الرأي

حميدتي .. سفينة الصحراء ..

✍️ حسن فضل المولى 

( وبعد، فليعلم الفريق خلا حميدتي وكل مليشيات الجنجويد الذين غالبيتهم العظمى لم يكتسبوا جنسياتهم السودانية إلا عبر الفساد السياسي في زمن الإنقاذ (1) والإنقاذ (2) ثم الآن في زمن الإنقاذ (3)، ذلك في سعي دولة الإنقاذ المارقة لحماية نفسها ولو كان ذلك سيؤدي إلى تدمير مؤسسة الدولة السودانية (أقدم مؤسّسة دولة في تاريخ البشرية) وتقتيل الشعب السوداني وتنزيحه وتهجيره قسريا – فليعلموا جميعا بأنهم لن يُعترف لهم كسودانيين ولو حكموا السودان في هذا العهد الغيهب المظلم. وليعلموا أن وجودهم في الساحة السياسية السودانية والاجتماعية ليس سوى عار وطني سنغسله عن جسد الوطن ونطهره قريبا، قريبا ) ..

هذا ما قرأته لأحد السياسيين المخضرمين وهو مُجْتزَء من مقال طويل ممهور بإسمه بتاريخ ٢٢ يناير ٢٠٢١ ..

وأنا مع احترامي وتقديري للأستاذ الكريم ، إلا أنني ، و بأدبٍ جم ، أرى أنه من الأصلح والأحوط لنا ، والسودان في مهب الريح ، أن نتواصى على سلوك قوْلِي وفِعْلِي ، يجعل من ممارستنا للسياسة ، جهداً مسؤولاً يُقَرِّب ويُسَدد ،، لا يُفْسد ويُدْمِي ، وأن نُقْلِع عن القذف والسباب وكيل الإتهامات ، وكل ما من شأنه ، أن يغذي الضغائن والإحن والأحقاد ، ويُسرع بنا نحو الهاوية ، على نحو ..

ياجنجويد برَّه 

و نَبِلو بل البلال يابلال 

و نفرتكو طوبة طوبة 

و نفككو صامولة صامولة

و نَقَطِعُوا قطعة قطعة 

و نطحنوا حبَه حبَه 

و نكسروا حِتة حتِه ..

و إن كان (الكِسَّير) عندي ، لا يحسُن إلا ( للقطر ) الشال (معاوية) ..

( و القطر الشال ( معاوية ) 

يتكسر زاوية زاوية 

و يسلم لي ( معاوية ) 

و القطر الشالك إنت 

يتكسر حتة حتة 

و تسلم لي إنت 

إنت شِلتُو شِلتُو جيبو يا القطار ) .. 

و( معاوية ) كان يوماً بيننا ، في منزل شيخ العرب سعادتو ( عصام عبد الحميد ) في إحدى دعواته الحَفِيَّة والأنيسة ، وبعد أن تغنت ( هدى عربي ) بهذه الأغنية ، لَفَتُّ نظرَها إلى أحد الجالسين أن ذلكم هو ( معاوية ) ، الذي نُسِجَت فيه الأغنية ، فيلزمك إعادتها حتى يكون إحتفاؤك بها أعمق في حضرة فارسها ، الذي يتراءى فيه الزمن الجميل ..

و من بَفْ نَفَس القِطار ، إلى هدير ( الدعم السريع ) ..

وأقول .. مستعيذاً بالله من الشيطان الرجيم ..

أنا لست من أتباع ( حميدتي ) ، أومشايعييه ، فقد أكون أقرب إلى ( حمدوك ) مني إليه ، كما أني لست بصدد الدفاع عنه ، فهو ، ومن حوله ، أقدر مني على الدفاع عنه .. ولكني في نفس الوقت ، لن أستنكف عن إنصافه ، إذا اقتضى الأمر ، ذلك أني تعودت أن لا أُرِيَّن من نفسي تهالكاً على أحد ، أو إنقباضاً عن أحد .. 

وذِكْرُ المحاسن عندي ، مقَدَمٌ على ابراز المساوئ و المعايب ..

وبدءاً ..

 مرة واحدة تلك التي ، رأيت فيها ( حميدتي ) ، وجلست إليه ..

 كنت مع آخرين وذهبت يرافقني الأخ ( عمار شيلا )..

وكانت الزيارة بطلب منا ، ولم تخرج عن هدفها من الحديث عن معاناة الإعلام المرئي ، والحاجة إلى دعمه وإسناده ..

تحدث إلينا مطولاً ، و وعدنا برفع مسألتنا إلى السيد ( رئيس مجلس السيادة ) ..

