الرأي كلام صريح / سمية سيد

اكسبو دبي 2020 .. السودان في قلب العالم (1)


رحلة غير مخطط لها الى دولة الإمارات العربية المتحدة ، قادتني عبر مشوار طويل إلى جبل علي لزيارة معرض اكسبو الدولي 2020 الذي حظيت بتنظيمه إمارة دبي .
العالم بين يديك
حالة الإبهار والذهول مما توصل إليه العالم من تطور تكنولوجي وتقدم، تنتابك قبل التجوال داخل أجنحة الدول المدخل الرئيسي وكل بوابات الدخول والخروج عبارة عن لوحة فنية تقودك إلى تخيل ما بداخل المعرض .
شعوب العالم هنا في دبي ..مقيمين وزواراً..كل السحنات والألوان ..الثقافات والألسن ..عرباً وعجماً ..وبين بين ..
كل شيء صمم بعناية فائقة وبأحدث الوسائل الرقمية المذهلة تنم عن التخطيط السليم و الرؤية الاستراتيجية لدولة الإمارات العربية المتحدة..تصميم المعرض؛ وحتى مواقع سكن المشاركين والأسواق خليط من العراقة والحداثة والابتكار ..
حضارات الدول وتاريخها ،وثقافات الشعوب وتطورها إلى ماهي عليه الآن من تقدم ، تستطيع قراءته بكل سهولة وأنت تتجول داخل اكسبو
192 دولة شاركت في اكسبو ..كل دولة تحاول أن تبرز ما تحب أن يراها به العالم ..كوريا الجنوبية.. ألمانيا ..بريطانيا ..أظهرت آخر ما توصلت له من تطور تكنولوجي هائل…وتخطيطها في المستقبل..
السعودية …الإمارات أبرزت الرؤية المستقبلية التي تسير نحوها الدولة من تطور في كل قطاعاتها واهتماماتها الأساسية خلال المرحلة المقبلة.
جناح مصر ركز على الحضارة المصرية القديمة، وعلى التطور الحضري بإنشاء المدن الجديدة ..مستهدفاً قطاع السياحة.
عدد من الدول الأفريقية اتسمت أجنحتها بالتواضع الشديد . ويبدو أن التكلفة العالية لإنشاء المواقع داخل اكسبو لم يمكنها من الصرف على المحتوى بشكل جاذب ..إثيوبيا ..الصومال..جزر القمر وحتى دول مثل كينيا ويوغندا لم تكن بمستوى عالٍ من الإبهار وجذب الأنظار .
لمحة عامة
شعار اكسبو 2020 هو (تواصل العقول وصنع المستقبل) لذلك كان التركيز على قدرة تشكيل المستقبل من خلال الابتكار والإبداع .
الصورة ترسم ألف كلمة ..هكذا كانت الجولة البصرية داخل كل أجنحة اكسبو 2020 بلا استثناء .
استضافة دبي للمعرض تأتي أهميتها بأنه لأول مرة يتم في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا منذ بدايات المعرض الدولي الذي انطلق عام 1851 في لندن ..منذ ذلك التاريخ يعد اكسبو ثاني أهم حدث عالمي بعد مونديال كرة القدم.
انطلق اكسبو 2020 بعد تأجيله لمدة عام كامل بسبب جائحة كورونا في 30 سبتمبر الماضي بتكلفة 7 مليارات دولار .ويستمر لمدة 6 أشهر ..وكان يستهدف 25 مليون زائر خلال الفترة. 70%منهم من خارج دولة الإمارات ..من أجل ذلك تم تشييد 24 ألف غرفة فندقية في عدد من الأبراج بتصميم راقٍ وذوقٍ رفيعٍ جداً .
نجحت دبي في استضافة وجذب عدد هائل من الزوار والمقيمين بها لاكسبو، رغم انتشار جائحة كورونا ..كثفت من الإجراءات الاحترازية ، عبر قياسات التباعد الاجتماعي، وانتشار وحدات التعقيم .ومركز للطوارئ وتخصيص كاميرات حرارية مخصصة .
