، فالأمن بلا مواطن واعٍ ومدرك لما ينتظر المؤسسة الأمنية وبلا قيادة متفهمة وداعمة يُنشئ بيئة أمنية ضاغطة تؤدى إلى إفشال الدور الأمنى أو خروجه عن المسار أو عن الخدمة ذاتها .. !! وفى كل الأحوال هى خسارة وخطر على الأمن القومى بشكل عام .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏾 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الخميس ٢٩ أغسطس ٢٠٢٤م

اترك رد

error: Content is protected !!