تقارير

في مفاوضات جدة الجيش يطلب خروج الدعم السريع من المنشآت المدنية .. شهود العيان تكذب روايات ” الدعم السريع ” وتؤكد انتهاكاته على الأرض .. مصير المفاوضات السعودية الأميريكية وهل ستستطيع وقف إطلاق النار

القاهرة: صباح موسى

أنهت الاشتباكات في السودان  بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع  شهرها الأول، ورغم البيانات المتضاربة بين الطرفين وتبادل الإتهامات بارتكاب الإنتهاكات وخرق الهدن الست على مدار الشهر، إلا أنه بمرور الوقت تتجه معظم الإتهامات حسب شهود عيان على أرض الواقع السوداني إلى الدعم السريع، والتي تؤكد معظم الروايات من العاصمة الخرطوم بشكل مباشر بأنها خلف الانتهاكات من توقيف للمدنين واقتحام للسجون ونهب وسرقة البنوك والشركات والبيوت، واحتلال المنازل بعد خروج ساكنيها بالقوة، وكذلك السيطرة على محطات المياة والكهرباء، في المقابل يحاول الجيش السوداني تعقب هذه القوات التي تختبئ وتحتمي بالأحياء، وتأخذ من المدنين دروعا بشرية، ينجح مرة ويخفق مرة بما قد يتسبب في وقوع ضحايا، بما يزيد من أمد الحرب والتي لم تضح حتى اللحظة من هو الغالب والمسيطر ومن المغلوب والمهزوم فيها لتعقيد الأمور على الأرض. وسط هذه الأجواء جاءت مفاوضات جدة برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميريكية، والتي توصلت بعد أيام من التفاوض على تسهيل حياة المواطنين وتأمين الممرات الإنسانية وانسياب الإغاثات، وخلصت في مجمل بنودها على إحترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

مفاوضات جدة

756676 32517502 « أفرونيوز 24 »  يستعرض  آخر تطورات الأحداث في السودان

مفاوضات جدة تواصل مساعيها حتى الآن للوصول إلى وقف إطلاق النار، رغم أن التوقيع على إعلان المبادئ الإنسانية قبل يومين لم يجد لها أي صدى على أرض الواقع ومازالت الإشتباكات مستمرة، ما يعكس أن الأمور على الأرض أعقد بكثير من أي مفاوضات، وأنها تحتاج وقت طويل جدا لتداركها، بيد أن طول الأزمة واستمرار الاشتباكات دون تداركها سيعمل على تعقيد الأمور أكثر فأكثر، على أية حال لم تيأس كل من الرياض وواشنطن من مواصلة الوساطة بين طرفي النزاع.

معلومات وتسريبات

IMG 20230514 WA0030 « أفرونيوز 24 »  يستعرض  آخر تطورات الأحداث في السودان

ووفق المعلومات التي وردتنا من جده أن المسهلين (السعودية- أميريكا) اقترحوا أن المحادثات اللاحقة ستركز على الموضوعات ذات الأهمية التي تم تقديمها من قبل الطرفين، والتي قد تدعم الوصول إلى ايقاف إطلاق النار، ووقف دائم للأعمال العدائية مستقبلا. وأكد مصدر قريب من المفاوضات لـ (أفرونيوز24) أن القوات المسلحة تطلب سحب القناصة من الأماكن السكنية والمرافق والمنشأت المدنية، وإزالة الحواجز والمقاتلين من الطرق والجسور، وسحب القوات من قلب العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى والالتزام بعودة القوات إلى معسكراتها، تمكين الشرطة المدنية من القيام بواجباتها في حماية المدنين ومنع الجريمة دون عوائق، وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه أن الدعم السريع بوقف كافة الهجمات الجوية بما في ذلك الطائرات المسيرة ومنع استخدام الأسلحة الثقيلة، ومشاركة المدنيين في المفاوضات المقبلة بما يضمن الوصول إلى إتفاق سياسي شامل يؤدي إلى تحول ديمقراطي بما يتوافق مع أهداف ثورة ديسمبر، وهدنة حقيقية تسهل ايصال المساعدات الإنسانية وتؤدي إلى وقف إطلاق النار وبناء الثقة وصولا إلى وقف دائم للعدائيات.