دور السودان
معلوم أن المنافسة كانت على أشدها بين الإمارات وتركيا على استضافة اكسبو 2020 ..الاختيار من قِبل الاتحاد الدولي للمعارض يتم بحسب المؤهلات والإمكانيات المادية والفنية للدولة التي تتقدم بطلب الاستضافة قبل 10 سنوات. ويحسم الأمر بعد ذلك من خلال التصويت.
السودان دعم دولة الإمارات وصوت لصالحها في استضافة المعرض؛ فيما قدمت الإمارات وعوداً بتقديم تسهيلات للسودان.
في 2015 التقى وزير التجارة عثمان عمر الشريف وفداً إماراتياً بهذا الخصوص في الخرطوم ..التزمت الإمارات بمنح السودان مساحة 1500 متر في موقع مميز بالقرب من صالة الوصل التي تعد المركز الأهم داخل أرض المعرض..تم تكليف عبد العزيز ابو طالب من وزارة التجارة بهذا الملف ، لكنه لم يباشر أي أعمال..وبسبب الصراع بين الجهات السيادية، وقتها تم تعطيل مشاركة السودان . وقتها لم تهتم حتى بالتواصل مع المسؤولين الإماراتيين لاستلام الموقع والبدء في إجراءات التشييد ، رغم أنها كانت منحة بدون أن يدفع السودان أي مقابل مادي.
بعد ثورة ديسمبر وتغيير النظام البائد انشغلت الدولة. وأدى غياب الوزراء إلى ارتباك في كل الملفات، ولم يكن موضوع مشاركة السودان ضمن الأولويات الملحة.
في 2020 تحرك ملف المشاركة، واستلمته وزارة المالية ثم رجع إلى مجلس الوزراء وأصبح الملف تابعاً له . وخطا خطوات متواضعة جداً في الترتيبات .
في ابريل من العام الحالي رجع ملف مشاركة السودان في اكسبو إلى وزارة التجارة ..اصطدمت وزارة التجارة أولاً بسحب المساحة في الموقع المميز البالغة 1500 متر ..لم يكن ذلك بسبب انسحاب دولة الإمارات من التزامها الأول .وإنما لعامل الزمن الذي مضى دون ان يجدد السودان رغبته في المشاركة والترتيب. كذلك كانت كل الدول المشاركة قد أكملت إنشاء مواقعها ولم يتبق على الافتتاح الرسمي سوى 3 أشهر .
هذا الوضع كان أكبر التعقيدات التي واجهت وزارة التجارة .غير أن الإمارات ولأهمية مشاركة السودان وأيضاً لتنفيذ وعودها السابقة خصصت موقعاً آخر من 3 طوابق ليكون جناح السودان..
خصصت الحكومة مبلغ 5 ملايين دولار سلمت منها أقل من 5%.
اكتملت الترتيبات للافتتاح الرسمي لجناح السودان في 27 في اكتوبر الماضي على يد رئيس الوزراء . غير أن قرارات القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان استبق ذلك الموعد بيومين فقط فكان لابد من التأجيل .
مجهود غير عادي قامت به وزارة التجارة حتى يكون السودان حضوراً في هذه التظاهرة العالمية..وكيلة الوزارة آمال صالح سعد؛ وهي الآن تشغل منصب وزير مكلف للتجارة..أيضاً المفوض لجناح اكسبو 2020 نبوية محمد محجوب برغم ظروف حزنها الخاص كانت ولاتزال تتحرك لتبرز الفرص المتاحة للسودان. ظلت تتصل وتجتمع وتتواصل مع المستثمرين والشركات بشكل دائم ، يعاونها مدير الجناح محمد آدم .
لكن رغم ذلك قام عدد من المسؤولين السودانيين بزيارة المعرض. منهم وزير المالية د. جبريل إبراهيم الذي أشاد بطريقة الترويج للاستثمار عبر العرض المقدم للقطاعات المهمة ..وقال إن المعرض يمثل فرصة لخلق شراكات في عدد من المجالات، وجذب المستثمرين من خلال مشاركة رجال الأعمال في اكسبو..كذلك كانت زيارة وزير التنمية الاجتماعية أحمد آدم بخيت .
