الرأي

رسالة ماجد يوسف الاخيرة : دمعة بين السطور


كتب : د.كرار التهامي


???? كيف غبت في ذلك اليوم ياقمر الصحابة بكت عليك اعين كثيرة حينما حجب البدر سحابة ،،،،،فسيفساء مجتمعية وسياسية وقفت على حافة القبر يربطها الحزن بعضها ببعض وهي تتحلق في الجسد المسجى وهو يستأذنها الرحيل مع مهابة الدعاء طافت الروح السموات ومكث الجسد العليل يد تمسك خيوط القدر ويد نودع الصحاب ،،،
???? سُفحت عليك دموعٌ غزيرة جاء اصحابها في دروب الذكريات من كل حدبٍ وصوب كل صاحب دمعةٍ ذرفها من وحي التذكار وعشرة الايام ورفقة عمر الطويلة او دراسة او صداقة الطفولة البكيرة في ظلال الشجر في المدن او في الدساكر والهُجَر او قبلة وداع على يدٍ بيضاء مددتها ساعة الضراء او السراء او جزيل عطاء بيدك اليمنى لا تعلم عنه اليد اليسرى كلهم كانوا حول الجسد ولو كان يحل لهم لخطفوه من الموت قبل ان يتخطفه
???? بكى عليك من نشأت بينهم و من تعلمت معهمً او من شاركتهم رهق الترحال في وعر السياسة والدبلوماسية واختلط الحزن في العيون بالفخر والاسى والدمع الهتون وسرت الذكريات الحارقة في عصب الزمان فارهقت الذاكرة الحسيرة وتجمدت داخل الانفس تلك الساعة المآسي والدمع الحبيس و طعم الفجيعة الحادق ،،،،ياله من فقدٍ جلل
????الحزن لايمكن استعارته ياماجد لو كان ذلك ممكنا لاستعرت احزان الناس كلها ودموعها اكمل بها حزني الذي لم يستوف حزني عليك
ايامنا معك كانت طويلة و نبيلة
التقيتُ ماجد اول ما تسنمتُ مقعدي في دروب العمل العام الوعرة قبل اكثر من عقد من الزمان كان ذلك في مجلس لاصدقاء خلص يلتقون بين الحين والاخر في تلك المجالس العامرة ،،،تبادلنا الحديث قال لي، وهو يبتسم على طريقته في مزج الجد بشيء من اللطف ورقة الشعور والطرفة والذكاء ودماثة الخلق “، لا تركن في مسكنك او دابتك على عطايا الميري فالوظيفة العامة متحولة ومنزوعة كن مستعدا ليوم نزعها بحر مالك ومسكنك ودابتك وسبل كسب عيشك ” لم يكن لي سابق معرفة بالوظيفة العامة (ومغارزها) لكن نصيحته التي قالها مداعباً ظلت شاخصةً في حياتي قابلتني في اول الطريق وفي منتصف الطريق وفي نهاية الطريق،،، نصيحة محضها رجل تقي ورع نقي السيرة والسريرة صاحب خبرة ودربة يحب الخير للناس فيعود الخير اليه مدراراً ???? دارت الايام ومرت سنوات كنا نلتقي مساء كل خميس لم ينقطع هذا اللقاء سنوات طوال نتآنس مع مجموعة رائعة من الاصدقاء عبد الله حمدنا الله ،خالد فتح الرحمن حسن حاج علي السفير عبد العظيم الكاروري السفير الريح حيدوب السفير احمد يوسف والسفير احمد التجاني سوار و السفير خالد شكري والسفير فتح الرحمن علي ويسن عبد الله وعادل الباز ودكتور اسماعيل صالح ذلك الرجل النبيل الذي يأتي من الرياض فيزيد الاحتفاء احتفاء وحرارة اللقيا حرارةً استمرت هذه الصحبة ودامت هذه اللقاءات اكثر من عقد من الزمان لم ينفض المجلس وينعقد مرة اخرى الا وزاد عدد الاحباب واستعر شوق الصحاب
???? اخر موعد لم يحضر ماجد كان يتصعد على طائرة هبط منها ثم حلقت الروح الى السماء ،كنا قبل ساعات الرحيل في دار اسماعيل حيث كان اللقاء في تلك الامسية سألت الكاروري عن ماجد الذي كنا نتوقع حضوره كالعادة فقال “انه كحالتي يعاني من التهاب ويخش عليكم من العدوى”
