حياة عفية/ د نهلة صالح اسماعيل- سكر

جنون الغذاء (٢)

نهلة صالح إسماعيل

في المقال السابق جنون الغذاء (١) أشرنا فيه إلى أن نقص الغذاء في فترة الحمل يمكن ان يؤدي إلى ظهور المرض النفسي بعد الولادة في مرحلة عمرية لاحقة، قد تكون في الطفولة أو المراهقة أو النضج. وتكمن الخطورة في أن نقص الغذاء في مرحلة تكوين العضو يؤدي إلى خلل في التكوين السليم إذ أن الغذاء يكون بمثابة الوقود والمحرك للبناء، فنقص الغذاء غالبا ما يؤدي إلى خلل او عطل في البناء والتكوين السليم. مثال لذلك كل عضو في جسم الجنين يحتاج لنوع من الفايتمينات التي تتوفر في اغذية معينة مثلا الدماغ في مرحلة تكوينه يحتاج لبعض الاغذية ومن أهمها الاوميقا ٣ كما جاء في عدد كبير من الدراسات والبحوث ومنها دراسة كلاوس W ( Klaws .W) نيوروسايكولوحيست بجامعة ريسنبيرج التي اشرنا إليها في البوست السابق والتي توصلت إلى أن نقص الغذاء في فترة الحمل يؤدي إلى خلل في تكوين العضو حتى إذا كان الجين المورث سليما.

  • وهو ما اكده ماري كلير
    (Mary Claire )
    بروفسور بجامعة واشنجتون بقسم الطب وعلم الجينوم، وأفاد كلير بان نقص الغذاء في فترة الحمل قد ينتج عنه طفرة جينية
    (Mutation de Novo)
    ونقص الغذاء غالبا ما يعوق ال DNA من عملية التصحيح التي تقوم بها تجاه العضو، وذلك أن واحدة من وظائف ال DNA المتعددة ان تقوم بمحاولات تصحيح الجين المعطوب وفي حالة نقص الغذاء (الوقود) غالبا ما يحدث العجز والخلل التكويني للعضو او الجين. فاذن نقص الغذاء الذي يساعد في بناء الجينات الدماغية غالبا ما يؤدى لظهور المرض النفسي لاحقا وبعد الولادة نتيجة للخلل البنائي والتكويني.
  • اما العالمان براون وسوسر ( Brawn and Susser) أكدا أن احتمالية الإصابة بمرض الفصام Schizophrenia لاحقا إذا تعرضت الأم الحامل لنقص الغذاء في هذه المرحلة الحرجة وذلك لأن هذا النقص الغذائي يجعل الجين اكثر ضعفا وقابلية لإلتقاط المرض لاحقا وبعد الولادة.
  • دعم هذا الفرض بدراسة أجريت فيما بين تعرض الأم الحامل للمجاعة في مراحل الحمل الاولى وظهور مرض الفصام لاحقا وبعد الولادة. تناولت الدراسة المجاعة التي ظهرت في هولاند للعام ١٩٤٤/ ١٩٤٥م حيث كانت المجاعة قاسية جدا مع ندرة في الطعام والمؤن. واوجدت نتائج الدراسة إن الامهات الائي تعرضن للمجاعة في فترة الحمل ومراحل تكوين الجنين ظهرت اعراض مرض الشيزوفرينا (الفصام ) فيما بعد لئلئك المواليد الذين أجريت عليهم الدراسة .
  • لم تختلف نتائج هذه الدراسة السودانية والتي احسبها الاولى من نوعها في السودان والوطن العربى، وذلك لعدم توفر الدراسات العرببة في هذا الموضوع تحديدا في زمن إجراء الدراسة وكان ذلك في العام ٢٠١٧/ ٢٠١٨م .
  • واوجدت نتائج هذه الدراسة السودانية ان الامهات المرافقات لابناءهن المرضى قد تعرضن لسوء او نقص الغذاء في فترة حملهن بالإبنة او الإبن المريض، وكان ذلك نتيحة للفقر الغذائي والجهل بالتغذية.
    وعلى صعيد آخر وعلى النقيض لهذه المجتمعات الفقيرة، لاحظ العلماء في الدول المتقدمة والغنية إنتشار بعض الأمراض النفسية وتفشيها بصورة سريعة ومنتشرة رغما عن ظروف الحياة الميسرة السهلة، فقامت تلك الدول بعمل دراساتها وابحاثها توصلت النتائج إلى ان واحدة من أسباب المرض النفسي هو نقص الغذاء في فترة الحمل ومراحل تكوين الجنين وذلك لإعتماد تلك الدول الغنية علي الوجبات السريعة الخالية من المواد الغذائية التي يحتاجها الجسم في بناء العضو او الجين في مرحلة البناء والتكوين أي مرحلة الحمل .
    وعليه نرجو ونحذر بضرورة الإهتمام بالتغذية في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها البلاد فعلى الحوامل وغير الحوامل الإهتمام بهذه الامور تجنبا لزيادة الضغوط التي يتعرض لها المواطن والافراد والإبتعاد عن تناول الوجبات السريعة بانتظام . هناك أطعمة بها من المواد والفايتمينات المحفزة لبناء الخلايا والموصلات العصبية، فنتمني من علماء ودارسى التغذية إفادة الناس والمجتمع بتلك العلوم والأبحاث التي يجهلها كثير من الناس وهم في امس الحاجة لتلك العلوم والمعارف حتى لا تكون حكرا على المكتبات وأرفف الكتب.
    دمتم عافية وصحة نفسية.

اترك رد

error: Content is protected !!