علي مستوي علاقاته السياسية الامنية وانماط رضائيتها وتشاركيتها علي خلاف ما نشهد من طغيان لا نظاميتها العسكرية الامنية ببدائيتها المليشيوية التي تحركها الغرائز القبلية والاثنية، وعلي تفاؤل الطائفية والتدينية، وبالقطع لاتتحرك بعوامل الروابط الموضوعية (الدولاتية المؤسسة) بل بروابط العصبويات العضوية. والخروج من مازق هذا التموضع المجتمعي المعيق لا ياتي الا بانتقال وتحول علي صعد الرؤية ثم علي سبل التطبيق من علم اجتماع انقسامي لعلم اجتماع وظيفي، وذلك فرع من باب اشتغال عظيم ومستحق لعلم اجتماع السياسة الجديد،الذي يساهم بمنحي اول:
بالمخطط وبالمنهج والسياسيات، بالتحول الاصلاحي العلمي، وبالتلاقح الاجتماعي المتثاقف بالياته الحرة الديمقراطية، بهدف الانتقال التوافقي المنظور من مركبات وهياكل المجتمع القديم بكل عناصره التقليدية الانقسامية الاوظيفية الساكنة الي مركبات وهياكل المجتمع الجديد بكل عناصره المستحدثة الوظيفية المتحركة ثم بهدف التحور التدريجي الامنظور الذي تتطور به هذه المجتمعات من بني لاوعيها الانثربولوجي الي بني وعيها السوسيولوجي من خلال دينامية (متغيرة) مبدلة للعناصر الانقسامية الجامدة الاوظيفية داخلها عبر اكسابها ادورا وظيفية حية، تساهم بتجدد هذة المجتمعات واستمراريه حفاظها علي كيانها ومركبات هياكل قيمها وسلوكها و سلطتيهما السوسيوسياسية، وذلك بوجه ما تفرضه عليها التحديات من تلقاء عوامل من داخلها ومن خارج مجتمعاتها وبمحاولات الوعي المديني المصطنع (اوالمصنع بالمظهر) والمتريف (او الطبيعي بالجوهر) بنفس القدر ومن تسارع ايقاعها (المعولم) الذي يسلط عليها قدرا لايستهان به من العنف الهيكلي المهدد، لنماذج تبدل:تفكرها ومعاشها وانتاجها من نمط انتاج كفائي مشبع للحاجات لنمط انتاج استهلاكي تسويقي بفعل (التحديث) بمدلوله المادي الكمي لنمو الثروةالاقتصادية (لا الحداثة) بمدلولها المعرفي النوعي لتنمية الثروة الاقتصادية وبمقدار ماتسمح به هذة السياسات والمخططات التنموية من خلال مناهح اختياراتها الايديو/اجتماعية من الية اختراق راسمالي لوضعها الانتاجي ماقبل الراسمالي…المطلوب اذن ومن الباب الاشمل لعلم اجتماع السياسية،ومن نوافذ تفريع اشتغاله الاعظم الذي يستبدل الاوظيفي من جل ادواره المجتمعية لكل مهامه الوظيفية الداعمة لبقاء وحدته وهويته المشتركة، من خلال هذا المنحي الاول: الذي اجمالا سيقود بمنتهي بداخله، يحاول ان لا يكون طرحا وفعلا معززا مجانيا للمشروعية الاجتماعية القائمة ولامحطما عدميا لهيكلها الا بالقدر الذي تنجز به المهمة الاصلاحية ديمقراطيا لصالح التنوير العقلاني والحداثة المدنية ليمرر هذا الاختراق دون حجم هائل من المعاناة الاجتماعية (=ذلك كون مرحلة الاختراق نفسها الواجب تجنبها تتم من خلال عملية تحلل سريع للانماط ماقبل الراسمالية والتي تمس بصورة جوهرية علاقاتها الفلاحية:الرعوية والزراعية، ونظم الملكية والحيازة الارضية والريعية ، التي قد تحطم البناء الاجتماعي التقليدي بفعل هذا النزوع الوافد المستهلك الراسمالي علي: المستوي المحلي بالتنازع الاحترابي الاهلي والابادة الهوياتية الاثنية بغرض الاستحواذ علي الموارد الطبيعية، الذي سيمزق النسيج المجتمعي وقيمه العرفية القبلية باستخدام قوي الهيمنة بالمركز والهامش وباسطوريات التفوق الجينالوجي،اماعلي المستوي الوطني