رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

اكذوبة الدولار الجمركي: من يقرأ البيانات والإحصاءات؟

د / ابراهيم الصديق علي


(1)
من يقرأ الأرقام والتقارير في هذا البلد ؟ هذه الأحاديث الفطيرة والأقوال المرسلة لا تصمد كثيراً أمام البيانات والإحصاءات (الرسمية) ومن مؤسسات معتبرة كالبنك المركزي وتقاريره وعرضه الإقتصادي السنوي.. ناهيك عما يعايشه الناس مع زيادات متوالية في الأسعار وتردي الخدمات وفرض الرسوم الجزافية، مع سوء تدبير وغياب تخطيط وإنسداد أفق.. ونورد ذلك بالأرقام..
والحديث هنا عن (الدولار الجمركي)، فقد أصدر الناطق بإسم وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بياناً يوم ٣ آب / أغسطس ٢٠٢٢م تعليقاً على ما اسماه (اللبس والخلط حول الدولار الجمركي)، جاء فيه (أولاً : لم يصدر أي قرار من الوزارة بزيادة مايسمي بالدولار الجمركي .
ثانياً : سبق أن أصدرت وأوضحت الوزارة المالية في عدد من المنشورات والبيانات فيما يتعلق بما يسمى بزيادة الدولار الجمركي منذ يونيو 2021م وتدعو الوزارة أجهزة الدولة المختلفة ذات العلاقة لضرورة توضيح الغموض الذي يكتنف مسألة مايسمى بالدولار الجمركي بسبب عدم تملك المواطنين والجهات ذات الصلة بالمعلومة الحقيقية .
ثالثاً : نود أن نوضح بأن سعر الدولار لدى الجمارك يتحرك مع التغير في سعر الصرف وفقاً لسياسات بنك السودان المركزي المتبعة في هذا الشأن فيما يتعلق بعاملي العرض والطلب)..
وما لم تقوله وزارة المالية ان الحكومة رفعت يدها عن السياسات (التحكمية) في إدارة الشأن الإقتصادي وتركت المواطن نهباً للجشع التجاري ومتغيرات الأسواق، وهذا تصرف يفتقر للمسؤولية والحس الإنساني، بل والتقدير الإقتصادي، لإن حركة التجارة تنعش الإقتصاد وتحقق المنافسة الجيدة وتوفر الفرص والوظائف وتشجع على جذب رؤوس الأموال والإستثمار..
(2)
(إن السكر الوارد من البرازيل أو الهند ارخص من الإنتاج المحلي، وحتى سكر مصنع كنانة المهرب من إريتريا للسودان، أسعاره اقل من الداخل، لماذا؟) لسببين الرسوم المبالغ فيها من الحكومة وللسياسات الحمائية في بعض الدول للسلع والخدمات النقدية بما يوفر عملة أجنبية، ولذلك فإن اسعار بعض الواردات من الخارج ارخص من الإنتاج المحلى ..
وما يعنينا هنا، أن الدولار الجمركي سياسة إقتصادية (حمائية للمواطن) و لتخفيف العبء عليه، و شبكة امان إجتماعي، وقد تخلت هذه الحكومة وعلى ذات نسق حكومة د. حمدوك وقوي التغيير عن مسؤولياتها تجاه المواطن..
وكنا نعشم في د. جبريل إبراهيم وزير المالية لاكثر من سبب، فهو صاحب وعد بالخير للمواطن، وهو قائد حركة تنادي بالعدل وهو قادم من الهامش مظان العملية الإنتاجية، وهو إسلامي التوجه ويقرأ كل حين (اللهم اشقق على من شق على أمتي)، ولكنه للأسف خذلنا وخذل فكرته ومشروعه..
(3)
(كل شيء متوقف)، لم يكن السوق بحاجة لإضراب المصدرين والمستوردين، وحين ترتفع أسعار السلع يكتفى المواطن بما يسد الرمق، وقد يعاني ٢٠ مليون مواطن من الجوع والعوز، وتتوقف حركة الشراء والبيع..
دعك من ذلك، انخفض معدل النمو من ١.٦٪ عام ٢٠٢٠م إلى – ١.٩٪ عام ٢٠٢١م، هذا كسب الحكومة (إنه العجز والفشل)..
وقد زاد عرض النقود بنسبة ١٥.٩٪ من ٣٢٩٧ مليار جنيه إلي ٣٨٢٠ مليار جنيه، وكذلك شبه النقود بنسبة ٢٣٪.
كل هذه البيانات من تقرير بنك السودان المركزي (الربع الأول ٢٠٢٢م)..
ويتبين سوء الإدارة في مظهرين : تراجع الصادرات (مليار و٣٩٤ مليون دولار) وزيادة الواردات (٢ مليار و٦٢٠ مليون دولار) أي أن العجز أكثر من مليار و٢٢٦ مليون دولار خلال ثلاثة شهور فقط، وادي ذلك بالتأكيد إلى إرتفاع سعر الصرف..
واخطر من كل ذلك غياب اي خطة أو مشروع تنموي، وكل الموارد مع زيادتها لإستيراد مواد غذائية (٤٣٠مليون دولار) وبترول ودقيق (٧٣٠ مليون دولار)، وهناك معاناة فى مدخلات الزراعة والصناعة..
لقد أدخلت قوى الحرية والتغيير البلاد في ضائقة لا مثيل لها، وأوردت الشعب إلى الهلاك والمسغبة وعلى ذات النهج سار شركاء السلام، وأكتفي المكون العسكري بالشكوى والاقرار بالفشل.. و التبرير الفطير.. لقد اختطفت البلاد حين غفلة فلا مجال لإعادة تدوير الفشل ولو من باب (التمنيات)..

اترك رد

error: Content is protected !!