أقاصي الدنيا / محمد محمد خير

النص للبرهان والتأويل لي

محمد محمد خير



اجترحت هذا العنوان من قصيدة محمد عبد الباري الشهيرة، التي قدم عبرها نفسه شاعرًا فوق العادة، وانطلق في وادي عبقر كإضافة نوعية في قصيدة الروي من جهة، وشعر التفعيلة من كل الجهات. ولأن نص عبد الباري يحتمل تفسيرات متباينه لم أجد نصًا يشبهه كي أسقطه عليه، وأحاول فهمه، غير نص خطاب الفريق أول البرهان في منطقة حطاب العسكرية، رغم اختلاف النصين فالأول شعري يحتشد بالظلال القابلة للتحوير،والثاني “نص سياسي مغلق” برأي نقاد الحداثة هو النص الذي يمكن أن تفهم منه الشي ونقيضه، والمعني القريب جدًا والأبعد في ذات الحين.
رغم البشارات التي حملها خطاب البرهان لقوي الحرية والتغيبر بتهديده الاسلاميين، وهو الأمر الذي جعلهم يسنون سكاكينهم من جديد إلا أن الخطاب أوحى بذلك من بعيد، لكنه لم يجزم ولم يشر إلى أن ذلك ماض إلى حيز التنفيذ الفاعل.
بل كان جوهر الخطاب هو التمسك بالجيش، الذي ظل الإسلاميون يساندونه في كل المراحل.
وإذا كان البرهان بهذا النص المغلق ينوي قتال الإسلاميين بالجيش فكيف تقاتل الحجاج في سلطانه بيد تتقر بأنها مولاته!
أرسل البرهان نصًا غائمًا قرأه كل المتلقين وفق ماتشتهي أمانيهم، وأحاط بالشكوك ذات المتعشمين، وأخاف به (الحاري)قبل (المتعشي) ورص الجيش لعدو مجهول.
استحق الخطاب بجدارة تسميته بالخطاب التكتيكي، فهو يعشم بعض أطراف الصراع، دون أن يقطع بأنه سيسير معها حتي نهاية الطريق. والخطاب يهدد الاسلاميين، لكنه لابتطرق لمكتسباتهم بعد 25 أكتوبر، ودبيب النصج الطازج في أجسادهم التي كادت أن تزور قبل 25 أكتوبر.
قسم البرهان الأماني، بعدل ونزاهة، الأماني على كل طرف “محلي” من أطراف الأزمة. واحتفظ لنفسه بالطرف الخارجي وهو أس العملية كلها.!
فالواضح الآن أن الخارج هو الذي داخل السودان! فالبلد الآن يمكن وصف حالها بكون ( الثابت) هو الخارج و( المتحول) دون أدنى شك هو السودان، الذي لا شئ فيه سوي الأحقاد، والشتائم، والشائعات، وسوء الطوية، وفحيح الغبائن، والنفي المتبادل، وادعاء البطولات، والأماني المطعونة باليأس.
هذه الحالة النادرة التي تمر بها الحركة السياسية في هيئتها الجديدة، تجعلها قابلة للخضوع لأي حلول تأتي من الخارج. من شاكلة ديمقراطية خليجية، وعدالة اجتماعية من جوف المؤسسات الغربية الكومبرادوريه. وتجعلها تطالب القوي الدولية بتفكيك جيشها الذي يخاطبه قائده مزهوًا
وهو بكامل (لبس ٣) ويتوشح بمسدسه “الخاتيهو لليوم الأسود”!
إن الذي يجري في السودان اليوم لا يحتمل سوى تفسير واحد! هو أن الدوائر الخارجية اتفقت استراتيجيا علي تقسيم السودان، وعلى التدخل المباشر لإدارة جغرافيته التي عجرت قواه الوطنية عن استغلالها كسلاح جيوسياسي أوحد.

اترك رد

error: Content is protected !!