الرأي

تصحيح كراسة عام ٢٠٢٢ : قابلنى

بقلم السفير عبد المحمود عبد الحليم

..على ايام الدراسة كان مرعبا توزيع الكراسات على الفصل بعد تصحيح الاختبارات..ربما تكون من التلاميذ المجيدين فتمنح تقدير ” ممتاز” موقعا عليه بالقلم الأحمر، وقد يصاحب ذلك إشادة شفهية، وقد تنال تقدير”جيد” او ” وسط” ….ولكن حذارى ان تمنح تقويم ” أعد” ففيه شر مستطير….أما إذا أتاك توجيه ” قابلنى ” See Me من أستاذ المادة او الناظر فانه اكثر مايخيف لأنه مفتوح على كل احتمالات الجلد والتوبيخ والاعادة …الآن يتواجد عام ٢٠٢٢ بصالة المغادرة تفصلنا ساعات على رحيله…لولا بعض الحالات المحدودة التى سقطت من جرابه لاستحق العام الابعاد من ملة الأعوام الصديقة… …لكن سنمنحه تقييم “قابلنى” حتى نحاسبه على اوجاع حفل بها واحداث اسيفة انتظمت أيامه ولياليه،قبل أن نمنحه تقييم “أعد” أملا في المراجعة و “تصحيح المسار ” خلال عام جديد تستعد طائرته الان للهبوط…..
و لئن مجد شعراؤنا الكواكب التى احتفلت بالقمر فهذا أوان احتفال خطوط الطول والعرض بولادة عام تبدأ مراسم الاحتفال به باكرا عند شعوب اخرى بجزر مرجانية بالمحيط الهادى فى كيرباتى وساموا وتونقا وفيجى ونيوزيلاند ‘ بلد السحابة الطويلة البيضاء’ قبل ان ينتقل مهرجان الضوء والالعاب النارية وامنيات الفال الحسن الى مرفأ سدنى بأستراليا وتسقط بعد عدة ساعات من ذلك كرة عام ٢٠٢٢ عند منتصف ليلة ٣١ ديسمبر من اعلى بناية بالتايم اسكوير فى الجادة الغربية لمانهاتن بمدينة نيويورك معلنة ترجل العام لذاكرة التاريخ وقدوم عام ٢٠٢٣…أما فى دول أمريكا الجنوبية فتنتشرعادة تجول التاس فى ليلة العام الاخيرة وهم يحملون حقائب فارغة بأمنيات أن يملأها خيرا عامهم الجديد .. “نشكرك….نحبك بلا حدود.. ارقد بسلام “..كانت تلك رسالة ابنة ارانتيس أدسون لوالدها أسطورة القرن الكروية والمعروف باسم بيليه الذى لفظ أنفاسه الأخيرة بمستشفى البرت انشتاين بساوبالو كآخر أحداث عام ٢٠٢٢ الهامة ، وهو المحفور في ذاكرة السودانيين كأحد افذاذ المستديرة الذين زاروا بلادنا، كما ارتبط ايضا بحدث سودانى دولى وهو استقباله بنيويورك مع ثلة من المشاهير لبطلنا فى العاب القوى خليفة عمر الذى قاد مشروع الغوث الرياضى الدولى لضحايا مجاعات القرن الافريقى عام ١٩٨٦ انطلاقا من المويلح ومرورا بعواصم العالم الكبرى وانتهاء بنيويورك .. وقد كنت حضورا للمهرجان الذى اقيم بتلك المناسبة أمام بناية الامم المتحدة بحضور وزير الخارجية وقتها الشريف زين العابدين الهندى وخافير بيريز ديكولار آمين عام الأمم المتحدة الأسبق. ..
