رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

إستقالة د. حمدوك :لم يحزن احد ولكن!

(١)
(لم يحزن على إستقالته احد) ذلك أبلغ تعبير قراءته عن إستقالة د. عبدالله حمدوك رئيس الوزراء ، فقد توقع المكون العسكري الإستقالة وبدأ البحث عن بديل منذ ايام وقوي الحرية والتغيير تباعدت عنه وانحسرت الهالة الإعلامية، التي كانت تمثل أحد الروافع الثلاث للدكتور حمدوك وحكومته والحاضنة السياسية.
وقد لخصتها في تحليل سابق بتاريخ ١٤ يونيو ٢٠٢١م، وتوقعت رحيله.. واوجزت الأسباب في ثلاث نقاط، أولها زخم الشارع وقوة تأثير الحاضنة، وثانيها مساندة المجتمع الدولي والمحيط العربي، وثالثها هالة إعلامية وسطوة على الرأي العام السوداني وفاعلية على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك قصة طويلة.
ومن قراءة واقعية وتحليلية، فإن تفتت بنية هذه الدعائم، أدي لإستقالة د. حمدوك في ٣/كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٢ م، وقد سبب إستقالة لإستمرار خلافات مكونات الحكم و القوى السياسية وما اسماه (الخيارات العدمية)
(٢)
ولابد من التذكير ببعض التفاصيل ( ففي يوم ٤ حزيران/ يونيو ٢٠٢١م،حذفت شركة الفيسبوك ٣٨ حسابا شخصيا و٣٠ صفحة، مزيفة ووهمية، وست مجموعات و٣٠ حسابا على إنستغرام. وجاء في تقريره في أيار/ مايو ٢٠٢١م عن الممارسات غير الأخلاقية أن هذه الصفحات تستهدف السودان ومن الداعمين للحكومة الانتقالية، وذات ارتباط مع بعض الوكالات الروسية وتحديدا “Russian Internet Research Agency” والمشار لها اختصارا بـ”IRA”..
وهذا امتداد لإجراء سابق قامت به إدارة فيسبوك في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٩م، حيث أوقفت حسابات تستهدف بصورة رئيسة دول الشمال الأفريقي والسودان.
وحسابات فيسبوك المعنية يتابعها أكثر من ٤٣٠ ألفا، بينما إنستغرام ٤٣ ألفا للحساب الواحد) ، وهذا تدفق هائل للمعلومات والأخبار والبيانات.
لقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي لاداة ناقدة وبشدة لسياسات ومواقف حكومة د. حمدوك.. وهذا مؤشر مهم.
وقد استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأحداث السياسية، وتصاعد استخدامها منذ ٢٠١٧م. واكتشف بعض الخبراء عام ٢٠١٨م أن هناك ٥٣ صفحة على فيسبوك يتابعها أكثر من ١٣ مليونا، بعضها سياسي أو اجتماعي أو تخصصي. وقد كان ملفتا أن أغلبها تديره مجموعات من خارج السودان. لقد كان جليا أن ذلك جزء من خطة “خارطة الانتقال السياسي في السودان”.
لقد أدت هذه الإجراءات لكشف القناع عن أكبر حملة تضليل وتجهيل للمجتمع والأمة، وأصبحت التعبيرات أقرب للواقع، وهو واقع بئيس تعبر عنه حياة الناس وضنك العيش وغياب الأمن وتدهور الخدمات وشح العناية وضيق الأفق، لقد انفض السامر واتضح ان الملك (بلا ملابس)..

