أقاصي الدنيا / محمد محمد خير

البوني الكاتب (المِربعِن)


محمد محمد خير
وأنا أتسكّع في أزقة “تجاعيد وجه الكتاب”، أو الفيسبوك بلغة الفرنجة، توقّفت ملياً عن أسطر بهيّة تضج بالوفاء والإنسانية، كتبها الأستاذ ضياء الدين بلال عن زميله العلّامة عبد اللطيف البوني.
ضياء الذي يحل ضيفاً علينا في السودان الشقيق هذه الأيام في عطلة قصيرة من مهجره في دوحة العرب، كان في طريقه من ديار عشيرته في المناقل، ولمّا وصل “لعوتة البوني”، هبط إليها آمناً ليعانق “المُثقَّف الذي يطوي بحكمته المسافة الفاصلة من فلاسفة الإغريق: سقراط وأفلاطون وأرسطو طاليس، إلى فرح ود تكتوك والعبيد ود بدر ومكاشفي القوم”، كما وصفه ضياء.
أحزنني ما قاله ضياء عن أنّ البوني لم يعد يأتي إلى الخرطوم إلا قليلًا بعد أن “لزم قريته الحنون بين الخضرة والمياه والقلوب الصافية النقية”.
لقد أضاء جلد البوني بتراب (اللعوتة) فتزيا به غباراً ناعماً يحدّق به على الأرض التي كانت مسرحاً للأحلام الكبرى، وتحوّلت لمسرح للهزائم الكبيرة، كأنه بانهاض (اللعوتة) رمزية للحلم الكبير، يتمثل التجربة الداخلية، حيث يهبط الكاتب إلى بئر ذاته الذي يتسع ليحتوي المكان ويرفعه على أجنحة الكلام، فيصبح المكان جغرافيا داخلية، وتصبح الأحلام حضورًا متوحدًا مع الذات.
لم يرفع كاتب عمود صحفي، جغرافيا ذاته درجاتٍ على سُلم الصعود السلس، مثلما فعل البوني بجغرافيا ذاته المسماة (باللعوتة)، فاكتسبت كتابته أهمية قصوى لأنها تحرق الظلام وتنشر الضوء.
اعتزال البوني للكتابة، يجعلنا نقف في طابور الأجاويد لنعيد الزوجين إلى حاضنة المودة والرحمة، فهو لا يقصد أبغض الحلال، وهي لم تغلق شبابيك شهوتها التي فتحتها باكراً، هي فقط (زهجة وقرفة) من وضع هلامي يستحيل على الوصف، لكنها حين تتحرر من كل قيد وتسبح في النهر الطليق، لن تبلغ سن اليأس ولا العنوسة ولاتكتسي عباراتها بالشيب ولاتصاب مفرداتها بالزهايمر.
موقف البوني المتجدد من الكتابة – وهو عاشقها وهي معشوقته – يذّكرني بقصة رجل قال لزوجته: إذا لبست هذا الفستان فأنت طالق، وإذا لم أجامعك داخله فأنت أيضاً طالق!
احتارت الزوجة في هذا الوضع الملغز. فهي إذا لبست الفستان طالق، وإذا لبت رغبته في جماعها داخل الفستان فهذا يعني أنها طالق لأنها لبسته، فاهتديا الى حكيم سمع القصة وقال للرجل: البس أنت الفستان وجامعها فيه. فلا أنت حَنثُ. ولاهي تحيرّت.
فألبس الرؤيا ياصديقي وواصل عشقك أيها الكاتب الهطول، وأسمع حديث الحكيم المتقد!

اترك رد

error: Content is protected !!