توثيق ومهلة

IMG 20230514 WA0023 « أفرونيوز 24 »  يستعرض  آخر تطورات الأحداث في السودان

الملاحظ في طلبات الطرفين أن القوات المسلحة وثقت لإنتهاكات الدعم السريع وجعلت منها مطالب حتى تتمكن من المواجهة دون وقوع ضحايا من المدنين، ويبدو أن هذا هو تكتيك الجيش في هذه المرحلة هو توثيق هذه الانتهاكات واشهاد الوسطاء عليها، علاوة على أن وفد القوات المسلحة كان قد أعد ملفا موثقا بهذه الإنتهاكات لإطلاع الوسطاء وذلك – وفق ما أكدته لنا بعض المصادر-، أما الدعم السريع يبدو من مطالبه الهزيمة على الأرض وطلب مهلة لالتقاط الأنفاس التي قد تمكنه من ترتيب أوراقه وصفوفه لمواصلة هذه الاشتباكات التي على ما يبدو أنه مازال طامحا في تحقيق النصر فيها.

حملة إعلامية

IMG 20230514 WA0027 « أفرونيوز 24 »  يستعرض  آخر تطورات الأحداث في السودان

المتابع للأحداث منذ بداياتها في الخامس عشر من أبريل الماضي يرى تبادل اتهامات وبيانات، يلاحظ فيها تفوق الدعم السريع في حملة إعلامية منظمة وموازية لما يدور على الأرض، ورغم أن الجيش لم يستطع مجاراة هذه الحملة، إلا أن شهود العيان والروايات الواقعية هي التي كذبت كثير من روايات الدعم السريع، وأظهرت جوانب أخرى كثيرة من الإنتهاكات امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعي بفيديوهات كثيرة، ويحكي كثير من شهود العيان الذين استنطقتهم ( أفرونيوز24) أن الإنتهاكات التي تمارسها قوات الدعم السريع بدأت تتصاعد مع نيران المواجهة ، متذكريين في الوقت نفسه تاريخ الدعم السريع في دارفور وما كانت تفعله من جرائم حرب هناك ابان حكم النظام السابق بالبلاد، واضافوا أن هذه القوات كانت تمثل اليد اليمنى للبشير ونظامه في قمع تظاهرات عام 2013 السلمية، وأنها قتلت فيها الكثير من شباب الشعب السوداني.

شهود عيان

IMG 20230514 WA0031 « أفرونيوز 24 »  يستعرض  آخر تطورات الأحداث في السودان

وأكد شهود العيان أن قوات الدعم السريع قامت بتجاوزات واضحة لقانون النزاعات المسلحة حيث أنها تستخدم المدنيين كدروع بشرية، وأنها تمنعهم من النزوح من الأحياء التي يختبئ فيها منسوبيها، وقالت لـ (أفرونيوز 24) إنها تستخدم المباني السكنية الخاصة بالمواطنين وتحولها لمواقع للقناصة وتمركزات تحمي بها قواتها من غارات الجيش، كما أنها تحتل أغلب مستشفيات العاصمة والكوادر الطبية الموجودة بها عنوة لتقديم خدمات طبية لمنسوبيها وتقوم باستخدام المستشفيات والمرافق الخدمية للأعمال العسكرية، وأضافت أن قوات الدعم السريع قامت أيضا بقصف عدد من المستشفيات التي يوجد بها مرضى ومصابين مدنيين كان أخرها مستشفى الأمل بحري في سلوك يتجاوز كل القيم الإنسانية التي لا تحترمها هذه المليشيا.

