على شط النيل / مكي المغربي

مرحبا كباشي

مكي المغربي

أولا نحمد الله حمدا كثيرا على وحدة وصلابة الجيش السوداني وتماسكه أمام هذا التحدي، وهذا هو النصر الحقيقي، وهو إحباط كامل للمخطط الأصلي الخارجي بتفكيك الجيش، وهو مخطط لئيم وخبيث وماكر جدا، وقد اتخذ غطاء من مخططات داخلية، وبعض السذج الذين يعتقدون أن حديثهم الداخلي عن إصلاح الجيش هو حديث وطني حتى ولو تحالف مع المخطط الخارجي، لأنهم -حسب فهمهم- يلتقون مع الخارج في عدو واحد وهو استهداف أفراد داخل المؤسسة العسكرية، تحت شعار “الكوزوفوبيا”.
هذه بلاهة ما بعدها بلاهة، أن تتفق مع مع مجنون على مطاردة نحلة داخل بيتك وتسمح له باستخدام الحديد والمتفجرات لقتل نحلة وأنت تستخدم منشة ذباب، وحجتك البليدة هي أنك غير ملزم بنتائج ما يفعل لأنك لا تستخدم إلا أدواتك المدنية السلمية، وأن النحلة هي العدو المشترك.
هذا تماما ما حدث من تحالف بين قحت المركزي والدعم السريع، وهذه هي حجتهم، والتي تؤكد أنهم مجرد حمقى مغفلين، بالبلدي الفصيح “دلاهات” ولا يمنع هذا أن بعضهم عملاء، ويعلمون ما يفعلون.
في هذا السياق القاتم البائس الذي تسببت فيه قحت هنالك اشراقات وانتصارات، وعلامات نصر قريب بإذن الله تعالى.
نحمد الله حمدا كثيرا على حضور الأسد الهصور الفريق شمس الدين كباشي إلى الملعب التنفيذي والسياسي المفتوح، وهو بالرغم من أنه نائب القائد العام للقوات المسلحة وكان مشغولا بسير العمليات العسكرية، إلا أنه بحكم موقعه في مجلس السيادة وإشرافه على جزء مهم للغاية من الجهاز التنفيذي قد أبلى بلاءا حسنا في العمل تحت الضغط الهائل، وعرف بحسن المتابعة والقدرة على اتخاذ القرار.
لا ينكر أحد شعبية كباشي بين أبناء الشعب السوداني، ولو عدنا للنقطة الأولى وهي تماسك ووحدة الجيش، أعتقد أن الفريق كباشي قد أدار الأمور بحنكة وذكاء وتجرد ونزاهة ولم يسمح للمشككين بتوجيه الأمور إلى قرارات مستعجلة وغير مفيدة لوحدة الجيش والتفافه حول تسلسله القيادي، وتعامل مع الأمر بأخلاق الجيش السوداني والالتزام المهني والوطني، وأهم من ذلك الوعي بالمخططات الخارجية، وهو ما يفتقده آخرون بكل أسف، هم الأقرب للخارج وهم الأجهل به والأكثر عرضة للغش والخداع.
لا أجد حرجا البتة في ما نسب للفريق شمس الدين كباشي من أنه لا يمانع في استمرار المفاوضات طالما كانت وفق مباديء منبر جدة للقضايا الانسانية، أكرر للقضايا الانسانية وهي مفاوضات لا صلة لها بأحلام وطموحات إعادة الوضع إلى ما قبل 15 أبريل، تلك مجرد أحلام تعربد في أذهان الجنجويد العسكري الذي يتمثل في مليشيا الدعم السريع والجنجويد السياسي الذي يتمثل في قحت المركزي ومن يقف معهم ويرغب في عودتهم لحكم السودان.
هذه الأحلام غير مدونة في ورقة مباديء جدة، كل المكتوب هو كيفية إيصال المساعدات الإنسانية وتصنيف الأعيان المدنية التي يجب أن تخرج منها المليشيا المجرمة.
عشرين جلسة في جدة لا تضر، ولكن الذي يضر هو اتصال هاتفي واحد (في الظلام) و (بالدس) بين عصابة قحت والجيش بغرض التخويف والتهويش للقيادة بأن الجيش إذا لم يسلم قحت السلطة على طبق من ذهب لن يعترف العالم بالشعب السوداني وجيشه وخياراته الوطنية، مثل هذه الاتصالات السرية المشبوهة و”التعشيم” و “التعتيم” خيانة للشهداء وللصف الوطني.
