الرأي رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

حين تصفو النفوس : في مقامات الشوق

(1)
‏وكنت إذا ما أشتد بي الشوق والجوى وكادت عرى الصبر الجميل تفصم
أعلل نفسي بالتلاقي وقربه وأوهمها لكنها تتوهم
وأتبع طرفي وجهة أنتمو بها فلي بجمالها مربع ومخيم
ونذكر هنا بعض ما قاله من اشتد به الشوق وضاق به الصبره فهو مغرم:
أسائل عنكم كل غادٍ ورائح وأومئ إلى أوطانكم وأسلم
وكم يصبر المشتاق عمن يحبه وفي قلبه نار الأسى تتضرم.
تلك أبيات من قصيدة العلامة شمس الدين أبوبكر المشهور بابن قيم الجوزية، وهي من روائع الشوق وتسمى (الميمية).
اخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر:
(يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي) فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي: الآن يا عمر)
ولما احتضر بلال بن رباح مؤذن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قالت امرأته: واحزناه، فقال: واطرباه.
غدا نلقى الأحبه .. محمدا وصحبه
(2)
و يقول ابن تيمية :
وأخرج من البيوت لعلني أحدث عنك القلب بالسر خالياً
وقال اخر :
قوم تخللهم زهو بسيدهم
والعبد يزهو على مقدار مولاه
تاهوا به عمن سواه له
يأحسن رؤيتهم في حسن ما تاهوا
وكانت رابعة العدوية تقول:
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي وأبحت جسمي لمن أراد جلوس
فالجسم مني للجليس مؤانس وحبيب قلبي في الفؤاد أنيس
فقد صفا قلبها ولم تعد تدرك من حولها وما يحيط بها من حياة ضاجة بالناس والهموم والمشاغل، فقد تعلق القلب بشوق كبير.
قال الله تعالى ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) .
(3)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث (.. وأسالك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة) ، فالشوق سفر القلب في طلب المحب والنزوع إليه ، لا يهدأ له بال ولا يرتاح في مسار من كد إلى جد ، مسارعاً بالخيرات متجافياً للذنوب (ففروا إلى الله) ، و(سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض) .
وروي أن أبا بكر قال للنبي – صلى الله عليه وسلم ( والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعيني من إسلامه )يعني أباه( وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقر لعينيك) .
انه شأن اهل الايمان العميق تتعلق كل آمالهم وتتسامى حبا لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم :
لولا التعلق بالرجاء لقطعت
نفس المحب صبابة وتشوقاً
حتى إذا روح الرجاء أصابه
سكن الحريق إذا تعلل باللُقاء
ويجيب سيدنا موسى عليه السلام (وعجلت إليك ربي لترضى) .
(4)
ومن أحسن العمل في دنياه أحب لقاء الله، وقيل آية العنكبوت (5) نزلت في شأن الذين يتشوقون إلى لقاء الله بحسن العمل، قال تعالى(من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لأتٍ وهو السميع العليم) ، وتلك غاية يسارع إليها كل محب امتلأ بالشوق قلبه:
والصبر يحمد في المواقف كلها
إلا إليك فإنه لا يحمد
وقال ابو مدين التلمساني :
تحيا بكم كل أرض تنزلون بها
كأنكم في بقاع الارض امطار
وتشتهي العين فيكم منظرا حسناً
كانكم من عيون الناس اقمار
لا أوحش الله ربعا من زيارتكم
يامن لهم في الحشا والقلب تذكار
وقال يحيى بن معاذ:(يخرج العارف من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وشوقه إلى ربه)
اللهم أرزقنا لذة
الشوق إليك والنظر
إلى وجهك الكريم
..

اترك رد

error: Content is protected !!