د. نهلة صالح إسماعيل
المقاومة الشعبية وإن بدت مناطقية محددة بمناطقها لكنها بادرة وطنية حقيقية تنبع من صميم الفؤاد، وما كان بذل الأرواح والأنفس إلا مصداقية ودليل فداء ودفاع عن الأرض والعرض والوطن .
لم يكن التسليح ضد الأعداء يوما مذلة أو هوان بل هو جهاد ضد العدو والمغتصب، مغتصب الحرائر والوطن وممتلكاته وهويته .يقول تعالى في محكم تنزيله : ( وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وانتم لا تظلمون ) الأنفال الآية_٦٠.
إذا أخدنا المفردة التسليح أو التسلح ضد العدو فالاعداء كثر منهم المغتصب والغازي ومنتهك الارض والعرض ومنهم الجهل ايضا؛ فكل عدو له من التسلح ما يناسبه ومقاومته وتشير الآية إلى الإستعداد بكل قوة حتى ترهبون عدوكم وآخرين لا تعلموهم يعلمهم الله.
يقول تعالى:( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها….) آل عمران ١٠٣.
ونتمنى ونامل أن يستمر هذا الجهد والمقاومة الشعبية الوطنية لتحرير الوطن من جميع أعدائه ودحرهم ومن ثم بناء مجتمع موحد يهزم العنصرية بكل أشكالها والإنتهازية وجميع الأمراض المجتمعية التي امرضت الوطن فاصابه الوهن.
إنخراط المواطنين بمختلف الوانهم واعمارهم واطيافهم وإنصهارهم جميعا تحت بوتقة الدفاع عن الأرض والعرض وبذل الروح فداءً نأمل ان تكون نقطة تحول وبادرة تطور للمجتمع وإنصهار الإختلافات تحت وطاءة مجتمع متوحد همه الأول حماية الأرض والمواطن والوطن رغماً عن الإختلافات السودانوية البائنة في تركيبته، والإنتماء لدولة المواطنة ووطن يضم الجميع، ويحظو إنسانه وشعبه بحقوق المواطنة والمساواة رغما عن الإختلافات التي بنيت عليها تلك التركيبة السودانية. عند النداء الوطني هب الجميع وتوحدوا رغم الإختلاف للزود والدفاع وهانت الأرواح في سبيله فداءً ودون تفرقة او تمييز ، وهو الأمر الذي حتما يقود إلى البناء والتعمير بتلك الوحدة الوطنية.
إجتمع البشر قديما كجماعات للتعاون فيما بينهم لسد إحتياجاتهم المعيشية و الضرورية ولحماية انفسهم من الأخطار وظروف الحياة، وهذا الإجتماع عرف بالإجتماع المحدود والبدائي ورغما عن مرور الآف السنين عليه ورغما عن الإكتشافات الحديثة والتطور فما زالت هناك بعض المجتمعات تتمسك بذات السمات للمجتمع البدائي المحدود، ويتمثل ذلك في الجماعات التي تدين بولائها العنصري سواء ولاءً جهوياً او ايديولوجياً او حزبياً…الخ. وعادة ما يجتمع اعضاء المجموعة لخدمة اغراضهم الخاصة والعامة ويرتبط أعضاء المجموعة نتيجة لإعتناقهم لقيم ومعايير خاصة توجه سلوكهم لخدمة مصالحهم. وعادة ما تعاني تلك المجتمعات من النكوص والإرتداد السلوكي فيظهر الغش والإنتهازية والإستغلال. بعكس المجتمعات الناضجة المتمدنة التي تعيش ضمن جماعات متحدة بشكل منظم هدفها خدمة المواطن والفرد وتضع مستويات للسلوك المرغوب ليتحقق بذلك أهداف المجتمع وليس الجماعة. وعليه يشعر الفرد بالإنتماء والولاء والأمن وانه عضو فعال مهم تجاه مجتمعه فيحدث التطور الذي من اهم سماته الإنتاج ويظهر ذلك في المواقف والأدوار والعلاقات بين الناس رغما عن إختلافاتهم .
وبعكس ذلك هو ما نجده في مجتمع حياة الجماعات المتنافرة التي شعاراتها القبلية والحزبية والعشائرية والسياسية..الخ المجتمعات المحدودة او تلك التي ما زالت تحمل جلباب المجتمع البدائي في جنباتها وإن داخلتها الحداثة بحكم العصر الحداثة فلا ينعم فيها الفرد ولا الجماعة بحياة آمنة مستقرة بل يتيه إنسانها في عدم الإنتماء وحب الوطن فتنتج إنسان في حالة من الفوضى النفسية والمجتمعية والفكرية والسلوكية فيضيع الوطن والمواطن تباعاً.