صحو الوجود / طارق زيادة صالح سوار الذهب

قضايا الانتقال الديمقراطي : التحديات الماثلة (3)

طارق زيادة صالح سوار الذهب •

                                          
لكن الملامة تقع بالدرجة الاولي علي المدني الذي وفر له الغطاء المستبد ، وهو الذي علي خلاف ذلك يفترض ان تسوده (عقلية التمثيل التفويضية) ...واقعتين ذاتا دلالة عامة وخاصة ينبغي الاحتفاء بهما (قد تاتي فرصة لمجال ومقال ربما تجدون تفصيلهما في اسطر سابقات او لاحقات) قصة الواقعة الاولي: تشكل الاصل التاريخي والاس الفكروي لدراما (المفاصلة) بفصولها الماساوية، وقصة الواقعة الثانية:ماهي الا نتيجة للمثال العملي والاس التطبيقي، لما يمكن ان يبلغه الانتهاك السلطوي من اهدار للكرامة الانسانية  والحريات الاساسية المترتب عليها...وبخلاصة مجملة، فانموذجي (الرجلين، الواقعتين) ماهما  الا الجزء الظاهر  من جبل جليد لهرم قاعدته: عنوان لاستخدام سلطتي سيوسيولوحيا السلاح والمال بمحتوي انثربولوجيا القبيلة برابط تعانف امني فج، تسيده وشكل لحمته الاساس حقبة كانت فيها الغلبة الناجزة و الكلمة الفاصلة للمرحلة التي قزمت فيها افعال السياسة لصالح الظاهرة (المقوشنة): نسبة للمتحكم الامني الاشهر، لمابدا وصور عنه من قدرة خارقة هي جزء من تسويق للاوهام التي تبرر العجز وتقديرات لقوة في غير ما محلهما وادوار متعاظمة بالساحة الوطنية بعضدي اكراه هرم ضلعيه الاخرين: المتسيس / المتفيقه، اللذين قدما السند القامع التابع (عليا) والظل المبرر المتابع (امينا) والامر برمته لا يعدوا بالنهاية من زاويته الاشمل الا ان يكون انعكاسا حادا لازمة التفكر الحركي المتاسلم:اختزالا للفكر الحضاري الاسلامي بثراء تجاربه المجتمعية العظيمة الممتدة بانتزاع عوامل ديناميتها الاجتماعية (بتكثف مخل) يحولها الي مجرد عناصر تصارعها السلطوي العبثي ويحيلها الي سكون لحظتها السياسوية بوجهيه:الاتاريخي والامتانسن الي محض خط بياني متصاعد (بميكافيلية) متوحشة من اجل مطلق الحكم والملك  العضود باي ثمن وبلا ادني سقوف (شوروية (هذه العدمية الدائرية المفرغة، بالذات هي ملمح اساس طبع كسوب التفقه والممارسة السياسية لقرون متطاولات الا شذرات استثناء،وتحديدا منذ سقيفة بني ساعدة واثرها علي الذاكرة والعاطفة الفارقة و المشحونة بمحمول صراعها الفكروي علي السلطة بفعل وقع الصدمة والمفاجاة وجدة وتفرد التجربة وما يختبر لاول مرة باول عهد تاسيس مجتمعي بكر(لشعوب واقوام اثنية وثقافية شتي مازالت تعيش طور انتقال مابعد قبلي فتي لولادة دولاتية غضة هشة) لينتهي بها تداولها المحفوف بعديد المخاوف  والهواجس ربما المشروعة او الباطلة لمجموعة من الحدود الفجة، وجماع امرها بسلسلة من اشتراطات تفيقه حادت بها عن اصولها التوحيديةالانسانية التي ينبغي ان تستظل بها الافكار والسياسة وتستهدي بها ممارساتها وتطبيقاتها، هذا ماكان من امر التجلي العام علينا اما من حيث تجليه الخاص فينا،فان ذات كسوب التفقه والممارسة السياسية، قد شهدنا احوالا وصنوفا منها ومراحل:منذ امد اول اسلام الميلاد السرحوي، مع عبد الله الذي اذن بالدخول الفاتح المنظم، بل ولما قبله، الذي لم يقطع مع المروي والمسيحي،ثم الي حد نسبي ما متارجح بحقب السلطنة: الزرقاء والسنارية والدينارية، مما شكل اندياحا عفويا لمحددات تلاقح مثمر بناء، ما بين مكونات تثاقف حضاري لامركزي لتدين شعبي بعناصر منمطاته التقليدية والاسطورية المستعربة والافريقانية الاصيل والوافد ليشكلا بدايات وعي الهوية السودانية المتفردة حتي موعدين فارقين اضفيا عليها بعدا ملتبسا ومعقدا ابطا هذا التشكل درجا بما اوقع عليها من مفاهيم و ادوات من خارج قواه و الياته المجتمعية العرفية.

