أصبح التصنيف العالمى للجامعات فى نظر البعض خاصة الدول الغربية معيارا مهما لقياس جودة التعليم الجامعى على المستوى المحلي، الإقليمي والدولي، لذا حُظى هذا التصنيف بنوع من الشهرة على نحو واسع كما أنه أكتسب بعدا تجاريا، لعبت الشركات والهيئات التى تتولى أمر تصنيف مؤسسات التعليم العالى دورا محوريا فى تشكيل الرأى العام الذي يهتم بمؤسسات التعليم العالي ، وبذات القدر نال الاهتمام بالتصنيف حظا وسط ممن يرغبون فى الالتحاق بالتعليم الجامعى مستقبلا ،كذلك تهتم بعض الأسر و الحكومات والمؤسسات بمستوى تصنيف التعليم الجامعي كمعيار للتوظيف، يتم تصنيف الجامعات التي تتقدم له وفقاً لمعايير وشروط يعتمد بموجبها كل نظام تصنيفي على وضع ترتيب تسلسلي للجامعات يُبين مدى توافر الشروط العلمية والبحثية الضابطة لجودة البيئة التعليمية على مستوى عالمي وفقا لما تراه الجهات التى تصدر التصنيف ، ومن ثم يتم نشر نتائج التصنيف سنويا مشيرا إلي ترتيب الجامعات على مستوى العالم. رغم إطلاق صفة “تصنيف عالمي” عليه، إلا أن تصنيف الجامعات لا يسلم من بعض نقاط الضعف التي تقدح في دقته ومدي فعاليته في تطوير التعليم العالي، لذا نستعرض فى هذه المساحة أهم الجهات التى تصدر التصنيف و السمات العامة لمعاييره و بعض الملاحظات عليه.
التصنيف العالمى للجامعات
هنالك عدة تصنيفات للجامعات فمنها ما هو على المستوى العالمى،الإقليمي وحتى المحلي لكننا نكتفى هنا بالإشارة لأهم التصنيفات على المستوى العالمى وهي: ” التصنيف الأكاديمي لجامعات العالمAcademic Ranking of World Universities (ARWU)” الذي جاء بمبادرة من جامعة شنغهاي جياوتونغ (Shanghai Jiao Tong University) فى الصين عام 2003م،ثم تبعه تصنيف Times Higher Education (THE) اللندنية فى عام 2004م، وتلاه تصنيف مؤسسة كواكواريلي سيموندس البريطانية Quacquarelli Symonds (QS) فى عام2010م. نورد هنا على وجه الإجمال بعض السمات العامة لمعايير التصنيف علي نحو:
التصنيف الأكاديمي لجامعات العالم (ARWU): يعتمد هذا التصنيف على مجموعة من المعايير التي يمكن وضعها مُبسطة كالآتي :جودة التعلیم التي تقاس بعدد الخریجین الفائزین بجائزة نوبل أو جوائز فیلد للریاضیات (% 10)، أعضاء ھیئة التدریس الذين فازوا بجائزة نوبل أو جوائز فیلد (20%)،عدد مرات الاستشھاد بأبحاث أعضاء هيئة التدريس فى بحوث علمية أخرى(20 %)، الأبحاث المنشورة في أفضل المجلات العلمية المحكمة (20%)، الأبحاث المفهرسة في كشاف العلوم الاجتماعیة والكشاف المرجعي للعلوم الموسع (20%) و أداء الجامعة مقارنة بمواردها (10%)، ضم هذا التصنيف لعام 2022م (2500) مؤسسة تعليمية تم نشر أفضل 1000 جامعة منها وفقا للمعايير المذكورة.
تصنيف مجلة التايمز اللندنية: لهذا التصنيف مجموعة من المعايير الواسعة تم إدماجها في خمسة علي نحو: العائد المادي الناتج عن البحوث التى تطور الصناعة و الإبداع (2,5%)، نسبة عدد أعضاء هيئة التدريس المحليين مقابل الأجانب ونسبة الطلاب المحليين مقابل الطلاب الوافدين(5%)،بيئة التدريس والبيئة التعليمية (30%)،حجم البحوث و سمعتها وعائدها المادى(30%) و عدد مرات الاستشهاد بالبحوث وتأثيرها (32,5%)، شمل هذا التصنيف في عام 2022م (1600) جامعة من 99 دولة علي مستوي العالم.
تصنيف مؤسسة كواكواريلي سيموندس البريطانية (QS) :له عدم معايير يمكن إجمالها في الآتي: السمعة الأكاديمية (40%)،سمعة توظيف خريجى الجامعة في سوق العمل (10%)، معدل الاستاذ الجامعى بالنسبة لعدد الطلاب (20%) ، عدد مرات الاستشهاد ببحوث الكليات (20%) و نسبة الطلاب الوافدين (10%)، خضع لهذا التصنيف في عام 2022م حوالي(1400) جامعة علي مستوي العالم.
