على ضوء المعلومات المتعلقة باختفاء طبيب في ولاية الخرطوم في ظروف غامضة، وحدوث حادثات نهب متعددة في أطراف الخرطوم وغيرها من مدن السودان الكبرى مؤخراً، بات من الواضح أن هناك فشلاً في منع وقوع الجريمة، ولا يعود الفشل للشرطة فحسب لأن منع الجريمة مسئولية النظام العدلي والقانوني والاقتصادي في الدولة ككل.
الدراسة الرائدة التي اجراها جاري بيكر (1968) شكلت اساس منهج التحليل الاقتصادي للجريمة.
خلصت الدراسة الى: أن الشخص يرتكب عملاً عدوانياً لو كانت المنفعة التي يتوقعها من هذا العمل تتعدى المنفعة التي يمكن ان يحصل عليها بتسخير وقته وموارد اخرى لأنشطة أخرى. فبعض الاشخاص يتجهون للجريمة ليس لان دوافعهم وتكوينهم يختلف عن الاشخاص الآخرين، ولكن لان تحليلهم للتكلفة والعائد مختلف.
وأثبتت الدراسة ارتباطاً قوياً ما بين العطالة وارتفاع نسبة الجريمة. والعاطل هو ذلك القادر على القيام بعمل ولم تتيسر له فرصة العمل وليس له مصدر مشروع اخر للدخل كالميراث. ولا يشمل من هم فوق سن ال 65 او الطلاب.
الدراسات التي اجريت في الولايات المتحدة والسويد اكدت وجود ارتباط قوي بين البطالة وجرائم الاموال.
المعدل العام: انخفاض نقطة في معدل البطالة=انخفاض5% في جرائم الاموال.
إن الفقر يكون دافعاً للجريمة إذا كان هناك مستوى عال من الطموحات والآمال الاقتصادية والاجتماعية، وكانت الكوابح الدينية والأخلاقية ضعيفة، وكان التشهير المجتمعي غير فعال، والعقوبات الجنائية غير رادعة.
وبالمقابل يكون الفقر يكون دافعاً للتفوق إذا كانت الكوابح الدينية والأخلاقية قوية، وكان التفوق العلمي والمهني هو أساس تقلد الوظائف والمسئوليات وليس العنصر أو القبيلة أو النوع. وكانت تكلفة الجريمة عالية وعواقبها وخيمة جداً.
عليه يجب اعتبار مشكلة البطالة قضية أمن قومي. وبالتالي تكريس الجهود لتوفير فرص العمل الكريم للعاطلين والفقراء، ويكون هذا بتحريك جمود الاقتصاد كمهمة أساسية لوزارات القطاع الاقتصادي وبنك السودان المركزي.
كما ينبغي الاهتمام بجودة التعليم ومستوى المدارس والطلاب والانضباط داخل المدارس. وينبغي كذلك زيادة الانفاق على منع الجريمة في المناطق العشوائية. والاعلاء من قيم العمل الشريف وتقوية الواعز الديني والأخلاقي من خلال المساجد ودور العبادة والمدارس والجامعات والمحاضرات العامة.
والحرص على أن يكون تولي الوظائف العامة بالمنافسة الشريفة وإبعاد المحسوبية والولاء السياسي او العرقي او الديني.
والاهتمام بالأسرة والحفاظ على روابطها. كذلك الاهتمام بفئة الشباب وتوفير فرص العمل لهم واستيعاب طاقاتهم الزائدة في الانشطة الرياضية والثقافية. ومكافحة المخدرات في أوساطهم.
وينبغي العمل على تزكية روح المساعدة والإيثار وتقليل الفوارق بين الطبقات بإعلاء قيمة شعيرة الزكاة وقيم التعاون والإخاء في كريم المعتقدات.
ويجب العمل على رفع العائد من النشاط المشروع حتى لا تنخفض تكلفة الفرصة البديلة وهي الجريمة. مع توفير الكفاءة والفعالية والردع في عمل اجهزة منع الجريمة لرفع تكلفة الجريمة. والله الموفق.