???? وقتها كان ماجد يحزم امتعته نحو بوابة الخلود كان القدر ينسج اخر خيط في قماشة عمره ويستدرجه الى السماء وهو في غض اهابه وشبابه وكمال عافيته و جلال ابتسامته التي لم تفارقه حتى وهو في النزع الاخير … ???? فتحت صبيحة الجمعة رسائل الواتساب التي نتداولها مع بعضنا منذ سنوات ولم ينقطع عن ردها حتى عندما كان الموت يقترب منه رويدا رويد وهمس الاقدار يعلو قبل ان نسمع صرير الموت وصرخته التي تشق صمت الحياة ،،،
???? لم يتوقف عن اللطائف رد على رسالة الجمعة الاخيرة برد لطيف كدأبه ومألوف اسلوبه و كتب لي بعد مباركة الجمعة مع وجه ضاحك
“مجلسك مفهوم شوف رايق
عقده ناقص زول والا تام “
حيث كنت اكرر له ذلك المقطع كل ما الاقيه كأنه كتبها من وحي الحقيقة وفراسة المؤمن التقي كانت اخر سطوره في بريدي كانت اخر نقطة في السطر هي اخر نقطة في حياته ساعتها اذن مؤذن الموت رفعت الاقلام وجفت الصحف
???? رسالته الاخيرة ليس ذلك المقطع المعبر المالوف في النصوص فرحيله هو الرسالة العميقة للغافلين عن الموت والمنكبين على الحياة كانها دار الخلود والناس مواعيد القدر التي لاتؤخر ولا تقدم
???? رحل من الديوان قبله يسن بعد تجربة حياتية ملؤها المحبة وطلاوة الحديث والمزاح الملون ثم لحق به صديقه الصدوق عبد الله حمدنا الله الذي اخذ معه متعة الكلام والثقافة والسياسة والفلسفة والادب وبيت القصيد والسمر وغرقنا بعدهما في الصمت والحيرة واللقاءات العجلى الكسولة
???? ثم سافر ماجد في درب الخلود دون ان يودعنا كأن جسده الطاهر اثر ان يفارق مرتين ،، مرة من الذاكرة من حديث تلك الامسية حيث تغافلنا اصحابه عن ذكره من باب العتاب و مرة في الغياب القدري من دروب الحياة الدنيا الى البرزخ بعيدا عن احبابه ليرحل رحيل الفجيعة والوجع المر
???? لايحتاج ماجد وقتا طويلا حتى تقرا متون شخصيته ومغاليق سريرته الوضاءة،، يمكنك من اول وهلة ان تعرف الثبات الاخلاقي الذي يتميز به والاصل والممتد والتبانة و من اول وهلة سهل ٌان تعرف ذكاءه و كرم خليقته واستقامة طريقته وكيف يتداخل الجد عنده بالهزل النبيل والدعابة اللطيفة بالادب الجميل تجده في كل موقف انساناً مزّاحا ومداعباً لم يتغير طبعه مع تغير الازمنة والامكنة والوظائف والمواقع ولم يتبدل عن وتيرته المنقادة ولا سجيته المالوفة ظل حتى لاقى ربه على نفس طرائقه الجميلة ومذاهبه المستحسنة راجح العقل والفضل والمحبة للجميع
???? في الليلة الظلماء يا بدر الدجى سيفتقدك اصحابك ورفاقك وتفتقدك مهنتهك واهلك وعشيرتك سيفتقدك وطنك الذي اجزلتَ له البذل والعطاء واخلصتَ في خدمته اينما استنصرك و حيثما استخفرك يفقدك محلس اصحابك الذي اصابه زلزال فقدك فنقص عقده( زولاً )امة و نقص الروح و القمر المنير ورمانة الميزان ومن بعدك سيظلم نوره وينطمس ضوؤه وينمسخ جماله ويصوح زهره
???? اللهمّ إنّه عبدك وابن عبدك، خرج من الدّنيا، وسعتها، و زينتها، وأحبّائه فيها، إلى ظلمة القبر، وما هو لاقيه.
اللهمّ انه نزل بك وأنت خير منزولٍ به، وأصبح فقيراً إلى رحمتك، وأنت غنيٌّ عن عذابه.اللهمّ بشر اخانا ماجد بقولك:
(كلوا واشربوا هنيئا بما اسلفتم في الايام الخالية )
آمين

اترك رد

error: Content is protected !!