في العيد الوطني الإسباني في منزل السفير إيسيدرو غونزاليس قبالة النيل الأزرق كانت مناسبة طيبة التقى فيها العديد من النخب الديبلوماسية والثقافية السودانية، ولأن إسبانيا دولة الفنون كان العيد مرصعا باللوحات في معرض متميز ملحق بالحفل.
حرصت على الحضور لأن إسبانيا الدولة الوحيدة في العالم التي التقيت ملكها، وقد كان حينها وليا للعهد، وهو فيليب السادس وزوجته الصحفية الملكة ليتيزيا، وهي صحفية محترفة قد عملت من قبل في بلومبريغ وقنوات اسبانية وكانت تقدم البرامج والأخبار إلى أن كان نصيبها العشق الملكي وتزوجها ولي العهد.
لدي صورة معهما أعتز بها كثيرا، وهو شاب ممشوق القامة، وهي شابة متألقة تشع عيناها نجاحا، كيف لا؟ وقد جمعت بين السبق الصحفي والتاج الملكي، وقلت لها هل أنت الوحيدة التي جمعت بين البلومبريج والبوربون أم هنالك أخرى؟ أجابت بثقة، حتى الآن أنا.
في مدينة كاديز في جنوب إسبانيا إلتأم المؤتمر الكبير – كان تحت رعاية ولي العهد، نسيب المهنة – وكان من حظي الحضور، ولأن الجهة المنظمة تغطي تذكرة السفر إلى مدريد كان على أن أستقل القطار إلى كاديز على حسابي، بينما الوفود الأخرى بالذات أصدقائي من الدول العربية الثرية جهزوا حجزهم كاملا إلى كاديز، وهي بالمناسبة إسمها العربي الأندلسي “قادس”.
القطار توجه من مدريد إلى إشبيلية يشق الخضرة مد البصر، وكان علي الإنتظار جزءا من اليوم للقطار المتوجه إلى كاديز، فتجولت في تلك المدينة ماشيا وأنا لا أشعر بنفسي حتى كاد ان يفوتني القطار، وعندما حضرت للمؤتمر وشاهد أصدقائي “الطائرون” صور المزارع والبساتين والتلال الخضراء المكسوة بالأزاهير الملونة على طريق القطار ومشاهد إشبيلية التاريخية ندموا ندما شديدا على “ثرائهم” وحسدوني على فقري، وقرروا مضايقتي فيه بإهمال تذاكر العودة بالطائرة تماما، والذهاب إلى محطة القطار.
الإسبان يختلفون عن معظم الدول الغربية في ثبات مفهوم العائلة، ومن الصعب جدا أن تجد في العطلة مجموعة صغيرة في المنتزه العام، لا بد أن ترى الجد والجدة وحتى الجيل الرابع من ابناء الأحفاد، وهو أمر اختفى تماما في معظم الدول الغربية حيث انحصرت اللقاءات العائلية فيها، في أب وأم وطفلين وكلب.
الأسبان قوم فخورون ببلادهم ويحملون لها حبا عميقا، ويحبون لغتهم وبالأحرى “لغاتهم” حيث توجد على الأقل خمس لغات أخرى غير الاسبانية، واهلها فخورون بها ويتحدثونها ويكتبون بها حتى الآن.
هنالك حالة من التصالح بين التاريخ الأوربي والعربي، هم لا يخفون إطلاقا الجذور العربية لأي شيء ويحدثونك عن التاريخ الأندلسي وآثاره في الثقافة واللغة والمائدة الإسبانية.
قمة الفخر للأسبان أن ملوكهم هم من قاموا برعاية رحلات كولومبوس الإستكشافية والتي مهدت الطريق لإضافة قارتين للعالم المعروف حينها. وبالرغم من أن كريستوفر كولومبوس أصلا من إيطاليا إلا أنه يعتبر إسبانيا خالصا، فقد منح الألقاب الأميرية وعاش بقية حياته في “بلد وليد”.
تشتهر إسبانيا حاليا بالتميز في صناعات محددة وصادرات زراعية وغذائية عالية الجودة، ولكن شهرتها الأكبر في السودان هي طب العيون وهي شهرة عالمية إذ أن اكبر مشفى عيون في العالم هو “باراكير” في برشلونة، وقد تأسس في الأربعينيات، وغير هذا المسشفى توجد العشرات من المشافي والعيادات لا تقل جودة عنه لأن مستوى طب العيون إرتفع للغاية في هذه البلاد.
وربما كان كافيا طبا للعيون في هذه البلاد التجول فيها حيث “الخضرة والماء والوجه الحسن” كما جاء في الحديث النبوي أنها تجلي البصر، ويزيد عليها في إسبانيا التاريخ وكرة القدم والمائدة.
جوهرة الحفل في العيد الوطني الاسباني بلا منازع هو الفنان راشد دياب بثيابه “اللوحة” وظرفه المعهود، وهو راسخ القدم والريشة في إسبانيا لغة وثقافة وفنا.
سرني للغاية ان السفير الأمريكي جون غودفري يقرأ مقالاتي المنتظمة عن العلاقات الأمريكية السودانية وما ان ذكرت له أسمي لم يمهلني أن اشرح له صفتي إلا وأخبرني انه يقرأ ويتابع، وهذا أول لقاء لي معه.
التحية مجددا لإسبانيا ومليكها النسيب الغالي للصحفيين.