فان اثر هذا:التحطم/النزوع…يبدو واضحا لانه بالقطع لايتم بافق حداثوي لتنمية مستدامة بقدر مايتم بسمات تحوير لاتحلل للهياكل و الانماط ما قبل الراسمالية بل واستخدامها كوسيلة لدعم هذة الراسمالية المشوه و التابعة عن طريق تحمل البناء الاجتماعي التقليدي لجزء غير يسير من كلفة اعادة انتاج قوة العمل علي الصعيد الوطني كله ليكون حاصل ذلك:سوق وطني تقافي اقتصادي غير موحد اومتجانس لنشاط و قوي طفيلية، تديره بالغالب لمصلحة متربول اقليمي وعالمي وليكون ناتح ذلك بسوقه الموازي هوية وطنية مقطعة الاوصال مفتقدة لعوامل التكامل الاجتماعي السياسي)…وهو يساهم من بعد ذلك بمنحي ثاني، في قضايا تحديات الانتقال الديمقراطي لمجتمع ودولة مابعد الاحتراب الاهلي:الذي يقتضي معالجة استثنائية لاوضاع التغير من ظاهراتها الي السوق التثاقفي الليبرالي للتسالم الاهلي و التنمية المستدامة، وبما يعنيه ذلك بالعمق من تناول لاشكاليات المشروعية السياسية بتفرد تواثق عواملها لنحو مجتمع الدولة التعاقدية الرضائية علي قاعدة من الوعي المتضامن السياسي الاقتصادي ببعدي:ديمقراطتيته وعدالته الاجتماعية، بتزامن مع عدالة انتقالية ناجزة،بجدليتي المساءلة والمصالحة،انحيازا للاقاليم والفئات المهمشة ولسواد شعوبه من المستضعفين ولاقوام فيه من المراة والطفل والشباب وذوي الهمة بالاحتياجات الخاصة و النازحين والاجئين، فهم الشرائح الاكثر تاثرا بويلات الحرب وتازمها المتطاول…
*وثاني تحديات الانتقال المباشرة،وممايقع باطار مستدرك بيئتها الداخلية ايضا مايتركز بالمستوي الدستوري والسياسي وبالذات يتضح ذلك جليا من ضرورة معالجة واصلاح العوار الدستوري والخلل السياسي الذي يطبع السير الواقعي للمرحلة الانتقالية المفارق نصا وروحا،لاختيار فلسفة الوثيقة الدستورية وماوراءها من ارادة سياسية يفترض ان تعبر عن (مطلوبات الثورة) والتي ابانت بجلاء عن تغليبها لرؤية تستند علي نظام حكم جمهوري برلماني وتفضيلها له عن النظام الجمهوري الرئاسي، وهو تغلييب و تفضيل له مايبرره:تاريخيا من قراءة وطنية لارتباط بين الجمهوريات الرئاسية ونزوع لها لاقتران بهيمنة حزبية وبالفردانية المستبدة والشمولية العسكرية وما يبرره :تطبيقيا من توسيع لمظلة السلطة (لتستوعب وعائها الجبهوي القائد للثورة) وقاعدة المشاركة (لتستصحب تيارها الوطني المؤمن بالثورة بمجلس تشريعي ثوري)…ان الاعمال الفوري لهذه المبادئ الدستورية والسياسية يعني: رد اصل السلطة لمركزها الجمهوري التنفيذي ممثلا بمجلس الوزراء، ورد مشروعية السلطة لمركزها الجمهوري النيابي ممثلا بالمجلس التشريعي الذي له وحده الحق الحصري لمنح الثقة وسحبها والرقابة والتشريع واجازة برامج الحكومة وسياستها الداخلية والخارجية وابرام المعاهدات الدولية، وعلي اسا س المسئولية التضامنية الجماعية للسلطة التنفيذية عن اعمالها امام المجلس الذي يملك صلاحية محاسبة واقالة راسها وبالتالي تسقط اما كسلطة تنفيذية جماعية او بعض من وزرائها بصورة فردية، مما لاشك فيه ان التزام التطبيق الامين والصادق للوثيقة الدستورية يمكن ان يجنب الفترة الانتقالية الحالية العديد من المطبات المقصودة و العراقيل المفتعلة، وكان يمكن له ان يساهم في اعادة التوازن بين مكوني السلطة الانتقالية المدني والعسكري، لما يبدو في السطح من غلبة المكون العسكري بانتقاصه الواقعي لمركز