الرأي

انتخابات لبنان و السودان نفس (الحصائل) نفس الملامح ١-٣

✍️ د. كرار التهامي

 الخوف من الاخر هو حصاد التجربة اللبنانية منذ عهد المتصرفية العثمانية في عشرينات القرن الماضي  ،،،لم تأت فكرة التمثيل النسبي المعاصرة في لبنان من فراغ لكنها   كانت جرعة مهدئة و وصفة  لضمان تمثيل الاقليات العرقية والاثنية ،، 

▪️ تمت ترقية هذا النظام الانتخابي عكس حركة التاريخ الى درجة تشويه الديمقراطية الليبرالية الاكثر رسوخا في ألعالم العربي و التي اخفت تحت مظهرها الليبرالي الجميل عُقد وتشوهات السياسة والطائفة والقبيلة والبيوتات الكبيرة حتى صار مألوفًا ان تُخصص مقاعد باسم الطوائف فهنالك مثلا مقعد للارثوذكس واخر للمسيحي الماروني وللسني والشيعي والدرزي حتى نظام الدولة نفسه تتقاسمه ترويكا طائفية ثلاثية الاضلاع فرئيس الدولة مسيحي ماروني ورئيس المجلس التشريعي من الشيعة ورئيس الحكومة من السنة رغم ان الدستور لا ينص على لكن الخوف هو الذي فرض هذا الترسيم ولتحويل ذلك الخوف الى معادلة انتخابية صار لكل دائرة عد من (الحواصل) لاستيعاب ذلك التمثيل الطائفي و(الحاصلة )هي التوصيف التقني لحاضنة وماعون هذا الاقتسام وحاصل الضرب السياسي في الاقتراع وتمثل مجموع المقترعين في الدائرة مقسوم على عدد المقاعد المطروحة في الدائرة وعلى كل حزب او لائحة تحقيق حد ادني من الاصوات ليحصل على (حاصلة ) او اكثر
▪️لم يكن هنالك دواء لهذا الانقسام الطائفي الذي استفحل قرابة القرن غير هذا الداء التقسيمي الاشد نكأة و الذي انتج ديمقراطية توافقية هشة تقوم فوق هيكل سلطوي متأرجح يحمل داخله مشروع ديمقراطي اشبه بنطاق ارتياح Comfort zone سياسي او شريط اخضر يفصل بين جماعة من المتحاربين وسط اجواء المشاحنات الطائفية والاثنية المكتومة
▪️اعتقد المشرع في لبنان قبل عشرات السنين ان التمثيل النسبي يضمن للاقليات ان تتنفس وترى بصيصا من النور بيد انه بعد عقود طويلة لم يوفر التمثيل النسبي اي ضمانات من امراض المحاور الاقليمية والمكايدات الداخلية بل على العكس ظل يؤجهها ويسعر اوارها ويوفر لليد الغريبة مساحة اكبر على حساب سيادة الدولة لانه انتصب على اساس الطائفة وليس على اساس الفكرة
وهكذا تخثرت الديمقراطية اللبنانية واصبح لها وجه طائفي جبار وعميق في تربة المجتمع اللبناني يشجبه السياسيون و يرجون التخلص منه في النهار امام الشاشات ويخلدون اليه في الليل حتى توغل في الدم والعصب التاريخي لتلك الدولة الجميلة لم تيأس لبنان رغم الجراحات وتكسر النصال على جسدها ولازالت حتى بعد الانتخابات الاخيرة جسدها ينزف وديمقراطيتها امام حائط مسدود بسبب الطائفية والارث العائلي واليد الغريبة
ايليا ابو ماضي كتب ذلك بدمعه واحلام الحياة السعيدة في هذا الوطن المسجون في ديمقراطيته كانه يستشعر ذلك المخاض وهو القائل
اثنان اعيا الدهر ان يبليهما ،،،،
لبنان والامل الذي لذويه ،،.
وقبل ان استفيض في التجربة الانتخابية اللبنانية الاخيرة اشير الى الملامح الكثيرة التي باتت مشتركة ومتشابهة بين التجربة اللبنانية والسودانية التي اصبحت تحمل نفس قسمات ديمقراطية لبنان وفي طريقها الى ذات المناحي والمالات لنتج نفس الملامح و(الحواصل )والنتائج والانكسار الطائفي اذا لم ياخذ الناس الحذر ويتصرمون ويشمرون عن اعطافهم استعدادا للقادم
▪️نعم ملامح كثيرة اصبحت تتشابه في المجتمع السياسي السوداني واللبناني وربما يشير ذلك الى مصير متشابه اذا تمادت النخب في غيها ولم تر الشجر الذي يسير في الافق الداجن قبل ان يصطلم امل هذا الوطن في العيش الكريم تحت الثرى وتنكسر وطائده الراسية وقبل ان يتفاقم الامر ويترامى ولات حين مندم