حفل العام بعديد من الأحداث التى تتفاعل تطوراتها باستمرار ومن بينها وفاة الملكة اليزابيث حيث تتجه جمايكا للخروج من جلباب الملكية الدستورية الى جانب انتيقوا وباربودا ..رحيل الكبار تعقبه عادة ارتدادته… والرياح تهب حاليا علئ الكمنولث … جاءت زيارة رئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسي الى تايوان لتزيد من توتر العلاقات الصينية الأمريكية متبوعة بزيارة بايدن الشرق اوسطية وحضور الرئيس الصيني لقمة عربية صينية بالرياض فى وقت أصبح التنافس الأمريكى الصينى وسياسات الاحتواء احد مظاهر السياسة الدولية الراهنة، وشهد العام تعدد تجارب بيونق يانق الصاروخية ، وكانت من قصصه الأخرى الهامة ايضا سيطرة ايلون ماسك على تويتر حيث بلغت صفقة تملك العصفور الأزرق ٤٤ مليار دولار ، ثم حبس العالم أنفاسه لمدة خمسة ايام وهو يتابع مأساة سقوط الطفل المغربي ريان وهلاكه فى بئر عميقة….على أن أهم أحداث العام على الإطلاق وربما الأعوام القادمة كانت حرب أوكرانيا المهددة لأمن وسلام العالم والتى كشفت عورات النظام الدولى وفتحت الباب واسعا لعودة سياسات الاستقطاب والاحتواء والحرب الباردة وايقظت امكانات استخدام الأسلحة النووية ، كما عكست الحرب بعد كل هذه السنوات منذ انشاء الامم المتحدة فقر وعدم فعالية آليات حل المنازعات الدولية بمافى ذلك غياب ‘دبلوماسية الابواب الخلفية ‘ التى كانت حاسمة في حل ازمة الصواريخ الكوبية وخليج الخنازير اوائل ستينات القرن الماضي بل يتم استخدام المنظمات والهيئات الدولية لاقصاء الخصوم عوضا عن الحوار حيث تم إخراج روسيا من مجلس حقوق الإنسان ويروج حاليا الى ان روسيا لا يحق لها ان تكون وريثة للاتحاد السوفيتي كعضو دائم بمجلس الأمن، وقد القت الحرب بنتائجها السالبة ولاتزال على مسائل وقضايا الطاقة والغذاء وغيرها ولا يوجد مايبشر بحل يعالج شواغل روسيا الامنية وخيارات اوكرانيا أخذا في الاعتبار جوارهما الحاسم والحساس وارثهما المشترك وتطلعاتهما وانهماكاتهما المستقبلية….
..فى خواتيم عام عصفت به انواء السياسة ومنعرجاتها جاءت استضافة دولة قطر ولأول مرة بالمنطقة العربية والشرق الأوسط لمنافسات كاس العالم فكان حدثا باهرا ومبهرا أعدادا وتنظيما وتنفيذا ومتابعة ومشاهدة اكثر من نصف عدد سكان العالم برسائل ايجابية ستكون حديث العالم لزمان طويل مما عكس ايضا سحر المستديرة ونجاعة القوة الناعمة بظلالها المفاهيمية والفكرية….نجحت الدولة المضيفة فى التعامل بحزم مع حصان طروادة الذى اراد مرسلوه أن يحمل بداخله فى حالة تسلل واضحة مسائل المثليين ، ولم يقف الأمر عند ذلك بل قامت دوائر غربية عديدة بلطم الخدود وشق الجيوب مستنكرة ارتداء نجم الارجنتين ميسي للبشت القطرى الذى البسمه إياه الأمير تميم ساعة التتويج واستلام كاس العالم، وقالوا ان لحظة وصورة التتويج ستبقى للابد في ذاكرة الاجيال وانه ماكان لكابتن الأرجنتين السماح بان يخالط تلك اللحظة التاريخية تذكار من الثقافة العربية….. صراع حضاري بامتياز !
غدا تشرق شمس يوم جديد لعام جديد نأمل أن يعم خيره الجميع…وان تكتب عنه انجازاته.. فكتابتنا كما يقول فرانز كافكا “انفتاح جرح “…

اترك رد

error: Content is protected !!