وعند خروجنا قلت للأخ عمار :

( النائب ) شتت لينا ( الكوره ) .. 

كانت أول نظرة 

وآخر نظرة ..

بعدها ظللت كغيري ، متابعاً لما يقول ويفعل .. ولما يُقال عنه ويُنسج .. 

كلما تحدث ، كان كمن رمى حجراً في بركة راكدة ، فيضطرب ماعون السلطة ، وترجح كفة وتطيش أخرى ، وتضج الأسافير بكل قولٍ منهمر .. 

مابين قادحٍِ و مادحٍِ و رادِحٍ و ( رايح ) .. 

وذلك يعود إلى أن الرجل يتحدث بلغة مستغربة على آذان محترفي السياسة ، ومن تبعهم وسلك طريقهم ..

يتحدث على سجيتة وبعفوية ..

بلغة ٍموغلة في البساطة ، وأحياناً بطريقةِ كل ما يُعرَفُ يُقال ، وليس هناك ماهو ( مسكوتٌ عنه ، ومدسوس ، ومغتغت ) ، خاصة عندما ( تنبشق ) و( تنبهل ) و ( تندلق ) ، أي ينفرط عقدها ، وتذهب ريحها ، وينحسر ظلها ..

وأنا كلما أحاول أن أتخذ منه موقفاً خالصاً ، أو أخلص إلى رأي قاطع فيه ، أجدني عاجزاً ، فمرة معه ، وتارة ضده ، وأخرى مُلتبسٌ إزاءه ، وذلك مرده إلى أن ( حميدتي ) جاء من خارج المألوف ، ويقول غير المألوف ، ويأتي بغير المألوف ، ويرمي إلى ماوراء المألوف .. 

لذا فإن الكتابة عن رجل يعترك الناس حوله .. مابين محبٍ مفرط ، ومبغض مفرط ..تكون أشبه بغمس الأيادي في إناءِ ( زيتٍ ) يغلي ، أو أن تسير حافياً ، على طريق مزروع بالأشواك ، ونِثار الحديد .. 

ولكن ..

ليس كل ما يُهابُ يُترك .. 

ذلك أن مسيرة ( حميدتي ) حتى يومنا هذا ، شاء من شاء وأبى من أبى ، ستظل علامة بائنة في تاريخ السودان المعاصر ، وصفحات مليئة بالدهشة والإنكار ، والإعجاب ..

إن حميدتي ، والذي يبلغ من العمر ( ٤٦ )عاماً ، ينحدر من قبيلة ( الرزيقات ) ، والتي هي فرع من ( البقارة ) من ( جُهينة )، وهي قبيلة عربية راسخة ، تنتشر في كل أرجاء دارفور ، وطرفاً من كردفان ، وتتوغل في تشاد ..

و ( الرزيقات ) ، شأنهم شأن القبائل ( الدارفورية ) ، قوم أشداء ، نُجَباء ، كُرماء ، فرسان ..

وهم يتصفون بكل ما يَسِم أهل البادية ، الجَائلِين في القِفار والفلوات .. إذ تجدهم أكثر رجولةً و أحسن حالاً في جسومهم وأخلاقهم ، من أهل التُلُول و المدائن والحضر ، المنغمسين 

 في العيش والنعيم ،، فألوانهم أصفى ، وأبدانهم أنقى ، وأشكالهم أتم وأحسن ، وأخلاقهم أبعد من الإنحراف ، وأذهانهم أثقب في المعارف والإدراكات .. وهو ما ذهب إليه ( ابن خلدون ) .. 

والذي يُخفي فيهم هذه الخِلال ، هي ( الشَقَاوة ) ، فما أن تنجلي عنهم ، ويكتسون مسحة من التحضر ، حتى تجد نفسك أمام رجال غاية في الوسامة و(القيافة ) ، ونساء في منتهى الملاحة و( السماحة ) .. 

ومن بطون البوادي ، وجوف الصحاري نبت ( حميدتي ) ،،تقلب في زمهريرها ، واكتوى برمضائها ، وواجه مخاوفها ،  وتجرع ظلمها وظلماتها ..

بدأ ( راعياً ) ، شأن كثيرٍ من القادة ، الذين صنعوا التاريخ ودانت لهم الرقاب ، بعد أن استمدوا من هذه المهنة صبراً ومِنعة ً، وقدرة على منازلة الشدائد ، واستكناه كل حيلة لإكتساب فنون القيادة . لذلك تجد راعي الإبل مثلاً يأخذ كل صفاتها ، من صبر ، وتحمل ، وإستشراف ، وعيشٍ على القليل ، وفخر ، وخيلاء ..

