الرأي رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

أموال أمريكية فى الخرطوم: لمن؟ وكيف؟ وما المقابل؟..

(1)
أوردت نائبة مدیر الوكالة الأمریكیة للتنمیة الدولیة،ايزوبیل كلومان، في جلسة الكونغرس الأمریكي، مساء الثلاثاء، اول فبراير ٢٠٢٢م، معلومة مهمة عن تقدیم الوكالة مبلغ (100) ملیون دولار دعماً لمنظمات المجتمع المدني في السودان ، وقالت المسؤولة الأمریكیة أن المعونة الأمریكیة قد قدمت للمجموعات والمنظمات غير الحكومية لمساعدتھم في مجالات الإعلام وورش التدریب والتثقیف المدني ورصد انتھاكات القوات الأمنیة في الاحتجاجات.
وأضافت ان المعونة دعمت النساء عبر تغطیة تكالیف مواصلاتھن ، كما تم إنشاء مؤسسة
إعلامیة نسویة تساعد على دعم التحول الدیمقراطي
في السودان)، وهذا أمر يحتاج لإيضاحات كثيرة وتفاصيل وتحقيقات قانونية، وذلك لعدة اسباب:
أولا : لمعرفة ما هي تلك الجهات وما مدى مشروعيتها في إستلام تلك الأموال واين تم صرفها؟.. مع أن مجرد القبول بها وطلبها أمر معيب..
ففي ظرف الإنتقال السياسي الهش، قد تتسرب تلك الأموال لقوى سياسية حزبية أو تصرف في أوجه تهدد أمن ووحدة وسلامة وإستقرار البلاد، كما أن الشفافية والنزاهة تقتضي ذلك..
وثانياً: نظراً لضخامة المبلغ (١٠٠ مليون دولار، أي نحو ٥٠ مليار جنيه سوداني أو ٥٠ تريليون جنيه بالقديم)، وبالمناسبة هذا المبلغ يكفي البلاد من قمح مدعوم لمدة شهرين، ويوفر أدوية مدعومة لمدة (٤ شهور) مع مجانية أدوية القلب والسرطان وغسيل الكلى والأطفال دون الخامسة، ويمكن ان ينشيء طرق ومدارس وجسور، ولذلك من المهم معرفة أين ذهبت هذه الأموال؟
ثالثاً : معرفة مكان وتفاصيل صرف هذا المبلغ، مع حديث عن جهات أجنبية دعمت مجموعات ذات طابع عنيف، لم يقتصر على رصد إنتهاكات الأجهزة الأمنية، بل هناك تحريض ضد هذه المؤسسات الأمنية..
رابعاً: كشف العلاقة الدقيقة بين جهات إستلام الدعم وبين وتيرة التظاهرات والإغلاق والتتريس، وهل رفعت هذا الدعم من حدة الإستقطاب داخل المكونات السياسية والإجتماعية، وإلى اي حد كان دافعاَ للمزيد من الإحتقان السياسي والتوتر وعدم الإستقرار..
خامساً: هل تم توظيف هذا المبلغ لدى منظمات ذات توجهات معادية للسودان، ونشطت في تشويه الصورة الذهنية عن السودان ومؤسساته، من خلال حملات إعلامية ومنابر مختلفة..
كل هذه الأسئلة لابد أن تكون حاضرة في الذهن، فهذه ظاهرة ليست جديدة، ولكنها هذه المرة أكثر وضوحاً..
(2)
في ١٠ ديسمبر ١٩٩٧م، اصطحبت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها مادلين أولبرايت وفداً من التجمع الوطني الديمقراطي من اسمرا الي العاصمة اليوغندية كمبالا وعقدت معهم إجتماعاً وأعلنت رغبة واشنطون في رؤية نظام جديد في الخرطوم وتبرعت بمبلغ ٢٠ مليون دولار لإحداث تغيير، ودعم العمل المسلح ضد الحكومة السودانية، فلا حدود أو سقف أو قانوني دولي أمام المصالح الامريكية..
ومما يؤكد النفاق الأمريكي، فإن مساعدات وكالة التنمية الأمريكية للسودان، وخلال الإتفاق مع الحكومة السودانية والموقع في ٢٨ أغسطس ٢٠٢١م لم تتجاوز ٥.٥ مليون دولار، ضمن حزمة تمتد ثلاث سنوات ولا تتجاوز إجمالاً ٢٠٠ مليون دولار، فما هي دواعي السخاء الأمريكي وصرف ١٠٠ مليون دولار المجموعات غير حكومية وأنشطة تدريب وورش عمل..؟ وما هو المقابل لذلك؟
(٣)
منذ العام ١٩٧٦م، أمتنع التيار الإسلامي عن قيادة اي معارضة من خارج السودان، وذلك لسبب بسيط، لمنع السقوط في فخ الأجندة المريبة والمصالح الدولية على حساب القيم الوطنية، فالدعم الأجنبي رهين بشروط وإلتزامات كثيرة، ولهذا تشدد الدول في هذا المجال وتضع شروط عديدة وقوانين ضابطة ورادعة، فلماذا تواصل القوى السياسية السودانية التمادي في ربط مصير البلاد باجندة واشتراطات أجنبية؟..
وكيف رضيت القوى اليسارية، وبعض مجموعات المجتمع المدني ذات الوجدان اليساري ان تركن للاجندة (الإمبريالية)؟، هل اصبحت الشعارات مجرد هتافات فارغة؟..
ام أن هناك سياق آخر ينسج خيوط المشهد ويجمع بين هذه التناقضات لمصالحه؟..
(٤)
لا اتوقع من القوى السياسية وخاصة أحزاب قوي الحرية والتغيير والحزب الشيوعي السوداني إدانة هذا المسلك، فقد سبق لهم تلقى دعم أمريكي، كما أن دعم الحراك هو دعم لخياراتهم السياسية، مع ان المبدئية السياسية الأخلاقية تقتضي راياً واضحاً حول هذا الموضوع لضمان شفافية ونظافة الحياة السياسية السودان ونذكرهم بموقفهَم ضد الرئيس البشير وموضوع تبرع ٢٥ مليون دولار، مع ان الأمر مختلف، والرئيس البشير تلقى المبلغ من جهة دولة صديقة ولصالح حكومة السودان وتم التصرف فيه لأغراض واضحة ومحددة ولم يسلم من دعايتهم السوداء، بل محاكمة ظالمة..
كما نطلب بإلحاح من الحكومة السودانية ان تطلب توضيحات من الحكومة الأمريكية والإستفسار عن صرف هذه المبالغ والدواعي والمبررات؟..
والأهم، هو تداعي قانوني لفتح بلاغات ضد هذه المجموعات وفق القانون الجنائي، وتداعي إعلامي لكشف خفايا هذه الأجندة، ومحاصرة إجتماعية لمعالجة نتائج هذه المفارقات في شرائح شبابية وجماعات مدنية..
ما لم تتكامل هذه الجهود، فإن تمدد هذه الظواهر سيؤدي لنتائج خطيرة.. حفظ الله السودان وأهله..

اترك رد

error: Content is protected !!