ما كان يحدث في منبر جدة لم ننتقده من جهة حدوثه ولكن من جهة نتائجه والكسل الإعلامي وتفاوت السرعات بين التوظيف السياسي الخارجي والتعبئة الداخلية للمليشيا مقارنة مع “إضاعة الفرص” في الصف الوطني.
حتى التفاوض مع الجنجويد السياسي جائز، ولكن (أكرر ولكن) بالمستوى الذي يستحقونه وفي القالب الذي يليق بحجمهم، بالتأكيد هم دون التواصل مع رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، وأعضاء مجلس السيادة ولكن يجوز التفاوض عبر جهاز الأمن وذلك لأنهم (للأسف) حكموا السودان من قبل وهنالك جهات استهدفتهم بالتوثيق والتوريط وربما هم تحت الإبتزاز والتهديد المستمر بأمور لا يصح الحديث عنها، ولذلك لا بد من قناة تواصل، ويجوز النظر في كيفية إخراجهم من “الورطة” وهذا تواصل لا يستدعي الاتصال بقائد الجيش إنما ضابط متخصص في جهاز الأمن.
لا يمكن أن أكون مؤيدا لمحادثات إسرائيلية سودانية وأرفض محادثات سودانية سودانية، التفاوض عندنا هو خط تأمين وطني ودبلوماسي وإعلامي لو تم توظيفه جيدا، وهذا هو مربط الفرس.
في هذا السياق الوطني يجوز (بل يجب) مراقبة أداء وشخصيات الوفد المفاوض، ويجوز نشر النقد المستمر حولهم، ويجوز التحقيق في تفاصيل أي طلب خاص أو هدية خاصة تحصلوا عليها ولو كانت “قلم حبر جاف”، ولا يملك الوفد الموقر إلا الصبر على النقد، ومن قبلهم صبر سفراء السودان في الخارج الذين يتطاول عليهم أي مدون في الفيسبوك، وهم يصبرون، ويوضحون الحقائق لو كان الأمر يستحق، ويصمتون ويحتسبون ابتلاءاتهم عند الله لو كان الأمر لا يستحق.
ما هو الفرق بين مفاوض مؤقت وسفير محترف؟ أنا أعرف سفراء ظلوا يتلقون الصفعات وتمنعهم وزارة الخارجية من الرد طيلة عملهم الدبلوماسي، ثم رفدتهم (لجنة سياسية انتقامية) والتزموا بالمهنية الصارمة في التوضيح ولم يلجئوا إلا للقضاء السوداني، ولا يزال هنالك من يتآمر عليهم لحرمانهم من حقوقهم الوظيفية، بالمقابل هنالك من يذهب جولة تفاوض واحدة ولا يرغب فى توجيه نقد له.
يصغر في نظري جدا المسئول الذي “يبكي” بسبب نقد موجه له، ويفترض أن الشعب السوداني يجب ألا يحاسبه لأنه يقوم بمهمة حساسة وفق توجيهات القيادة، يا أخي الكريم الشعب السوداني من حقه انتقاد القيادة ذاتها ومن حقه المطالبة برحيلها، ويجوز أن يدعوا عليها في صلاته، دعك من الشعب وعلاقته بقيادته، أنت موظف والمطلوب منك هو أولا، استباق الإعلام المضاد بالرواية الصحيحة، أو الجزء الممكن منها، وإحسان توظيفه، ثم ثانيا، تقييم النشر السالب إلى ما يستحسن التفاعل معه، وما يستحسن تجاهله، أو الرد عليه عبر قناة غير رسمية. وإذا كان المفاوض غير معني بهذه المهمة يجب عليه مساعدة الجهة المختصة بالقيام بها في الدولة.
ختاما، أنا واثق أن القرار الشعبي قد صدر تماما حول المليشيا، هذه مجموعة مجرمة لا يجوز إعادة إنتاجها ولو سلخت جلد المدنيين و”السنابل” الذين يتحالفون معها ولبسته، ولذلك هذا الغلاف المدني من قحت والناشطين حول المليشيا لا يشبه سوى كيس بلاستيكي أصفر داخله براز ملوث بالدماء، هذه هي قحت وهؤلاء هم الجنجويد السياسي، حتى لو امتلأت جيوبهم الدولارات والذهب بالدراهم.

اترك رد

error: Content is protected !!