انتهاكات الدعم

IMG 20230514 WA0023 1 « أفرونيوز 24 »  يستعرض  آخر تطورات الأحداث في السودان

‎وأضاف عدد آخر من شهود العيان يفضلون عدم ذكر أسمائهم أن قوات الدعم السريع قامت مؤخرا باقامة نقاط تفتيش على الطرق القومية التي تقود الى خارج العاصمة، مؤكدين أن نقاط التفتيش تستهدف الشباب أقل من الـ 30 عاما للتجنيد القسري وإرغامهم على القتال والمشاركة في الحرب بعد أن فر أغلب عناصرها من المواجهة -على حد قولهم-، وتابعوا أن هذه القوات تقوم بنهب السيارات من المواطنين من أجل التمويه من الضربات الجوية وتقوم باستغلال المدنيين في تحركاتها وتحتجز أسرى في كل مواقع معسكراتها وتستخدمهم كدروع من خطر القصف والهجوم وأنها قامت أيضا بنهب عدد من البنوك والمحلات التجارية بالعاصمة وقامت بقتل الحراس المدنيين وأصحاب المحلات التجارية.

شهادات الفاريين

وفي جانب آخر من الإنتهاكات والتجاوزات في حق المدنيين تأتي روايات كثيرة من الفاريين من نيران الحرب إلى القاهرة، فكل أسرة لديها حكاية مأساوية وحزينة من جراء الحرب، وأكد عدد من الذين فروا من الحرب إلى القاهرة أن قوات الدعم السريع تقوم بترويع المواطنين، وأنها تقيم نقاط تفتيش وحملات داخل الأحياء تستهدف فيها معاشيي القوات النظامية، وروى بعض من وصلوا إلى القاهرة لـ (أفرونيوز 24) أن قوات الدعم السريع قامت بمداهمة منازل المواطنين في مدن الخرطوم الثلاثة بغرض السرقة، وقالوا أنها قامت أيضا بنهب عدد من البنوك والمحلات التجارية بالعاصمة وقامت بقتل الحراس المدنيين وأصحاب المحلات التجارية، كما أكدت مصادر تورط قوات السريع في عمليات إغتصاب وقتل، وقالت المصادر لـ ( أرونيوز 24) أن أكثر من 5 أسر بمدينة أمدرمان بمنطقة سوق ليبيا تعرضت لإعتداءات جنسية من قبل مليشيا الدعم السريع.

تشريد ولجوء

يذكر أن الفاريين من الحرب إلى مصر والذين تجاوزوا عشرات الآلاف حتى الآن ينقسمون – وفق شريحة كبيرة استطلعتها (أفرونيوز 24) إلى قسمين، الأول مواطنين عاديين رووا حكاياتهم مع التجربة بمرارة، ورغم خروجهم من بلادهم بهذه الطريقة المأساوية، تاركين خلفهم ممتلكات ومنازل لا يضمنون وجودها إن عادوا مرة أخرى، إلا أن معظمهم يقفون خلف قواتهم المسلحة، ويطالبوها بضرورة الخلاص من الدعم السريع الذين اتهموها بأنها كانت السبب في تشريدهم بهذه الطريقة، وأنها هي التي حولت بلادهم من ملجأ للنازحين واللاجئين إلى تحويلهم إلى طالبي لجوء، أما القسم الثاني من الذين أتوا للقاهرة فهم في الغالب مسيسون يلتزمون الصمت، لا يستطيعون مهاجمة الجيش، لكن في الوقت نفسه لا يستطيعون إدانة الدعم السريع، ويلاحظ عليهم الابتعاد عن الجدال في الحديث حتى لا تظهر نواياهم للعلن على ما يبدو.

