الرأي

اللواء محمد عجيب يكتب : إعادة ترسيم الحدود بين السياسي والعسكري

اللواء محمد عجيب محمد

الحديث عن اقصاء الجيش عن العملية السياسية هو ضرب من ضروب الوهم الذي يعشعش في اذهان بعض الساسة ..
الحديث الموضوعي يكون عن اعادة ترسيم الحدود بين السياسي والعسكري ، وعن إلتقاء السياسي بالعسكري في المستوي الاستراتيجي للدولة وليس في عمل اليوم والليلة الذي تمارسه الحكومة ..
في المستوي الاستراتيجي تظهر مساحات الالتقاء والتنسيق بين السياسي والعسكري في قضايا مثل الامن القومي للدولة .. يلتقي ما يعرف في الاصطلاح العسكري ب (السياسة العسكرية) ، ويلتقي السياسي بالعسكري فيما يعرف بإعداد الدولة للدفاع .. ويلتقيان في غير هذا من القضايا والشئون المرتبطة بالحفاظ علي كيان الدولة وتحقيق الهدف الاستراتيجي والمصالح الوطنية العليا ..
في هذه المساحات يكون الجيش حاضر بقوة ، وهي قطعا قضايا سياسية بالدرجة الاولي !
ميزانية الجيش في بنود مثل التسليح والتدريب وحتي التصنيع الحربي ، هذه ميزانية يجيزها برلمان منتخب ويناقشها مجلس وزراء بحضور وزير للدفاع ! واحيانا يقتضي الامر مشاركة رئيس اركان الجيش عند مناقشة واجازة ميزانية الدفاع ..!
هذا يحدث في كل بلاد الدنيا ، وهو شان سياسي واقتصادي يرتبط بالامن القومي للدولة ! وتغييب الجيش عن هكذا ملفات هو ضرب من ضروب الخطل السياسي !
اما الذين يريدون عودة الجيش للثكنات (هكذا) ويصبح مثل قدح الراكب ان اراد شرب منه وان ارتوي القاه جانبا ..
الذين يريدون للجيش ان يكون سيفا في قرابه ونصلا في جرابه ان حزبهم امر استلوه وان طاب لهم العيش تركوه ليعلوه الصدأ .. هؤلاء واهمون ..
المؤسسة العسكرية كائن حي يحيا ويتنفس ويمرض وتعدو عليه عاديات الزمان ويريد لنفسه ان يبقي علي قيد الحياة .. وهو مؤسسة وطنية ومسئولة باطشة وقادرة علي ان توفر لنفسها سبل البقاء وان تتنفس الحياة ..
في السودان لهذه المؤسسة تجارب مريرة مع الحكومات المدنية وفترات الحكم الديمقراطي !
في آخر الديمقراطيات ايام حكومة المرحوم الصادق المهدي كان حال القوات المسلحة يرثي لها ! كانت تقاتل تحت وطأة الجوع والعري وانعدام الذخائر والعتاد العسكري .. حتي وُلدت مذكرة الجيش الشهيرة في فبراير 89 وحتي كانت ثورة الثلاثين من يونيو ..
يحسُن بالعقلاء من السياسيين اعادة ترسيم الحدود بين الساسة والعسكر وتحديد نقاط الالتقاء والقواسم المشتركة .. وعليهم معرفة المزاج النفسي والمعنوي للقوات المسلحة وانها معنية بالقضايا الكلية المرتبطة بالامن القومي للدولة وانها ليست معنية بتفاصيل العمل السياسي وتقلباته المختلفة او انها تنازعهم السلطة و (فرص العمل) في مجلس الوزراء ..
عليهم ان يتركوا للجيش (موجز الانباء) حتي يترك لهم الجيش (الانباء بالتفصيل ..) في حكم البلاد وتصريف شئون العباد ..

اترك رد

error: Content is protected !!