الرأي

جيشنا الذي نحب

د. اسامة محمد عبدالرحيم

في منتصف التسعينات ابان حكم نظام الانقاذ، تعرضت البلاد إلى اشتعال كل حدودها بالحروب و الخروقات العسكرية المخططة و الممنهجة بدعم خارجي غربي بين و عنيف فيما عرف بعملية (شد السودان من اطرافه)، و كان ان تصدى لكل هذا التآمر المكثف جيش السودان و حامي حماه و دفع ما دفع من فلذات كبده و ثمين عتاده.

ثم هاهي الالة المعتدية تعود من جديد و تحاصر السودان بجيرانه و تشد اطرافه بطرق حديثة فيها الناعم و فيها الخشن و تواجه هذه المرة بشكل واضح هدفها المستدام (الجيش الحبيب) و تباشره بحرب ضروس يمثلها عسكريا على الارض مليشيا التمرد من الدعم السريع و التي تقاتل الجميع و ينوب عنها سياسيا رموز قحت و آخرون ، علها تنجح في تفتيته و اضعاف عضده، لكن بعدا لها . و كل هذا يجعلنا ان ندرك ان الهدف واحد الا وهو تفكيك تماسك هذه الامة السودانية والطمع فيما ادخره و حباها به المولى من خيرات و ثروات،حيث انه و في ظل النظام العالمي الجديد لم يتوقف العدوان رغم تغير الانظمة و الحكام لان المقصد معلوم، فقط تتغير المبررات و تتبدل وجوه ممثلي الخيانة و الارتزاق و تتعدد سيناريوهات الظهور علي مسرح المؤامرة و الخديعة مع ثبات الراوي و المنتج لقصة سيئة الاخراج. ان كل عمليات ال make up و كل مساحيق التجميل في الدنيا لن تحسن و لن تمحُ الصورة الذهنية و الواقعية البشعة و القبيحة التي رسمها اوباش الدعم السريع و مليشياته و المرتزقة في قلوب و عقول الناس، ستكون تماما كما يقول المثل (زي الكحل في المرة العجوز). كذلك ان ما اوصلنا اليه واقع الحرب و ما صاحبه من ممارسة يومية لا اخلاقية ان مقترحات الدمج في الجيش اصبحت مرفوضة و بشدة و تظل الحقيقة الثابتة الجيش يظل جيش و المليشيا الخبيثة تظل مليشيا خبيثة و اقول خبيثة لان المليشيا كما الاورام فيها الخبيث و فيها الحميد اذا ما حسن سلوكها و اخلاقها و طهرت مقاصدها و صدق المغني حين قال (و الاصل ما ببقى صورة). ان (اصلاح مؤسسة الجيش) عملية مشروعة و مطلوبة و مستمرة ما استمرت الحياة لجيشنا و لغيره من الجيوش و المؤسسات، و هي كذلك عملية لها بيئتها المحلية و الاقليمية و الدولية المؤثرة عليها كما ان لها اشتراطاتها و ادواتها و جراحوها، لكن يجب ان ياتي كل ذلك وفق رؤي و خطط من بعد تدقيق و تحليل و دراسات من قبل مختصين بالشأن و اصحاب الخبرات و الكفاءة، و من المؤكد كذلك ان الاصلاح لا ياتي بوصفات موضوعة من الخارج بافكار الطامعين و الاعداء لينفذ بايدي المأجورين و العملاء، كما انه ليس من وصفات الاصلاح تدمير آلة الجيش و عدته و قتل جنده و كسر ارادته و خنق عزيمته و ارادته.

و ما الجيش الا مؤسسة تمثل سور الدولة و حصنها و تحمي مؤسسات الدولة الاخرى بداخل هذا السور و تعاونها لتؤدي وظائفها و تؤمن للبلاد مكتسباتها و مصالحها و تحافظ عليها من العدوان و البغي و الانتهاك. كذلك، ان كثرة العتاد العسكري من سلاح و ذخيرة و معدات و منظومات و انتشار البشر هنا و هناك لا يؤهل لان تصبح اي قوة ( قوة عسكرية نظامية)، ما لم يحكم كل ذلك الانضباط القيمي و الاخلاقي و ينظمه القانون و يسنده السلوك في اتجاه حفظ و حماية الانسان و عمار و بناء الاوطان و تنميتها لا دمارها و خرابها. ان حرب 15 ابريل انما تعني مزيد من التجلية و الخبرة لجيشنا العظيم و هو يواجه بعزم و صبر و جلد مليشيا مدعومة بكل وسائل الدعم و السند المالي و الاقتصادي و العسكري و الاعلامي و السياسي كما يواجه احلافا و قوى اقليمية و دولية متآمرة بعضها بائن و بعضها مستتر و صدقا و فعلا ان (الجيش ما جيش الكيزان) و لا (جيش البرهان) ، حقا ان (الجيش جيش السودان) ومن يرى غير ذلك فليتحسس سودانيته.