وهي حياة لا تخلو من رقة ، تخفق بها قلوبهم ، على وقع حداء الإبل ، وهي تزمع الرحيلا ، وعلى ظهرها الحبيب ..

(ياحاديَّ العيسِ عَرِّج كي أُوَدِعُهم 

ياحادي العيس في تِرْحِالك الأجلُ

لما أناخوا قُبَيل الصُبح عِِيسَهم 

وحَمَلُوها وسارت في الدُّجى الإبل 

وأرْسَلَت من خلال الشق ناظرَها ترنو 

إليَّ ودمْعُ العينِ ينهملُ 

إني على العهد لم أُنْكِر مودتَكم 

ياليت شعري بطول العهد مافعلوا ) .. 

وطَوَّر ( الرجل ) مهنته من الرعي إلى التجارة ، وهي تجارة إمتدت إلى ليبيا ودول الجوار ،، ولما وجد قوافله عرضة وهدفا للصوص و قطاع الطرق ، أنشأ قوة تزود عن حماها ( العوارض والقوارض ) ،، وكلما اتسعت التجارة تعاظمت القوة ، حتى أصبح يُخْطَبُ وُدُها ، وتُتَقى شوكتُها ، ويأتيها البعيد طلباً للنجدة والحماية .. وشيئا فشيئا ، أصبحت هذه القوة ( جيشاً عَرَمْرَماً ) ، يجوس خلال البلاد ، من أقصاها لأدناها ، ويحتمي به الأبعدون قبل الأقربين .. 

وتتأمل هذا الجيش ، فتجده نظيماً كحبات العقد ، متناسقاً كأسراب الطيور التي تحلق عابرة للآفاق ، وكل طائر يمضي وفق خط مرسوم لا يشذ عنه .. وتراهم على ظهور الناقلات ، كأنهم خُشُبٌ مثبتة ،   لا تتزحزح ولاتميل . ويبلغ بك الظن أن لو رفعت حجراً لخرج من تحته جندياً بكامل عدته .. 

وأنت إزاء هذا التجييش والترتيب والتدبير ، لا تملك إلا أن توقن أن وراءه ( عبقرية ) فذة ، تَوَفَّر لها من الفهم والدراية والعزيمة ، ما يعجز عنه حملة الشهادات والرتب الرفيعة ، من خريجي الكليات العسكرية المتقدمة .. 

ولعل من أصعب الأمور ، سياسة ( الجُنْد ) ، وإسلاس قيادهم ، وكبح جماحهم ، لأنهم أمْيَل إلى التَّفَلُت ، 

والطغيان ، كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا ، لذا فإنه لا يتصدى لقيادتهم ، إلا أولو العزم والقوة والكياسة ، الذين لايُبالون وقعوا على الموتِ ، أم وقع الموتُ عليهم .. 

لقد أصبح ( حميدتي ) ، تُشد إليه الرحال ، و يُوفِضُ إليه الناس مُهْطِعِين ، وتجدهم عن يمينه وعن شِمَالِه عِزِيِن ، مابين تابِعٍ، و حليفٍ ، و مُؤمِّلٍ ، و سائلٍ ، 

و مُداهِنٍ و ماكرٍ ..

و تجد حوله الأستاذ الجامعي ، والموظف ، و الطبيب ، و الضابط العظيم ، و المهندس ، و العامل ،، والساسة ، و الشيوخ ، و العُمَد ، والنُظَّار ، و الرجرجة و الدهماء .. 

وترتبط به مصالحُ أقوامٍ ، وجُمُوعٍ وجنود .. 

أصبحوا يرون فيه كفيلهم ، وكافلهم ، وكافيهم ، ومكافئهم ، وهي مصالح أقلها إعالة مئات الألوف من الجنود ومن يعولون ، ومثلهم من العشيرة ، و أهل الولاء ، والأتباع ، والمؤلفة قلوبهم ، والمصرومين ..

وكثيرون .. كثيرون.. تمتد إليهم أياديه .. 

وكثيرون .. كثيرون.. ينعمون بالأمن في ظله .. 

وكثيرون .. في نعيمه يتقلبون ..

وكثيرون .. لا بقاء لهم إلا ببقائه .. 

وساسة كُثر يدخلون عليه من أبواب متفرقة ليأخذوا منه ( الفي النصيب ) 

ثم يتسللون لِواذاً مُكَمَمِين و مُظَلِّلِن .. 