▪️ملامح كثرة تتبلور لتتحول الديمقراطية في السودان الى ديمقراطية محاصصات مهيضة الجناح تتكئ على المساكنة المصطنعة تحمل في طياتها العنف
واحتمالات الاختصام والحرب والكراهية العرقية والفكرية المطلقة فمن العوامل التي تصاعدت وربت و تنذر بالشؤم والخطر :-
▪️القبلية التفكيكية مثل ماحدث في لبنان قبل وبعد الطائف في الثمانينات اذ ظلت القبلية العرقية والسياسية حاضرة في المسرح السياسي وان تغطت بمشروع ديني او لافتات حداثوية كذلك ارتفع صوتها في السودان في السنوات الاخيرة بعد ان شعر الكثيرون بان الدولة بدات في التلاشي والذبول فضعفت شوكتها وقلت هيبتها وذهبت جسارتها وتزعزعت دعائمها فلاذوا بقبائلهم حتى السلطة المناط بها العزم والعصبة والمضي في الاتجاه الاخر ما فتئت تنافسهم على القبيلة بحثا عن رافعة مجتمعية نرفعها من وهدتها.
▪️الطائفة وهي الدالة التي تعقد معدلات الاستقرار في اي نظام سياسي بغض النظر عن اللافتات التي ترفعها وهي شمولية صغيرة تضعف الارادات السياسية وتحول النخب الى تابعين باذعان لبيت من البيوت او زعامة مصطنعة من تلبيس الماضي وخرافاته او يبقون تحت نوال راس المال الاجتماعي يغزون معه اذا غزى ويرشدون معه اذا رشد
▪️كسر احتكار الدولة للعنف حتى اضحى السلاح متاحا (بحجة الكفاح المسلح) في السودان كما بحجة المقاومة في لبنان او (مقاومة المقاومة) تحت ذريعة (السيادة) وتشجيع بعض القوى الاقليمية للمواجهات الداخلية والاحتراب الطائفي حرصا على منافعها ومآربها لا لمصلحة الوطن الذي يستخدم كرحم مستأجر و ذلك من شأنه جر الوطن للويلات فالذي يعطي المال ويعطي السلاح لمجموعات صغيرة يصبح هو امرها وهو الذي يعطي الاشارة لاطلاق النار والحرب والخراب ،فاي سلاح واي طلقة رصاص في غير مؤنة الدولة هي مشروع حرب وموت واقتتال بين افراد المجتمع،، الدولة في المجتمعات الامنة المتحضرة هي المناط بها احتكار العنف والقوة من الصاروخ الى المدية الصغيرة التي يمكن ان يضعها مراهق في جيبه عدا ذلك تتزرزر عصبة الدولة القابضة وتتحول الى عصبيات صغيرة قابلة للاقتتال .
▪️صب الدين والعلمانية في كاس واحد قابل للكسر لاشعال حريق الصراع الهوياتي ذلك هو اس العطب الذي اصاب السياسة اللبنانية بالشلل لعقود طويلة و اخيرا ارتفعت هذه النغمة النشاز في السودان بعد التحريف الذي اصاب ثورة ديسمبر وقلب اولياتها رأسًا على عقب فاشتعل صراع هوية لم يكن من اهتمامات الناس او اولوياتهم وعلماء السياسة يحذرون من جلب صراع الهوية الى مسرح الانتقال و في السودان راى الجميع كيف تحولت المرحلة السابقة لاستفزاز هوياتي لامبرر له بين الدين واللا دين انتج محاججة ومعاظلة وتلبيس واحتدام لم تكن تحتاجه (ثورة )ديسمبر لان فيها ما يكفيها
▪️المحاصصة هي الثقافة التي بًني عليها النظام الديمقراطي في لبنان مما ارهق التجربة اللبنانية و فت في عضدها وبالمثل تفاقمت هذه الظاهرة في السودان في الثلاث سنوات الماضية واصبحت المحاصصة كلمة مفتاحية key word في ادبيات السياسة حاولت النخب التي صنعتها ان تتبرا منها وعادت فاستخدمتها كاصنام من العجوة هللت لها وجثت عند قدميها وعندما جاعت اكلتها فضعفت فرصة التطور الديمقراطي وهزلت وتعثر الانتقال transition الى نظام تعددي كامل المعاني بسبب ضيق الافق والقصور في فهم بعض النخب التي كانت في الواجهة ومارست الحكم بصورة اعتباطية فاخطأت التقدير والفهم السليم لمطلوبات الانتقال وتطرف بعضها حتى ادخل الثورة في ازمة قاتلة وحصل ماكتبه المفكر كرين برنتون في كتابه تشريح الثورة
Morphology of Revolution
((اذا انقلب المتطرفون على المعتدلين في الثورة تدخل الثورة مرحلة الازمة )) لقد تسيد المتطرفون المشهد واحتشدت الساحة بالكراهية التي شاعت حتى بين عامة الناس الذين كانوا بمنأى عن تخبط النخب واعتسافها الفكري