هذين الموعدين تمثلا= بالتركية السابقة، بمؤثر نسختها عبر الوطنية السنية المتأزهرة المستعرب والمهدوية بمؤثر نسختها الوطنية المتشيعة المتأفرق بتحالف سلطتي: النص الكتابي بتاويله الصوري المتمدرس السلفي مع التفيقه/التسيس الثقافي المركزي المتنزل باستبداده (العادل) المصادر لفضاءات التدين الشعبي، نحو قطبية بابعاد عرفانية ممثلة لسلطته الرمزية الدينية، وقطبية بابعاد مادية ممثلة لسلطته السياسية الزمانية، ولكن هو الموحد (القسري) لفضاءات عديد الحيازات القبلية المشرذمة لصالح مابدا بسطحه نجاح نسبي لرؤية توحد وهوية وطنية مشتركة و ماظل بمطلق عمقة حاملا لاسباب خلافه وتفرقه التي تخبو احيانا قليلة وتنفجر احيانا كثيرة ربما لتعويله المفرط علي الياته الخارجيه المجردة بمادة اسقاطها العمودي الزجري القامع واغفالها لطوع روحه الافقية التشاركية، عناوين الموعدين سينتهيان بنفس الطريقة تقريبا: التركية السابقة بعد انقضاء مفاعيل دورتها الحضارية بالمجتمع والتاريخ بنواميس النبوة (الخلدونية) وتحلل قواها واضمحلال (مشروعها) عبر فاصلة ثورية عنفية دامية بالراس الغردوني بالخرطوم ستستبدل احلالا بالمهدوية التي هي بدورها سرعان ماستسقط بذات الاسباب لتخلفها السوسيوسياسي:بقواه وعلاقات انتاجه الفيوديالية (بمقومات الاستعباد الارضي والاجتماعي الواسع والهيمنة الاثنوجهوية بتحكم من طبقة الاشراف وكبار القبليون ملاك الحيازات واقنان الارض والمحظيات فهما المجالين الاخصب، لاستيلاد الثروة البشرية وراس المال المادي، وباسناد تديني من طبقة متفيقهي الخليفة بتبع مخضع لحواريهم، لاستجلاب الثروة الرمزية وراس المال المعنوي، ليشد ذلك كله بعضه ببعض من باس قابض لقادة الرايات العسكرية، باستتباع مستعبد لملازميهم) ثم لعدم مواكبة البني الوظيفية لمفاهيم وهياكل السلطة وبعمقهما اقتصاده السياسي المتاخر عن الايفاء بمتطلباته الوطنية نحو احتياجاته التبادلية التجارية/ العقارية ونمو مصالحها المتصاعد الذي ماعادت تعبر عنه الصيغ التدينية والمسيسة بعقليتها الماضوية (ماقبل الوسطي) بحيث بدت كجزيرة منعزلة بمحيط من حولها تخطي ثورته المدينية ويعيش في غمار راسماليته المصنعة وذروة ثمارها المعرفية والاقتصادية المنتجة، وهو بعد كل ذلك في خضم ازمة بحث عن ذات بداخل مدينة فاضلة مفتقدة راح يفتش عنها بخارج في ظل تنامي لتهور وتوهم منه لدور اممي غير مدرك لحجمه و لواقعه الجيوبولتيكي ولتطور لمجمل الاوضاع العالمية من حوله لتنهار التجربة الوطنية بفعل التاريخ السري الموتور وغضبة التظالم الداخلي المركزي التي عاشها هامشيو المجتمع والارض استعبادا وهيمنه ثقافية واقتصادية سياسية لتتهيا الفرصة الثمينة لتواطوء الخارج معها او بدونها الذي لايعرف الفراغ الجيوسياسي ليملاه الاستعمار المصري البريطاني عبر فاصلة حربية عنفية،قضت علي العهد الوطني بملحمة كرري وراس الخلافة ببسالة ام دبيكرات لتترك وطن لم يفق بعد من استغراقة الحضرة اوفنائها السرمدي، باقليم من حوله قريب بلغ شأوا مقدرا من التمدن هذا ناهيك عن عالم هو عنه ابعد بسني ضوئية طوال….ستتداعي بعد اسدال ستار هذين الموعدين،تقريبا بنفس الطريقة لتستمر بصورة او اخري تجليات خاصة وعامة لكسوبها في التفقه والتسيس وبذات منوال قوة (ايدلوجيا التداخل) وعلي شاكلة (عزيمة المتدخلين) التي لاترعوي من سوء عاقبة او تعتبر من فشل تجربة.