ومؤَمِّلُون على بابه ينشدون ..

( مانِعْنِي قُربك 

وقُربك منايا 

حارمني حبك 

وحبك دوايا 

الدنيا تحلى 

صعابا ساهله 

بس انت روق .. روق وأحلى ) ..

لذا فإن هذه ( القوة ) ، التي حِيزت له ، والآمال التي انعقدت عليه ، مهما تفاوت تقديرنا لها ، واختلافنا حولها ، وتَبَايَّنَا حول جدواها ، وضرها من نفعها ،، يبقى أنه من الأسلم ، والأحوط، أن نقدرها حق قدرها ، ونعي جيدًا أنها لم تنشأ هكذا اعتباطاً وبسهولة ويسر ، حتى يمكن التفريط فيها والتخلي عنها كما يحلم بعض ( الواهمين ) .. 

إنها كأي ( قوة ) شبيهة في التاريخ القريب والبعيد ، نشأت على محك الشدة ، وأريقت على جوانبها دماء غِزَار ، وأزهقت أرواح ، وسالت دموع هِطال ، واحترقت أمتعةٌ وأكباد .. فقد وجدت لتبقى وترسخ،، مهما عصفت بها الأنواء ، وأحاطت بها الخِطار ..

و ( حميدتي) ، خلال مسيرته المُضْنِيَة ، فَقَدَ كثيراً من رجاله الخُلَّص وذوي مودته وأهل بيته ، ولكم أن تعلموا أن سبعة من شقيقاته قُتِل أزواجُهن قتلا .. وهو قد خاض غمار عشرات المعارك و نجا من الموت عشرات المرات ، وتجرع المرَّ من المرارات ، ورأى من الأهوال ما يشيب له الولدان ، وتضع قبل أجلها ذواتُ الأَحْمَال ..

و قد يقول البعض ..إن تلك مسيرة لا تهمنا ، ومعارك لا ( ناقة ) لنا فيها ولا ( حَمَل ) و لا( جَمَل ) .. 

وأن الرجل قد فعل وفعل وفعل ..

وهو اعتراض لا يخلو من وجاهة ، في نظر البعض ..

ولكنني قصدت أن أخلص إلى أنه من ( العَبَط ) و ( السذاجه ) ، أن تزدري وتحتقر رجلاً هذه سيرته ومسيرته ،   وتتوعده ( بالإجلاء ) أو ( الجنائية ) ، أو أن يخيفه وعِيِدُ أولئك الذين لايزالون يعتقدون في ( ود أم بُعُلُو ) ، وهو ذلك الحيوان الضخم المُتَوَهَم الذي يُخَوَّف به الأطفال ..إذ أن هناك بون شاسع ، بين من يُنَشَّأ في مثل هذا المعترك القاسي مصادماً ، ومنازلاً ، ومنافحاً ،، ومن يُنَشَّأُ في الحِلْيَةِ وهو في الخصام لَيِّن هيِّن غيرُ مُبِيِن .. 

والذين أصبحوا كلما حزَبَهُم أمْرٌ وكَرْبٌ ، وضاقت عليهم واستحكمت حلقاتُها ، يُلوِّحون له ، ولغيره ، ( بالبعثة الأممية ) .. وما درى هؤلاء ، أنه عندها سيجدون من يُعِيد ، ألف مرة ، قصة ( أبو سن ) مع الخواجه ، إبان فترة ( الاستعمار ) ..

لقد تم تعيين خواجه شاب ، مفتشاً لدار قبيلة الشكرية ، فجاء يوماً مزهواً ( منتفِشاً ) إلى شيخ العرب ( أبوسن ) فوجده في مجلسه كعادته ، فقال له بِصَلَف : (أسمع يا ( أبو سن ) أنا هِنا المسؤول عن ( شكرية ) كلامي أنا يمشي مش إنت ) ، فالتفت إليه أبوسن قائلاً : يا خواجه شايف الشِدره الفي الحوش ديك ؟ ) ، فرد الخواجه : ( أيوا أشوف ) ، فقال له أبوسن : ( الشِدَرَه دي فِيِك ياخواجه ، لو كلامك يعلا علي كلامي هِنا ) ، وكان أن تم نقل الخواجه ،وبعد فترة ترقى إلى مأمور ، فسعى لأن يُنْقل إلى ديار الشكريه ، فجاء إلى ( أبو سن ) ووجده في مجلسه المعهود ، فقال له : ( شوف يا ( أبوسن ) .. أنا بقيت مامور إدارة كبير لكل المنطقه ، مش شكريه بس ، دا الحين كلامي يمشي ) ، فرد عليه أبوسن : ( ما إنت الكِبِرت براك ياخواجه ، كِدي عاين للشِدره تاني ، هي برضو كِبْرَت ) .. 