سلبيات التصنيف وإيجابياته
انتقد العديد من المؤسسات التعليمة وكذلك أفراد و جهات علمية ذات صلة بأمر التعليم العالى التنصيف و أبانوا نقاط ضعفه وهنا نورد بعض الملاحظات على النحو التالي:
(أ) ليس هنالك ثمة وضوح يُبين الفروقات بين رتب الجامعات المصنفة فمثلا: لا ترى هنالك فرقا بين الجامعة رقم 1 وتلك الأخرى رقم 30 وماذا عن الفرق بين رقم 50 ورقم 70 إلا من حيث العدد وذلك لأن التصنيف يعتمد على وضع نسب مئوية على كل معيار ينطبق على كل الجامعات التى تدخل التصنيف، التصنيف لا يوضح مثلا جودة المواد التى تُدرس أو ما هي الفروقات الحقيقية التى بنيت عليها تلك النسب(ب) معيار معدل نسبة الأستاذ الجامعى بالنسبة للطلاب لا يبين نوعية التدريس وجودته وطريقته بل يركز فقط على النسبة ،(ج) بيانات التصنيف تفتقر للشفافية الكاملة وذلك لأن التصنيف لا يوفر البيانات وطريقة جمعها ليسهل الرجوع إليها فى حالة الحاجة للتأكد من صحة التصنيف ومراجعته،(د) التصنيف يحرم الجامعات التى تُدرِس بغير اللغة الإنجليزية من المنافسة حيث أن دوريات وبحوث هذه الجامعات لا يمكن قياس تأثيرها العلمى الذي يعد من ضمن المعايير، علاوة على أن الدراسات الاجتماعية لا تحظى بتغطية كبيرة، (هـ) يُغفل التصنيف أهداف و دور مؤسسات التعليم العالمى فى إحداث التغيير الاجتماعى فى مجتمعات تلك المؤسسات، لكل إقليم أو دولة خصوصية تختلف عن الآخري و بالتالى تختلف الأولويات والأهداف فلذا من الصعب الحكم على ذلك بمعيار واحد أو إغفاله،(و) التركيز على التصنيف يحرم بعض مؤسسات التعليم العالى من الدعم الكافى حيث تتجه الحكومات لتوفير دعم مالى كبير للمؤسسة التى يراد لها الدخول إلى سلم التصنيف على حساب المؤسسات الأخري، (ز) التصنيف يحرم الدول النامية من الطلاب النجباء الذين غالبا ما يسعون لدخول الجامعات ذات التصنيف العالمى وذلك من أجل السمعة وسهولة الحصول على فرص العمل كما أن هذه الجامعات توفر منح دراسية لأمثال هؤلاء الطلاب لجذبهم، (ح) التصنيف يساعد على هجرة العقول إلى هذه الجامعات حيث يسعى أساتذة الجامعات المبرزين للهجرة لهذه المؤسسات لما توفره من شروط خدمة مجزية وبالتالى حرمان بلدانهم من تفوقهم والإسهام فى تحقيق نهضتها، (ط) يحرم التصنيف جامعات الدول النامية من التعاون مع القطاع الخاص والصناعى فى الدول الغربية من حيث توفر الدعم المالي الذي يتجه للجامعات المرموقة وبالتالي إهمال تلك التى لم تدخل التصنيف.
للتصنيف إيجابيات خاصة فى الدول الغربية التى تحتفي به علي المستوي الرسمي و يهتم بعض الطلاب وأسرهم بالدراسة في الجامعات المصنفة طلبا للسمعة والحصول على فرص عمل فى بعض المؤسسات المرموقة، كما أن التصنيف يعد من المعايير التى تشجع التعاون بين المؤسسات العلمية و القطاع الصناعى و التجارى، و مع ذلك أري أن التصنيف لا يعنى أن المؤسسات التى لم تدخله دون المستوي أو غير مؤهلة وخير مثال علي ذلك أن هنالك نماذج لبعض الطلاب الذين تخرجوا من جامعات بلدانهم وهي غير مصنفة ولكنهم نالوا دراسات عليا في بعض الجامعات المصنفة وعملوا بها بعد تخرجهم مع العلم أن هذه الجامعات خضعت لتصنيف لم يتجاوز عمره تسعة عشر عاما مقارنة بجامعات ظلت تؤدي رسالتها لمئات السنين وبعضها لعشرات القرون.
يحضرنى انتقاد البعض لمؤسسات التعليم العالى في السودان وتحسرهم علي فشلها في أن تكون من ضمن الجامعات المصنفة عالميا وأقول في الرد عليهم: لاشك أن لثورة التعليم العالى سلبيات وإيجابيات لكن لابد من التركيز علي جودة التعليم من أجل تحقيق الأهداف الرئيسية له وهي إحداث التغيير الاجتماعي والمساهمة في نهضة السودان من خلال تهيئة البئية في تلك الجامعات و إعادة النظر في أهداف برامجها الأكاديمية والعلمية وربط ذلك بمفهوم البحوث والتنمية كأولوية قصوي، عدم دخول جامعات السودان من ضمن التصنيف لا يعنى أن جامعات السودان رديئة رغم وجود بعض المشاكل التي لا تنكر، كما أن التصنيف لا يشمل كل جامعات العالم بل فقط الجامعات التى تشارك في التصنيف الذي لا يتم على أساس الدولة بل يتم بصورة فردية على أساس الجامعة التى يتسنى لها المشاركة وتقديم البينات للجهات المُصنفة.