على شط النيل / مكي المغربي

كينيا دولة مهمة للسودان، مهمة جدا!

مكي المغربي

لدينا حقبة كاملة من تاريخنا السياسي الحديث اسمها “حقبة نيفاشا” وقد كانت الأفضل إقتصاديا للسودان منذ زمان الفريق إبراهيم عبود، ولو تراضى الطرفان على الرئاسة الدورية وقررا الاستمرار في الوحدة ربما كنا الآن في حال أفضل.
لدينا دستور اسمه “دستور نيفاشا” هو أفضل قطعا من وثيقة كورنثيا و ورقة المحامين.
العديد من مدن ومنتجعات كينيا باتت جزءا من التاريخ السياسي السوداني لأنها شهدت مفاوضات واتفاقيات، ميشاكوس، ناكورو، وغيرها.
يوجد حي كامل في نيروبي اسمه “كابيرا” وسكانه من النوبيين، تدخل فيه فتجد البامية والملاح المفروك، لكنك تتحدث معهم بالسواحيلية وقليل من العربية.
وأنا أجرد أحداث العام 2022، فاتني أن أعلق على أفضل الأحداث التي مرت علي فيما يلي التوجه الأفريقي في السودان، أو بالأحرى علاقاتنا بالقارة السمراء.
وهي قارة نجحت فيها الكتل الإقتصادية، بفلسفة الأخ الأكبر في كل أقليم، نيجريا في الغرب، وجنوب أفريقيا في إقليم سادك، وكينيا في مجتمع شرق أفريقيا.
وهنا تأتي أهمية كينيا، الدولة الرائدة إقتصاديا وسياسيا في الشرق الأفريقي.
من أفضل قرارات الحكومة السودانية في 2022 بالنسبة لي، إعتماد السفير كمال جبارة سفيرا للسودان في كينيا. لم التق بالسفير في أفريقيا ولكن تتبعت له نشاطا مميزا في محطات أخرى، وتكلل هذا بمتابعته في الأوراق الإقتصادية والسياسية الدولية المنشورة، آخرها، ورقة قدمها في الخرطوم في “مركز المنتدى” بالعمارات، قبيل سفره لنيروبي، وكانت تشريحا للإقتصاد السوداني مع وصفة رشيقة للحلول.
الرجل محيط بالإقتصاد الدولي، يعرف كيف تتحرك الأحداث الكبرى في العالم، أين تتقاطع المصالح وأين تلتقي، يستطيع المقارنة بين الإقتصاديات الأفريقية والعالمية كما يشرب كوبا من الشاي.
ومن هنا أستطيع أن أقول أن تجربته الديبلوماسية المهنية مصقولة بالواقعية والإدراك السليم للمصالح والصراعات، حقيقة رجل مذهل.
كنت أرى في شخصيته سفيرا قريبا للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولية والبنك الأفريقي للتنمية، ولكن أيضا لأن كينيا دولة مهمة فهي تستحقه وأكثر.

لماذا كينيا مهمة؟
أود هنا أن أحبر مقالي بشخصيتين غير رسميتين عرفتهما في الملف الكيني منذ فترة، كلاهما من القطاع الخاص.
المعز بلال، رجل الأعمال، وصاحب وكالة السيار ورئيس الجالية السودانية في كينيا، ومن اشراقاته في الحديث معه في جلسات عديدة أن كينيا دولة مهمة جدا للسودان لأنها “حالة مشابهة” مع الفرق في النمو والإستقرار النسبي، كلاهما دولة متعددة الأعراق ومتنوعة الموارد، ولا يمكن أن تنهض إلا بحرية اقتصادية وسياسية، إذ لا يوجد طرف يستطيع السيطرة على الجميع.
أيضا كلاهما دولة مؤثرة في دول الجوار، وتلعب دور المعبر الاقتصادي للعالم الخارجي عبر موانئها المخصصة لدول أخرى، مومبسا هي ميناء ست دول أفريقية، وبورتسودان تصلح ميناء لخمس دول أفريقية، (مع وقف التنفيذ، وهذه زيادة مني)
حسب رأي المعز، أننا لو درسنا التجربة الكينية وارتبطنا بها سنتعلم الكثير لصالح السودان.
هاشم الخضر، رئيس جمعية الصداقة السودانية الكينية في الخرطوم، في أحاديث متفرقة معي أيضا وجدته تائها وهائما مثلي في المقارنة بين الشعبين، وأيضا المدخل هو “الحرية” كيف استطاعت كينيا إدارة التنوع، دولة فيها قسم صومالي مسلم، وجماعات البانتو القديمة صاحبة الأرض والجند في تحرير كينيا من الإستعمار، والساحل الإسلامي العريق، النيليون الذين يرطن بعضهم بلغة الشلك والأشولي، وغير ذلك الكثير، في الوادي المتصدع، وعلى بحيرة فيكتوريا، ولا ننسى الماساي.
و أضيف هنا أصدقائي “الأوقيك” الذي غطيت لهم جلسات نزاعهم مع الحكومة الكينية أمام المحكمة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب ومقرها أروشا، تانزانيا.
ولدي مقال طريف سابق فيه الاشارة لهم بعنوان، ذكريات و”عروق” كينية!
بإختصار، كان يمكن تفادي إنقسام الجنوب، لو دخل السودان مبكرا لتجمع شرق أفريقيا واندمج إقتصاديا وسياسيا، مع الكتلة الجغرافية الأقرب له.
فاتنا هذا، ولكن لا تزال كينيا دولة مهمة للسودان، ومهمة للغاية.
بالتوفيق، سعادة السفير القدير كمال جبارة.
وسأوصي عليك أصدقائي الأوقيك، بأفضل “العروق” من الغابة التي قضت المحكمة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب بانها تخصهم.

اترك رد

error: Content is protected !!