▪️تطرف الممسكون بالامر بغير ادراك لنتائج تطرفهم واستخدموا ادوات الدولة في تصفية الخصوم وشرعوا في تمييز سياسي لا تحتمله اي ديمقراطية راسخة consolidated فمن يريد تطبيق الديمقراطية لابد من بمارسها بقوانينها وقيودها لا على طريقة انظمة اخرى فلايمكن ان تلعب كرة القدم بقوانين الملاكمة !! و هذا ماحدث فلقد ابتهلت القيادات السياسية التي باضت لهم الثورة بيضة الحكم والانفراد بالسلطة بيد انهم اصبحوا كالرجل الذي منحه الجني دجاجة تبيض كل يوم بيضة ذهبية فاستعجل الرجل الحصول على البيض كله وقام بذبح الدجاج وفغر بطنها فخسر الدجاجة واحلامه بسبب العجلة وسوء التقدير وهاهي الديمقراطية مذبوحة من الوريد الى الوريد وحالها كالموؤودة سئلت باي ذنب قتلت
▪️عندما تدبر انقلابا او تستولي على السلطة بغير الوسائل الديمقراطية التقليدية ستجد مبررا لكي تستبد وتمارس القهر ضد الاخرين على خلفية الشرعية الثورية التي رزح تحت جبروتها اكثرمن خمسة مليار انسان على وجه البسيطة وقد يكون ذلك مقبولا انك تحكم بنفس المنهجية التي صعدت بها الى سدة الحكم
▪️لكن عندما تتولى امر الانتقال بالتجربة من ضيق الانظمة الشمولية الى رحاب التعددية والديمقراطية المفتوحة يصبح لزاما عليك التقيد بقوانين اللعبة و اهم مافيها الفصل بين السلطات وعدم المساس بالقضاء كمؤسسة عليا تفصل بين الناس وعدم الغلو في معاداة الخصوم و تكريس ادوات الدولة لانتياشهم واقصائهم فالجماهير هي المناط بها ذلك وهي التي تفرز الصالح من الطالح مهما كانت الذرائع ليس في يدك غير سلاح الوعي لتعزل القوم الفاسدين حتى لاتكون انت القاضي والخصم والجلاد الديمقراطية لاتحتمل ذلك ومصيرها ان تنفرط وتنفجر من الداخل اذا تحملت هذه التبعات
▪️ وفي الديمقراطية عندما تختار الجماهير حزبا او فردا لا يمكن تبخيس او نقض الاختيار بحجة ان ذلك الحزب او ذلك الفرد سيئ ٌاو جيدٌ صالح او طالح فاسد او نزيه فالديمقراطية لها ادوات التنقيح والغربلة الخاصة بها حتى لو ساء تقديرها وفشل اختيارها فالديمقراطية كما يقول تشرشل هي (احسن الانظمة السيئة )
“democracy is the worst form of government – except for all the others that have been tried”
▪️الاستئناس باليد الغريبة فلقد انفتحت بوبات الاستجارة في السودان على مصراعيها فبعضنا ينتظر اوروبا او فرنسا والاخر متعلق بامريكا وجماعات الضغط وهنالك محاور اقليمية تصول وتجول في الليل والنهار وهذا من شأنه المزيد من التحريض والدفع بالنخب نحو حافة الصراع وتحويل الاختلاف السياسي الى صراع بالوكالة طويل الاجل ▪️والسؤال الان في ظل ثقافة المحاصصات التي تفاقمت فكرتها في ملعب السياسية السودانية وتزرزر مؤسسات السلاح والعنف في الثلاث اعوام الماضية هل ستقوم الانتخابات السودانية القادمة على اي شكل من اشكال النسبية مراعاة للاحزاب الصغيرة والمجموعات المسلحة والمجموعات العرقية وهل يمهد ذلك لانقسامات وعصبيات مختلفة منها الفكري والقبلي والعسكري ؟
وفي الحالة الثانية ماذا سيترتب على فشل الاحزاب الصغيرة والمجموعات المسلحة في الحصول على اي تأييد في الانتخابات وماذا لو تحولت قيادات تلك القوى العسكرية ذات الشوكة والمال الى فصيل حزبي لتعرف في يوم لا ظل فيه غير ظل الشعب ان الحقل يختلف عن البيدر و انها لن تجد تمثيلا موازيا او مساحةً في رقعة البرلمان كماهي على الطبيعة والامر الواقعي الذي فرضته بمالها المجهول النسب وسلاحها المستجلب ؟ثم وماذا لو عادت الاحزاب التقليدية بنفس تفكيرها النمطي الطائفي دون تجديد هل يرضخ المجتمع ؟
نواصل

اترك رد

error: Content is protected !!