الجمهورية البرلماني وبتدخله اليومي بمركز سلطتها وصلاحيتها التنفيذية ومحاولاته المستميتة فرض هيمنة:من خلال السعي لمصادرة المجال العام واحتكاره (او اعادة رسم توازنه) لغير صالح قوي الثورة و من السعي باتجاه موازي للتحكم في مأل و خيارات الثروة والاقتصاد الوطني (اواعادة توجيهه) بخروج مؤسساته الكبري وقطاعاته الاستراتيجية الامنية والمتعسكرة المتنفذة من الولاية العامة للدولة، لغير ايضا صالح قوي الثورة، ثم من خلال سعي ثالث مكمل محموم ودؤوب لايقاع مريب لكل المرحلة الانتقالية في= (Conflict Of Interests) علي صعيد الوطن كله وتحديدا ببراثن عيب لايخفي علي اي مراقب محايد وحادب علي مصلحةعامة،ويتمثل ذلك بالمزاوجة بوضوح مخل بين مجالات لايجوز بحال الجمع بينها: اعمال، السيادة والاقتصاد والسياسية، فلا يجوز منطقا ولا خلقا ولا عدلا لمن يمتلك السيادة سلطة باسمنا ان يمتهن الاقتصاد نشاطا من مواردنا وان يمارس السياسة وظيفة عامة لخدمتنا، فذلك كله من عظيم منكرات الامر وسوءات منقلب تدبيره الذي يقدح تماما في مبادئ الحوكمة والشفافية ومعايير التنافسية الحرة و الانظمة الرشيدة الديمقراطية، ولكنه يقدح كذلك في مقبولية السلطة الانتقالية ومصداقيتها والتي ما حاز وتحديدا شقها المدني علي الرضا الشعبي الواسع الا بما ارتاي الثوار من كون: رموزها تجسيدا لهذه المعاني، وان رصيدها المهني تم اكتسابه بمنظمات اقليمية ودولية تضع هذة القيم في ديباجات نظمها العامة الاساسية مما اصبح فيها لغة وادبا معولما وقواعد احتكام مؤنسنا يختزل ما انتهت اليه تجربة البشرية وبما توسموا ان يعايشوا بفضل ذلك مرحلة انتقال ذات نزوع تكنوقراطي تسودها روح الاجندات التوافقية والمهام الاجماعية لنحو عبور ديمقراطي مستدام، ولكنهم اسفا وعلي خلاف ذلك،احتفظوا بشراكاتهم الاقتصادية المضاربة بثروات الوطن ومواقعهم السيادية المخططة لاقتصاد الوطن، وفوق ذلك يمنون علي مواطنيه واقتصاده بهوامش من نذر زهيد وبخس يسير من بعض هوامش ارباح هي في الاصل مورارد ثرواته الطبيعية البكر ملك له خالصا ولاجياله القادمة وقطاعه العام المنتهب بالخصخصة الظالمة، بعطية من لا يملك لمن لا يستحق، فهل جلس هولاء ببيوت امهاتهم وابائهم لينظروا ايهدي لهم هذا ام لا بعد ان فارقوا دون ان يغمض لهم عين او ان يرمش لهم جفن المبدأ القانوني والديني الراسخ التليد:ان لايجوز الجمع ببن التجارة والوظيفة العامة، فان هذا من ديدن النظام المتاسلم وواحد من العوامل الحاسمات في ابادته وانقضاء اجله فما بالنا نسكت عن ذلك ونغض عنه النظر في زمان الثورة الوضئ و صباح قيمها الابلج… وثالث تحديات البيئة الداخلية هو الانتقاص العامد لانهاك بنية السلطة ولاهلاك ارصدتها(الثورية) بافتعال الازمات الاقتصادية والاجتماعية من جهة وجرها الي معارك عبثية في غير ما معترك من جهة اخري، ثم اضافة لذلك عدم الالتزام بالتواثق الدستوري، بمؤسساته وصلاحياته وعدم احترام مصفوفة الانتقال لا بمضمون مهامها ولابرزمانة اجالها،لاسيما المفوضيات القومية، لاستكمال هياكل السلطة باجنحتها الثلاث:تنفيذا يستجمع وظيفتها، وقضاءا يتم ميزان عدالتها بمجلس لها ومحكمة دستورية…>>>يتببع
( انتهي في السادس من أبريل 2021. )
• كاتب صحفي وباحث في مجال دراسات السلام والتنمية .
• عضو مؤسس لحركة تضامن من اجل الديمقراطية والعدالة الإجتماعية