بدعوة كريمة من سعادة السفير الإسباني بالخرطوم إيسيدرو قونزالز، شهدت العرض المسرحي عن “الكنداكة أماني ريناس” والتي جسدتها الممثلة القديرة “أمنية” في مشيتها الواثقة وزيها وهندامها وبكاءها وصيحات الحرب.
تمنحك أحساسا قويا بوجود هذا الجينات في المرأة السودانية.
أماني ريناس، هي أحدى ملكات النوبة في السودان وقاتلت الرومان في غزوهم لبلادها وفقدت زوجها وابنها وعينها وانتصرت في صدهم بعد خسائر دامية.
كان الرومان يعرفون دقة تصويب النوبة ولذلك غطوا جسدهم بالدروع إلا العين، وأماني هي أول من دربت مقاتلي النوبة على إصابة العيون بالسهام، هنالك روايات أخرى لكنني أميل لهذه الرواية، واعتبر “رماة الحدق” هو توصيف عربي لمهارة أصلا موجودة في النوبة، ولم يستحدثها مقاتلو النوبة أمام الجيش الإسلامي، لسبب بسيط جدا، وهو أن ارتداء الدروع المصفحة الكاملة، لجيش كامل، تميز بها الرومان وليس العرب.
ما حدث في قاعة الصداقة كان عرضا مسرحيا مميزا كتبه المخرج الإسباني ماركو، وساهم بالمونولوج فيه الكاتب القدير قدورة، وفي الإخراج عوض بعباش.
الديكور رشيق وجميل، وفيه استخدام الفلوكلور أو المواد البلدية، ولذلك أعجبني جدا، التحية لمحمد جبريل.
الممثلون، بقة، وحمزة، الجدي، أما سارة فقد تميزت برشاقة ورزانة في الإنتقال في المسرح، ودورها في البحث عن شقيقها لقتله تطلب منها هذا المزيج.
إنتقال حمزة من دور العسكري الباطش إلى الكاهن المنافق، أقول فقط عنه أنه رهيب.
بقة استطاع الخروج من النص الجاد بكوميديا كاسرة للملل.
الجدي، ابن الملكة لديه قدرة على افتعال الضحك والتعابير المقنعة، وتجسيد التناقض والتحول.
النص عموما ذكي للغاية، ولأنه ذكي يحتاج إلى أداء ذكي حتى ينجح وكان هذا كافيا بالنسبة للتأكيد على قدرة الفنانين الذين أجادوه.
ضربت لهم مثالا، عندما التقيتهم في شركة السافنا، للتنوير الصحفي، أن عرضهم هذا -في الصعوبة- مثل أغاني الامتحان لإجازة الصوت في إذاعة امدرمان، ومنها رائعة بشير عتيق، “إذكريني يا حمامة” ومعها كسرة “العنبة”، والكسرة هي دندنة سريعة وطروبة بعد الأغنية الثقيلة.
أعتقد أن النص المسرحي سبب قوته وذكائه أن فيها حبكة داخل حبكة، أو فيه قصتان متوازيتان، الأولى الصمود والإنتصار على الخوف الداخلي في الحرب وجسدتها أمنية، والثانية رغبة الأخت سارة في قتل شقيقها الذي لم يدافع عن اسرته، لتجده قتيلا في المعركة في نهاية العرض.
قد لا يكون العرض كوميدي جماهيري، مثل عروض الشباك، ولكن ضروري للغاية للمشاهدين المتذوقين، وضروري لهؤلاء الشباب لتكون تجربتهم المسرحية متنوعة.
أجدد الشكر لسعادة السفير الإسباني بالخرطوم على رعاية السفارة للمسرحية، والشكر للراعي المتميز شركة زين، والشكر لمشاركة معهد جوتة، والمركز الفرنسي.
لا يفوتني هنا أيضا الإشادة باللغة العربية السليمة لنائب السفير فيرناندو.