‎الطلقة الأولى

المتابع للاشتباكات السودانية يرى تطور ملحوظ في أحداثها، ففي البداية كان البحث عن الطرف الذي أطلق الطلقة الأولى في الخرطوم، رغم أن قوات الدعم السريع كانت قد حاصرت قاعدة مروي الجوية شمالي البلاد، قبل يومين من أحداث الخرطوم، إلا أن المراقبين أخذوا زمنا في البحث عن سؤال معروف إجابته سلفا، وهي تدبير ونية مبيتة من قوات الدعم السريع لهذه المواجهة، إلا أنها كانت تخطط لها على أنها إنقلاب ينتهي في ساعات، ويبدو أن الجيش قد باغتها في ساعة صفرها ولخبط لها كل الحسابات بعد معركة فاصلة راح ضحيتها أكثر من 30 من منسوبي القوات المسلحة، وفق مصادر أكدت لنا أن الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي شارك فيها بنفسه، لتستمر الاشتباكات التي عاق الجيش عدم حسمها حتى الآن إختباء قوات الدعم السريع داخل الأحياء، ومن جانب الدعم السريع يبدو أنها لم يكن لديها خطة بديلة عن ماذا لو فشل هذا الإنقلاب، وهل قواتها قادرة على إدارة حرب طويلة مع الجيش الذي يملك طائرات ويتفوق عليها عسكريا، هل ستؤمن لنفسها امتدادات من خارج الخرطوم، أم سيمكنها الفرار إلى قواعدها في دارفور مثلا إذا فشلت؟، كل هذه الأسئلة على ما يبدو لم يتم الإجابة عليها في خطة بديلة، ليظهر الفرق بين القوات النظامية وقوات الميليشيا، التي لم تفرق على ما يبدو بين التكتيك والاستراتيجي.

تشويش وربكة

مع استمرار الإشتباكات يبدو أن قوات الدعم السريع مهزومة فيهاعلى الأرض، لأنها لجأت إلى حرب إعلامية موازية يقوم عليها مستشاريين وإعلاميين ببث الاتهامات والاشاعات عبر الفضاء الواسع، والتي كذبها الواقع تباعا، وذلك ربما للتشويش وإحداث ربكة للرأي العام، ومنها الاصرار على إتهام النظام السابق والاسلاميين هم الذين قادوا الجيش لهذه الحرب، لدرجة أن الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع اتهم الفريق البرهان بأنه مجرم حرب، وأنه سوف يسلمه للعدالة واصفا اياه بالكاذب، وسط استغراب السودانين من هذا الحديث، فهم يعرفون حميدتي جيدا وأنه صنيعة البشير ونظامه السابق، وكان يده الطولى التي كانت تضرب في دارفور في أوج حربها، ويعرفون جيدا من الذي مكنه من جبال الذهب بالبلاد، وأنه يقوم حتى الآن بتهريب هذه الثروة خارج السودان، وأنه لو كانت هناك عدالة لقدم حميدتي للمحاكمة لاتهامه بجرائم كثيرة أمنية وسياسية وإقتصادية في حق السودان.

خلاصة المشهد

الخلاصة أننا مازلنا أمام حرب لم يسدل ستارها حتى الآن، ويبدو أنها لن تتوقف قريبا، وأن ما يحدث في مفاوضات جدة قد يكون (تسكين) للمجتمع الدولي والإقليمي، وأن الجيش ربما يحتاج لبعض الوقت للخلاص من الدعم السريع تماما، أما حميدتي على ما يبدو يحتاج لهدنة يتواصل فيها مع حلفائه داخليا وخارجيا، أما تقاطعات الأجندات الدولية والإقليمية في السودان، فيها من شعر أن استمرار هذه الحرب ستجر السودان والمنطقة إلى بركان سينفجر في الجميع، وفيها آخرون مازالوا يراهنون على أحد الطرفين، ويبقى بعضهم متأكدا أن استمرار الحرب ليست في صالح من يراهنون عليه، لتبقى الأحداث بالسودان معقدة ومتشابكة، وتحتاج لإرادة حقيقية داخلية وخارجية لوقف إطلاق النار وتأمين حياة المدنين على الأقل في هدنة حقيقية يعاد فيها رسم الواقع السوداني من جديد، على أساس المواطن البسيط الذي بدلا من مكافاته على هذا الصبر الطويل، تحمل هذه الفاتورة الباهظة من دمائه وتشريد أبنائه.

اترك رد

error: Content is protected !!