أرض الفرص اللامتناهية
ركز الجناح على إبراز إمكانيات السودان في قطاعات ذات الأولوية للمرحلة الحالية ..أقل من خمسة أشهر من إمساك وزارة التجارة بملف المشاركة إلى الافتتاح الرسمي يجعلنا أن نقول بعدالة؛ ليس بالإمكان أفضل مما كان ..بل العكس كانت المشاركة مهمة في هذا التوقيت بالنسبة للسودان الباحث عن استثمارات جديدة في وضع سياسي جديد…وليس هناك أنسب من الاستفادة من الزخم الإعلامي والحضور الكبير للشركات الدولية وقطاع الأعمال العالمي من تقديم الفرص المتاحة في قطاعات حيوية .
المعرض قدم شرحاً لفرص الاستثمار في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية – التعدين والطاقة النظيفة – السياحة .
من خلال ترددي على جناح السودان خلال ثلاثة أيام لاحظت عدداً كبيراً من الزوار ، خاصة الباحثين عن فرص للاستثمار ..كانوا يسألون عن قوانين ولوائح الاستثمار ..وجود إسلام وهو أحد كوادر وزارة الاستثمار بالمعرض كان له دور كبير في شرح المتطلبات ..إسلام التقى بعدد مقدر من هذه المجموعة.
جناح السودان شهد زيارات من مسؤولين أجانب من عدد من الدول . منهم الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية والمفوض العام للجامعة العربية باكسبو حسام زكي ..حسام أبدى إعجابه باهتمام الجناح الاستفادة من المشاركة الدولية في جذب الاستثمار . وأشاد بفرص الاستثمار التي أتاحها المعرض، خاصة في قطاع الزراعة الذي تعول عليه الدول العربية في توفير الغذاء. كذلك زارت المعرض هناء عصفور، مدير جناح الجامعة العربية.
جناح السودان قام بعدد من الفعاليات التي حظيت بمشاركات خارجية واسعة.
وزيرة الشباب الإماراتية أشادت بالقسم المخصص لابتكارات الشباب السودانيين . وأشادت وزيرة الشباب الإماراتية شما المزروعي؛ خلال أسبوع الشباب الذي نظمه الجناح بشباب السودان في مجال الابتكار والتطوع، ووعدت بتقديم دعم.
ونظم الجناح منتدى المرأة السودانية الإماراتية بدعوة من منظمة محمد بن راشد ..أدارت الحوار الصحفية المعروفة بالإمارات عفاف ابو كشوة . حول تبادل الخبرات وآفاق الاستثمار وريادة الأعمال .
في أسبوع التعليم الذي قام به الجناح؛ قدمت منظمة سيدسو ورقة حول رؤيتها في التعليم عن بعد، وورقة حول مجانية التعليم وإنشاء المدارس .
وقدم المستشار ببورصة السودان للذهب د. عمر زكريا؛ محاضرة قيمة عن فرص الاستثمار في السودان .
هناك عدد من الفاعليات قام بها الجناح ولم أكن حضوراً ..منها التعريف بغناء الحقيبة..تخصيص يوم عن الثقافة والفلوكلور ..يوم التطوع ..يوم التراث ..ورشة عن الأعمال اليدوية في السودان .وغيرها من الأنشطة .
لاحظت وجود عدد من الصحافيين و الشابات والشباب السودانيين المقيمين بدولة الإمارات يتواجدون بشكل كبير داخل جناح السودان هم متطوعون . يقومون بالشرح للزائرين للجناح ويقومون بأعمال التصوير والطباعة وغيرها .
تحدثت مع بعضهم ، منهم من زار الوطن في فترات متباعدة ومنهم من لم يره قط . قالوا لي: الجناح كان فرصة جيدة لهم في التعرف على بلادهم . وسط هذه المجموعة النيرة تظل نفيسة علي طه هي الدينمو المحرك والقائد للتطوع من أجل إنجاح معرض السودان في إكسبو.

اترك رد

error: Content is protected !!