(٣)
خلال مخاطبته للجالية السودانية بالرياض في تشرين الأول/ كتوبر ٢٠١٩م، قال د. عبد الله حمدوك؛ إنه لم يتسلم أي برنامج اقتصادي من قوى إعلان الحرية والتغيير، وأنه ما زال ينتظر. كانت تلك مفاجأة أولى للحالمين برؤية متماسكة وحاضنة سياسية فاعلة وذات برنامج. لقد اختلطت الأوراق سريعا وأدت لتجميد حزب الأمة القومي نشاطه في ٢٣ نيسان/ أبريل ٢٠٢٠م، وتلاه الحزب الشيوعي السوداني في ٧ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٠م.
وهكذا تشتت الشمل وتنازعت الحاضنة حول الحكومة، ومع قدوم شركاء السلام الجدد في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٠م، لم تعد هناك حاضنة سياسية، وأصبحت السهام صوب الحكومة الانتقالية، وبدأت الأفواج تبتعد عن الجثة الهامدة.
وجاءت تداعيات إنقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م وتفاصيل إتفاق ٢١ نوفمبر لتزيد حدة بؤس الحال والإفتقار لخيارات سياسية وخارطة، أن الإتفاق الاخير بلا قيمة كما هي الوثيقة الدستورية، لإنها لم تبن على قاعدة (المصلحة الوطنية الجامعة) وإنما أستخدمت منصة لصعود قوي سياسية وإختطاف المشهد السياسي وهو منحي مستمر في صور مختلفة..
(٤)
في آب/ أغسطس ٢٠١٨م، أكملت مجموعة خبراء دولية بمساهمة من سياسيين وأكاديميين سودانيين رؤية “السودان وطريق الانتقال”. وبدأ المشروع في جامعة فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية واستمرت لقرابة العام، وعقدت ورش عمل وسيمنارات في لندن ونيروبي وكمبالا وحوهانسبيرج بجنوب أفريقيا، وانعقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٨م فرق عمل في لندن، وهو ذات تاريخ مغادرة د. حمدوك العاصمة الإثيوبية إلى العاصمة البريطانية.
كل هذه الخطط والتدابير، أورثت السودان ضائقة معيشية وأكبر معدل تضخم، ليصبح أكثر الدول الأفريقية غلاء، وأكثر من ٩.٨ مليون نسمة من مواطنيه مهدد بالجوع هذا العام. وسوى ذلك، فإن وصفة البنك الدولي ورفع الدعم السلعي، كانت فاجعة على المواطن وذات تأثير بالغ على الإنتاج والإنتاجية، وآخر قرارات د. حمدوك وحكومته رفع الدعم عن الكهرباء مما أدى لضيق شعبي وتبخرت الأماني وتساقطت الوعود.
إن دعم المجتمع الدولي ومؤتمر المانحين وأصدقاء السودان، لم يجلب سوى خطب منمقة.

(٥)
قراءة كل ذلك مع شخصية حالمة وغير مصادمة، ومع بيئة سياسية متنازعة المواقف، فلم يعد في الجسد منزع وفي الخيارات ملاذ سوى الاستقالة، وهذا ما حدث.
لقد عدد د. حمدوك في خطابه الكثير من الإنجازات وهو على بوابة المغادرة، وهذا من حقه، ولكن نسي د. حمدوك ان اكبر رمزية لفشل حكومته هو (إستقالته) وعجزه عن الإستمرارية لإن ما قدمه ويقدمه محل خلاف بين كل الأطراف، فالعبرة بالسياسات وليس الشخصيات..
(6)
لقد ذهب د. حمدوك، وقلبت صفحة، وأصبحت المسؤولية محددة الأطراف بالاطراف (داخل المجلس السيادي الإنتقالي)، والغايات واضحة، الإسراع بتحقيق أهداف الإنتقال وفق قاعدة إصطفاف وطني ومسار قانوني، ودون مظاهر محاصصات حزبية وبلا محاولات عزل وإقصاء ودون اجندة أجنبية..
دون شك أن هذه أخطر مرحلة تشهدها بلادنا، وأي تباطؤ سيؤدي لمنزلق خطير، لقد فقد د. حمدوك الجميع في سعيه لإرضاء الجميع ودون أن يرد الأمر للإرادة الشعبية .. و لا مجال للمغامرات السياسية

اترك رد

error: Content is protected !!