و مخطئ من يظن أن ( حميدتي ) مجرد ( مطية ) ،، لا في الماضي ولا في الحاضر ، ولا أظنه سيكون في المستقبل ، ذلك أن ( الرجل ) وأمثاله ، من القادة الميدانيين ، الذين أهَلوا أنفسهم بأنفسهم ، تجدهم من الذكاء بحيث يعرفون كيف يُطَوِّعون الظروف لبلوغ غاياتهم ، وكيف ومتى ومع من يتحالفون ، وكيف يسلكون طرائق قاصدة ، تجعل منهم رقما عَصِيَّا على التجاوز ، في معادلة السلطة والقوة ، بما أمكن لهم ، من حيلة وذكاء وبُعْدُ نظر .. لذا تجد مواقفه تبدو متأرجحة ، في نظر من يريدونه كما يبتغون ويشتهون ، وهذا ما نلمسه في يومنا هذا ، فإن البعض إذا وجد منه موقفاً مُمَالِئاً فهو ( الضكران الخوف الكيزان ) ، وإذا وجد منه موقفا مُنَاوِئاً فهو ( جنجويدٌ عُتُلٍ ) ليس من ( السودان ) ، وعليكم به أيها ( الأمريكان )..

وهُوَ .. هوَ .. 

وكما يُقَدِّرُ هوَ ، أن يكون هوَ .. 

مثله مثل العمود المنتصب ، يظل على حاله ، ليلاً و نهاراً ، صيفاً وشتاءً ، و الظل من حوله ، يمتد و يقصر و يتلاشى .. 

إن ( الدعم السريع ) ، أو مايمكن أن أُطلق عليه ، ( القوات المساندة ) ، أرى فيه طاقاتٍ مهولةً وهائلةً ، يمكن أن توظف فيما ينفع العباد ، ويحفظ البلاد ويدرء الكوارث ، والجوارح ، والمُدْلَهِمات ..

لذا فليكن تعاطينا معه أشبه بتعاملنا مع ( خلية النحل ) ..

إذا تركتها وشأنها ،، أمِنت ، وسَلِمت ، وجنيت عسلاً مختلفاً ألوانه وطعومه ،، وإن تجرأت عليها ، و اقتحمتها ، فلا عسلاً بلغت ، و أوسعتك لسعاً وقرصاً وطِعاناً .. 

ومن هُنا .. 

فالذين يوالونه ، عليهم أن يعينونه على إحقاق الحق ، وفعل الخيرات ، والتجافي عن الظلم بكل أشكاله ، ومحاصرة كل مُتَفَلت و مارق من بين صَفِهِ .. 

و أراه راغباً في ذلك وعازماً عليه ..

و الذين يعادونه ، فليحذروا الفجور في الخصومة ، واستعجال يوم كريهة ونِزال ، وهو ما لو حدث ، فإن ذلك هو الخسران المبين ، لبلد أصبح كالبرميل المعبأ بالبارود ..

ليكن نهجنا ، أن نُقْبِلُ على بعض 

و نُعْلِي من قدر بعض 

و نفاخر بصنيع بعض 

ونلتمس الأعذار لبعض ..

فهل من مُعْتَبِر !!

خاصة و أن ( سودان ) الغد ، سيكون مختلفاً تماما عن أمسه ، وسيستحوذ فيه على ( الكرة ) لاعبون جدد ، فعلينا أن نُوَطِّن انفسنا منذ الآن ، على قبول ذلك المُسْتَجد إذا اسْتَجَدَّ ، والتأقلم معه إذا أسفر .. 

وكما أن السودان يسع الجميع ، فهو للجميع ، وليس هناك من هو أحق به 

من غيره ..

لذا فلنكن جميعنا ذلك الرجل الرشيد

فبدلاً من أن نخسر كلنا 

دعونا نكسب كلنا 

نكسب وطناً يشمخ بتنوعنا 

نكسب وطناً يغدو كالبنيان المرصوص 

إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائره بالسهر والحمى .. 

وهذا لن يتأتى إلا بالتعالي على ( المرارات ) ، ونبذ أولئك الذين هم كالديدان التي تنكأ الجِراح لتقتات من صديدها .. 

و سَلِمَت بلادي 

و السلام .. 

أم درمان ٤ يونيو ٢٠٢١

اترك رد

error: Content is protected !!