فرق كبير بين طلقة يقف خلفها و يطلقها من يؤمن بالانسان و السودان و السودانيين و حقوقهم في الحياة و يسعى لرفعة المواطن و حمايته و معتقداته و ممتلكاته و تأمين عيشه الكريم و بين أخرى يقف خلفها و يطلقها مرتزق مأجور فاقد الاخلاق و الضمير، هذا يصوب للبناء و الامان و السلام و ذلك ينشن للدمار و الخراب و الدماء و القتل و يسلب انسان السودان امانه و سلامه و يهتك عرضه و يهين كرامته. و ان تلبس المموه و تحمل السلاح و تستخدمه، لا يؤهلك ذلك ان توصف و تصنف (عسكريا) ،حيث ان العسكريةكعلم و فن تظل مهنة و التزام و سلوك اخلاقي قويم و عقيدة سامية و صالحة جاءت و خلقت من اجل امن و استقرار و تنمية الانسان و الإنسانية.

كما ان اوسمة و علامات الضلال و الزيف لا تخلق قائدا عسكريا مهما علت الكتوف و تعلقت بالصدور النياشين و النجوم معدنها و قماشها ما لم تبذر بذرها و تثمر ثمرها على الارض اثرا يعلي قيمة الانسان و ممتلكاته و معتقداته و موروثاته القيمة. ان الجيش لا يحتاج منكم سادتي الا التفافا حول قادته وجنده و اصطفافا خلفهم و ايمانا بحرفيتهم و مهنيتهم و اعتبارا لكل التحديات و الصعاب التي تواجههم، كما ان الجيش كذلك لا يحتاج الا ثقة كاملة غير منقوصة و تقديرا معنويا لجهده و جهاده و لكسبه المتزايد في سوح القتال، عليه فانه من كان يؤمن بالجيش و الوطن فليقل خيرا في حق هذا الجيش او ليصمت. ان الشعوب المحترمة الواعية لا تدعم و تسند و تشجع جيوشها على طريقة المشجعين على مدرجات استادات كرة القدم و هم يؤازرون انديتهم التي يعشقون فيحدث ان تسخط و تشتم لاعبيها و مدربيها و ادارييها، انما تسند الجيوش وفق مواثيق مغلظة و روابط متينة من التلاحم و الترابط تقوم بينها و بين شعوبها و لا تترك فرقة يدخل منها شيطان انس او جن و لا تترك فسحة لخوان عميل متآمر.و اعتقد ان جيشنا قد كسب في حربه طيلة الثمانية اشهر حتى الان محبة شعبه و عودة لكثير من الذين كانوا قد بعدوا من جديد حول تاج عزتهم و رمز فخارهم اصطفافا و اجتماعا، على عكس مليشيا التمرد التى لم تترك لاي وطني او ذي عقل سببا ليدعمها او يؤيد فعالها.في الحقيقة ان من يفرط في جيش بلاده و ينتظر متفرجا او يدعم خصمه، فانما يفرط في دكة سرواله الواحد و الاخير.

و في الختام لنا ان نقول : ان من ينتظر سقوط الجيش، سيطول انتظاره. و نقول كذلك لمن يرقب موكب الشهداء من الجيش: انه كلما سقط للجيش شهيدا كلما بذر في ارض الكرامة بذرة تنبت غدا الف جندي و الف قائد يكملون السير في طريق السفر القاصد الي الله و الوطن و غدا يسدون عين الشمس في مسيرة التضحية و الفداء، عندها يعلم الاعداء اي منقلب ينقلبون. د. اسامة محمد عبدالرحيم
15 ديسمبر 2023

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!