الأخبار

كرة القدم والأدب والسياسة

محمد محمد خير
اجتاحت كرة القدم كل البلدان على اختلاف شعوبها ودرجات تقدمهم العلمي والتكنولوجي بأخلاق رفيعة.. وعولمت الكرة الأرضية قبل أن يكتب فوكوياما «نهاية التاريخ» وامتصت البراكين المتفجرة من الصراعات قبل أن تتبنى الإمبريالية الأمريكية كتاب صمويل هنتنغتون «صراع الحضارات» وتتخذه مرجعية لخطواتها السياسية. كرة القدم هي الوسيلة المطروحة الآن إنسانياً لمنح العالم فرصة الحوار مع نفسه ولو وهماً لمدة شهر كامل كل أربع سنوات عجاف.
في ملحقها المميز «آداب وفنون» خصصت صحيفة «الحياة اللندنية» في عدد من أعدادها ملفاً خاصاً يؤكد مجاورة كرة القدم للأدب، فقد بدأ أن هذه اللعبة الإنجليزية الأصل وردت في مسرحية شكسبير «الملك لير» قبل أن تلعب، وكان الملك إدوارد الأول اعتبرها لعبة مؤذية لأنها تنتهي بجرحى من الطرفين، لكن الكنيسة برأتها من الخطيئة والشر، فرفع البلاط الملكي حظره.
فرضت كرة القدم نفسها على عالم الرواية، فهناك رواية للروائي النمساوي الشهير دنكه «قلق حارس المرمى»، وهناك نص أدبي للروائي الفرنسي جان فيليب توسان عن المباراة الأخيرة لزين الدين زيدان، تلك المباراة الأخيرة التي «نطح فيها زيدان المدافع الإيطالي» فطرده الحكم ولم يعد زيدان للكرة، أعلن توسان المنظور الفرويدي عندما قام بدراسة أعمال الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي «الهروب النهائي أمام إتمام الفعل»، فبدلاً من أن يسجل زيدان هدفاً في مرمى إيطاليا سجل تحت سكرة التوتر العصبي هدفاً برأسه في بطن المدافع الإيطالي فكانت المفاجأة التي تخللها الصمت وأكملت العزلة. أما الروائي الجزائري رشيد بو جدرة فقد بلغ بروايته «ضربة جزاء» شأواً فنياً عالياً في لعبة الزمن الروائي الذي تستغرقه المباراة وهو تسعون دقيقة داخل الملعب بفتحه هذه الزمن على زمن الجمهور في المنصات، حيث أطلق أحد الفدائيين الجزائريين النار على محمد شكال أحد عملاء الاحتلال الفرنسي في المباراة النهائية لكأس فرنسا لعام 1957 ليعود بنا الزمن الروائي لبداية الاحتلال الفرنسي للجزائر ويمتد حتى موعد تلك المباراة.
كان الأديب الفرنسي البير كامو الحائز على جائزة نوبل وصاحب أهم روايتين في الأدب العالمي المعاصر: «الغريب» و«الطاعون» حارس مرمى، وكان الشاعر الفلسطيني محمود درويش مهووساً بكرة القدم وكان يطلق عليها «أشرف الحروب»، أما التجاني سيسي فقد كان لاعباً في مريخ زالنجي قبل أن ينتقل لمريخ نيالا ويتبوأ منصب الكابتن في فريق كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم.
أما اللاعب السري الذي مارس ويعشق كرة القدم لكنه لا يتابعها إلا فى كأس العالم فهو الكاتب المفكر والمجنون الأكثر عقلانية حبينا الأعز د. الواثق كمير.

اترك رد

error: Content is protected !!