د. إدريس ليمان
رَحَلَ عنَّا العام ٢٠٢٢م كرحيل الطيف من محمد كرم الله دون أن يُطيِّب لنا ( خاتر) .. وهو العام الذى كتبتُ عند قدومه : ( يأتى العام ٢٠٢٢م ونحنُ أكثر قلقاً على مُستقبَل سوداننا ، وأشدُّ وجعاً لحاله وواقعه ، فالناظِرُ إلى أوضاعه سيُصَاب بالدوار .. فإقتصاده يَتَرّنح ومُشكِلاتِه تستعصى على الحَلْ ، وأهله يسألون التخفيف بعد أن فَقَدوا القُدرة على التفكير فى البحث عن حُلولٍ للأزمات المتوالية والمتتابعة ، وإكتفوا بالتَفَرُّج عليها فى إنتظار أزماتٍ جديدة علَّها تُنسيهم أزماتهم الحالية )
ولايزال الأمل باقياً فى العام العام ٢٠٢٣م رغم الخوف من المجهول الذِّى يُسيطِرُ على المَخيلة الجمعية للبسطاء من أهل بلادى .. فللسودان بُناةٌ مُخلصين يؤثرون على أنفسهم فى السرَّاءِ والضرَّاء لاتأخذهم فى خدمة وطنهم لومة لائم ، يؤمنون أنَّ بحفظ المصالح العامَّة تتحقق مصالح الجميع وبإضاعتها تضيعُ مصلحة الجميع ..
وكيف لايبقى الأمل وهذا الوطن الجميل علَّم بَنِيه مكارم الأخلاق ( والزمانُ مرحَمة ) فصاروا نجوماً ومنارات يُهتَدى بها فى أرجاء الدنيا .. فقد علَّمتهم جِباله وباسقات نخيله الشُموخ فلم ينحنوا ، وعلمَّتهم لوزات قُطنِه وثمار حقوله وبساتينه وصمغ هشابِهِ التواضع .. فلم يُصَعِّروا فيه خَدَّاً ومَشوا على أرضِهِ هَونَاً ولم يجهلوا فوق جهل الجاهلين بل يقولون لهم سلاماً ..!!
ولايزالُ الأملَ باقياً فى العام الجديد بأن تتكامل العقول والإرادة لِتُخرِج الوطنية الحَقَّة والتى وجدت نَصِيباً مفروضاً من التجاهل من مُعتَكفِها وإعادة توطينها القلوب لأنها تُعيد الأملَ فى النفوس ، وتُعيد الولاء القائم على ثُنائية الحقوق والواجبات ، ولأنها منبتْ الثِقة والرجاء وحاجز صد لمنع طوفان العقوق .
وسيَظَّل أملنا فى الله عزَّ وجَلَّ باقياً إلى أن نلقاه بأن يَلُّمَ شعث هذا السودان الذِّى تترّبصُ به عاديات الزمن وعبث العابثين من بعض أهله ممن يعزفون لحن الإستعلاء النشاذ على وتر الإثنية القبيحة ، ومن يحاولون ثقب سفينتهم وهدم بناء الوطن بحجة نيل الحقوق فما إستطاعوا أن يُظهِروه وما إستطاعوا له نقباً .. ولو جلس هؤلاء مع أنفسهم جلسة تأمل بعيداً عن الأهواءِ والبغضاء يخاطبون عقولَهم وقِيَمْ ومبادئ الإنسانية فيهم ، ويستحضرون إسلامهم وإيمانهم وسودانيتهم سيُدرِكون فعلاً أنهم كانوا بعيدين كل البعد عن مقاصد الحق ومسالك الخير ..
فليتنا ومن باب الأمل أن نوقف هذا الإقتتال القبلى العبثى ، والاَّ نجعل من الدماء سِلعة نبتاع بها الوهم ونشترى العِزَّة الكذوب ونكون كالتى نقضت غزلها من بعد قوة حتى لايكون الأمن والسلم المجتمعى أغلى مفقود نطارده فى الليالى الحالكات لنُعيده وهو الذى بين أيدينا أرخص موجود .. وليتنا نجعل من أزماتنا الإقتصادية والإجتماعية ومن باب الأمل أيضاً سبباً لبذر وزرع روح التعاون بين أفراد المجتمع والسعى إلى إحقاق الحق ونشر ثقافة وقيم ديننا الحنيف .. فلا مناص من إجتماع الكلمة حول القواعد الناظمة لعقد المجتمع حتى لاينقطع الحبل الناظم له وتتبعثر وتتناثر جزيئاته ، وحتى لايكون عُرضة لقواطع الأواصر .. فالأمن والسلم المجتمعى وكل ما يتعلق به أمرٌ دونه المُهج والأرواح حتى لا يؤتى بُنيان أهله من القواعد فَيَخِّرُ عليهم السقف من فوقهم ..
ولايزالُ الأملَ باقياً بأن يأتى العام الجديد وقد إستثمرنا فى تنمية الوعى الذى يُعدُّ صمام أمان لسوداننا ، وأن نرى مُدننا وقد أُميط عنها الأذى وزالت عنها كل البثور والدمامل من أسواقها وطُرقاتها وساحاتها وإكتست بحُلل الجمال ..
ولا يزالُ الأملَ باقياً بأن يبتسم وطن الأتقياء وأهل الكرم فلدى بَنِيه بقيةٌ من أخلاق وقِيم و (شئٌ لله ) ، فحب الخير متجذِّر فى أعماقهم رغم بعض العقوق ، ورغم أن القافلة مُثقَلة ممن مردوا على سوء التدبير ..
فيأيها العام الجديد نَوَدُّ أن نُحيطك عِلماً أن عقيدتنا تُرجِّح الخيرية فى الأمور كلها لاسيما المجهول الذى تتساوى فيه كل الإحتمالات ، ونؤمن بإن الحياة لاتستقيم إلاَّ بحسن الظّن بالله .. نتفاءل دوماً بالخير أملاً فى إدراكه ..
كما نَوَدُّ أن نُخبرك للعلم فقط أن الضمير الجمعى الوطنى لأهل السودان سيعود من غيابه القسرى والطوعى للبناء والتعمير ، ولن يُفرِّط أهله فيه سفاهةً وجهالة وعقوقاً .. فستزداد قواتنا المسلحة منعةً وقوة ، تَرُدُّ عدوان المعتدى وتَقُص مخالبه قبل أن تنهش بلادنا وتُدمِى أهلها .. وستزداد شُرطتنا كفاءةً ومهنيةً وتوفيقاً وهى تقوم بمهمتها الوطنية العظيمة فى حفظ الأمن .
فكل الذى نرجوه منك عزيزى العام ٢٠٢٣م أن تُبقى الأمل فينا ، والاَّ تُخيب آمالنا وتطلعاتنا لغدٍ أفضل فبلادنا لاتحتاج إلاَّ لمن يُحسن إستغلال ثرواتها وخيراتها ، وأهلها لا ينقصهم شئ سوى عدم رؤيتهما الغالية .
نسأل الله أن يحفظ بلادنا وأهلها من كل سوء .. وكل عام وسوداننا عَلَمَاً بين الأمم .
السبت ٣١ ديسمبر ٢٠٢٢م