للوريفة قدرة فائقة على إنتزاع الإعترافات وإستدعائها من تلافيف الذاكرة بعد أن طواها النسيان ، وعلى البوح الشفيف وكأنها خمرٌ فى دِنانْ الزمن لتُسكِرَ السُمَّار ( نهاراً ) فى حان الغرام ..!! فقد جمعتنى جلسة نهارية مع بعض رفقاء الصبا وزملاء الدراسة ، وكان مقيلاً رائعاً مُفعماً بالحديث حول الأدب والتاريخ والدين والسياسة وإجترار الذكريات والدخان بنكهة اللبان والنعناع .. وكان القاسم المشترك الأعظم لجلسة الإمتاع والمؤانسة أن مصيرنا وبلادنا رهينٌ بوعينا وإستنارتنا وإدراك ما يتهددنا ، وأن أهل السودان نُخَبَهم وعامَّتهم لن يتساهلوا بعد إنتهاء الحرب مع أيَّة ميول مريضة ذات إتجاهات تخريبية مُستعِدَّة لتنفيذ أي أجندات خارجية لامن الحُكَّام ولا الأحزاب ولا كائناً من كان .. فقد سئموا دفع ثمن الكيد السياسى وفاتورة الغباء السياسى تحت الإكراه دون أن يكون لهم حق الإختيار ، فضلاً عن أن هذا الشعب المنكوب ليس مُستَعِدَّاً لتوفير سُترة نجاة لمتمرد أوشك أن يغرق فى أوحاله وأفعاله وجرائمه يعد أن ولغ فى الحُرمات قتلاً ونهباً وأغتصاباً ..!!
فما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضي في ظل هذه الأزمة التى لم تشهد بلادنا لها مثيل في توحيد خطابنا ورؤيتنا و الإنخراط في عمليات إصلاح وبناء شاملة من أجل دولة سودانية حاضنة لجميع ابنائها بتنوعها العرقي و الثقافي وتنوع ثرواتها ، يؤسس لقطيعة تامة ضد الإنقسام المجتمعى في كل تجلياته و يعزز من دولة القانون والمؤسسات في إطار عدالة اجتماعية تُصان فيها الحقوق وتذوب فيها الفوارق الإجتماعية وتُنهى الحرب الإسفيرية الجانبية التى تستخدم فيها الأسلحة الكلامية تصريحاً وتلميحاً ، وتأييداً ومعارضة ، ومناصرة وإستنكاراً ، فالمادحون المؤيدون ( للعدم ) يزيدون مدحاً وإطراءاً ، والعائبون المُنكِرون ( للعدم أيضاً ) يُبالغون فى الجحود والنكران .. والشعب ( ضايع ومخدوع بالأمانى ) يُتمتم وهو يتلوى من الألم لمصابه الجلل :
كُنَّا للناس رمز طيبة
وكُنَّا عُنوان للشباب
وهسى تايهين لينا مُدة نجرى من خلف السراب ..!!
حفظ الله بلادنا وأمَدَّ القائمين على حمايتها من الضياع بمزيد عونٍ وقوة .