فى إحدى جلسات الأنس والمسامرة التى جمعتنى بعدد من زملاء الدراسة والمهنة ممن شابت نواصيهم وهاماتهم ، وإستطالت وإستدارت وتربَّعَتْ صلعاتهم وجَلَحاتهم ، ورسم الزمان خطوطه الكنتورية على وجوههم وجباههم فى خدمة الوطن وأمنه وأمان أهله .. كُنَّا نتحدث عن هموم الوطن ونتساءل مع أحلام مستغانمى : هل يا تُرى أنَّ الوطن دخل سن ( اليأس) الجماعى ..!!؟ ومبعث ذلك التساؤل هو ما نراه من إفلاسٍ فى القِيَمْ ، وإنتكاسة فى الوعى المجتمعى وفى قيم المواطنة .. فقد صار تبادل الشتائم والتخوين والإساءة للناس الأحياء منهم والأموات علناً فى وسائل التواصل الإجتماعى لايثير دهشة الرجل العادى ، ونزل الخطاب الإجتماعى بين الناس إلى قاع الركاكة ، وكادت سُمعة أهل السودان الطيبة بين الأمم والشعوب أن تضيع بعد أن ضاعت هيبة الدولة فى النفوس من كثيرٍ من الناس .. فأخطر ما يتهدد أهل السودان وجيل الشباب على وجه الدقة هو ( اليأس الجماعى ) وإنعدام الأفق أو إنسداده والسقوط فى فخ اليأس المُطلَق ، فالتفاؤل فى ظل واقعٍ قاسٍ كهذا الواقع الذى يعيشه أهل السودان والذِّى هو خليطٌ من التناقضات التى صنعوها بأيديهم ، ومن ثم هربوا منها وإختبأوا وراء المسئوليات الفردية إنكاراً للإختلالات المجتمعية وإستتاراً منها .. يكاد يكون وقاحة رغم أننا مأمورون به فالبلاءُ مُوكّلٌ بالمنطق .. فبلادنا بحاجة للوعى والرشد المجتمعى وتكامل العقول لتَخرُج أخلاق أهله السمحة والتى عُرِفوا بها بين الأمم من مُعتَكفِها فقد كانوا ولايزالون نموذجاً لا يُضاهى فى السلوك المتمدِّن وإعادة توطينها القلوب لأنها ( شامة) و (قيمة مضافة ) .. ولن يكون ذلك إلاَّ بالعودة إلى منطق الدولة القوية على أساس الدستور والقانون والعدالة والمساواة .. والإيمان بها من الجميع وضمان سلامتها وإحترامها وصيانة مؤسساتها المدنية والعسكرية والشُرَطية ، وبِغرس شتلات الأمل والخير فى هذا الشعب المُعلِّم فالغاية الكريمة لا تُنَال إلاَّ بالسمو والتسامى والصدق فى المقاصد وشرف الوسيلة .