لتتواصل وحتي لما بعد الموعدين مع بزوغ خجول وارهاص متردد لما بات يلوح بالافق لظاهرة (ولا نقول: دولة وطنية مابعد كولونيالية) سيمارس فيها لاعبون اساسيون وثانويون، هوايتهم القديمة المتجددة، بالتدخل بالتاريخ بادعاء قدرة ورغبة من خلال تناقضه العمل علي تصحيح مساره بما يمتلكون وحدهم بتعالي دون سائر مواطنيهم من قدرات خارقة وسلطة وصاية اخلاقية ودينية، والتي ستقطع في كل مرة طيلة عهده الوطني المضطرب علي الشعب طلاقة استنهاض عوامله العفوية المستقلة نحو استكمال حداثته الوطنية وحقه في تحديد اختياراته السياسية و تشكيل حقول هويته المجتمعية (علي قله ازمانها وعيوب مضمونها) ستفسد عليه مشيئته الحرة و مزاجه الوطني الوسطي المعتدل: باسقاط او تخريب نتاجيهما متمثلا في ديمقراطتيته التدينية الشعبية عبر(الانقلاب المتعسكر) عليها لفرض ديكتاتورية تدينية رسمية: بفكرويتها النصية السلفية و بقراءاتها المحرفة المتطرفة و بمتأولها الا تاريخي المجرد وبخارجانيتها الا مجتمعية الشكلية والتي هي غالبا ماتقع وتستلهم ماهو عابر لجغرافيا المجتمع والوطن…ليصل الحال الي ذروة سنام كل تلك (الكسوب) السالبة و وطاتها الاشد و(بتجلي) وقعها المتعدي و (بالتداخلية) الاعنف ليبلغ بالنهاية شمول مكونات كل ذلك وجماع سوءه وبؤس منقلبه بسلطة انقلاب الثلاثين من يونيو، بهرم عقل جماعي توصله طريقة تفكيره المشترك الي اسوا ما فيه من تصور مستهجن وبجذر لاوعي ذهني و نفسي مشترك يمكن ان يصدر عنه اسوأ ما فيه من سلوك مستهجن واللذين هما للمفارقة قد لا ينتسبان ولا يساويان حاصل عقولهما المتفردة الطبيعية اذا ما اشتغلت في غير ما سياقاتها الجمعية التامرية (المشيطنة) التي انشأها عليها تفكرها الحركي والياته ومناهجه التنظيمية مختلة الاولويات ومفتقدة الروح المقاصدية، والتي ستحكم البلاد لثلاث عقود ماضيات غابرات ولما تفرع عنها ومنذ نهاية عشريتها الاول من مجموعة تفاوض التاسلم النيفاشي:مدنية المظهر متعسكرة الهوي والهوية، بعد ان خلص لها الامر ودانت لها مقاليد السلطة واستخلصته بالقوة الغاشمة من منافسيها من داخل صفها ومن خارجه منفردة. اذن وعلي خلاف الوضوح البين في الرؤيا والقضايا والقوي التي ينبغي الرهان عليها،علي الاقل من وجهه نظر(تقدمية) لقوي الديمقراطيين الاسلاميين، ومن قبل ذلك بمعطيات محددة بمقدمات التحليل وبنهاياته المنطقية، والذي اتبعناه بالنصح الصادق، الذي اصموا اذانهم عن اصواته المتكررة، واغلقوا قلوبهم عن اشاراته الافتة، وحجبوا عقولهم عن خلاصته النابهة… وقد وقع في نفوسهم ظن سوء باننا انما نفعل ذلك حسدا سياسيا او تصفية لحسابات المعركة الداخلية المحتمدة داخل الصف (الاسلاموي) فاثروا ان يصطفوا مع الطرف المتحكم والممسك بزمام مايمكن ان يمنح لهم من مزايا ومكاسب لمشروع الشراكة الوليدة، وايضا لما اعتقدوا بانه الطرف الاضعف منالا، الاسهل احتواءا ولهفة علي اي اتفاق لتشتت جبهته الداخلية وانعدام توازن مكوناته وافتقارها للمبدئية الاخلاقية السياسية…>>>يتبع

( انتهي السادس من أبريل 2021. )
• كاتب صحفي وباحث في مجالات السلام والتنمية.
• عضو مؤسس لحركة تضامن من اجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية.

اترك رد

error: Content is protected !!