“رُب ضارة نافعة”، أليس كذلك! هذا ماسنكتشفه عبر المقال التالي الذي اخترنا له وصفاً مرادفاً لعنوانه المشوّق أعلاه: “ملامح حياة المقيمين في الصين بعد إنحسار كوفيد-19 للأبد” من خلال توثيق الوضع الراهن حتى منتصف العام “التاجي” الثالث 2022م ، كما سنتعرّف من خلاله على حكايات و مواقف و منها قصة الطفل “الرُمان الصغير” الذي وُلد مع صافرة بداية جائحة كورونا وكان محل انتباه الناس خاصةً في مدينة ووهان، الطفل الرُمان الذي ألهمني اسمه العجيب مع المتابعين هنا أن إنفاذ مبادئ “السلامة أولاً” و”الغذاء قبل الدواء” هما أهم مفتاحين لإنحسار كوفيد-19 ليس من الصين فحسب بل من كل انحاء العالم وإلى للأبد، نعم… FOREVER!
قبل الوصول إلى هذه الخلاصة، مضت بنا أيام عمل وكفاح مشترك من الناس كافة ضد كائن مراوغ لا يُرى بالعين المجردة، وهو كذلك. وهي كذلك فرصةٌ للاسترخاء في البيت والتفكير في قائمة أعمال التدابير وتسيير دفة معيشة الحياة التي –فجأةً- أصبحت ضنكة مرفوع للقوة اربعة – بالتساوي – بين جميع سكان القرية العالمية وشهدت بدايتها جموع البشر المقيمين بأرض الصين ، ولكن بحمدالله تقاسم الناس مسؤولية إنفاذ كل التدابير الفعّالة طوال النصف الأول من السنة الأولى 2020م والثانية فالثالثة من هجمة ذلك الكائن فيروس كوفيد-19 المرعب، فتراكمت خبرات المكافحة رسمياً و شعبياًً و بالتالي الوصول إلى حلول بأقل الخسائر الممكنة، أولئك الذين اتّحدوا وتحدّوا بشكل إيجابي منعاً لإنتشار هذا الفيروس القاتل ومعالجة المستجدات بمسؤولية عالية وضمير صاحي فنالوا الرضا المتبادل والتقدير في رصيد كفاحهم الموحّد. جاء النصف الأول من العام “التاجي” الثالثة الخاصة جدًا ولازال الفيروس يتسيد الموقف، لذلك أود أن أغتنم هذه السانحة تطوّعاً لأشارك مع بني البشر في قريتنا العالمية بعض المستجدات على ضوء التفكر الجمعي و الواقع المُعاش من الأرض التي شاءت الأقدار أن تكون أول المكتوين بويلات كوفيد-19، هي رؤية آمل من خلالها تحقيق تكاتف أقوى بين البشر ورفع الروح المعنوية و رواية تشجيعية تستحقها أجيالنا الطامحة نحو مستقبل أفضل و بورك في شبابنا الطامحين.
نموذج يُحتذى به من “المهارات الفائقة “:
لم تُعرف الصين بأنها من أشهر الدول الصناعية في العالم فحسب، حيث شملت خدماتها توفير مواداً حيوية وتقديم بعض الدعم الفني للعديد من البلدان في العالم ؛ ولكن أيضًا ، بدءاً من الآن وفي غضون سنوات قليلة قادمة ، تقدم الصين مثالًا للعالم ليتعلم معها مايتمنى بعد أن تعلّمت منه ماتريد، وقد آن الآوان أن يتشارك سكان القرية الدولية مع بعضهم البعض خبرات لاتعرف الحدود ولاتحدها القيود، و خاصةً عندما تواجه العديد من البلدان حول العالم صعوبات مشتركة و مصير واحد، حينذاك يمكن لتلك البلاد أن تتعلم من المواقف الفعلية الداعمة للروح الوطنية للشعب الصيني “التعلم من بُعد ” وقد أسس له قبل نحو ألف عام حكيم الصين الفيلسوف الشهير كونفوشيوس ؛ فعلاً يحتاج الناس إلى الإهتداء بممارسة حقيقية حول كيفية توحيد الجهود بالسعي ليكوِّنوا مجموعات “متطوعين” تعمل بروح الفريق الواحد ، ممايؤدي إلى توليد طاقة وطنية “جمعية” كانت كامنة ولكنها متفرقة. إن أولى ثمار الجهد الصيني هو كيفية توحيد وتعبئة بشر بحجم 1.4 مليار شخص ، وتوفير الموارد العينية المناسبة لهم و التركيز على ضبط إيقاع القضايا المصيرية الكبرى نحو غاياتها المرجوّة. الآن دعونا نقوم بسبر أغوار هذه التجربة الفريدة، فمن خلال واقع البيت الصيني الكبير سيتعرّف بقية سكان القرية العالمية على مسألتين رئيسيتين مبنيتان على المهارات الفائقة: الأولى ، كيفية التعامل مع الأزمات والتحول تدريجياً عبر ثلاثة مراحل، بدءً من حالات “الهلع” الأولية ثم مرحلة “لنبلونكم بشيئ من الخوف” الانتقالية و منها إلى مرحلة “الانتصار” الختامية؛ وثانيًا ، مهارة بناء مستشفيات طوارئ متنقّلة ومراكز للوقاية من الأوبئة في وقت قصير جداً، وكلها يعمل بإدارة التقنيات الذكية والتطبيقات الحاسوبية على الاجهزة المحمولة! أما على المسرح العالمي ، فقد تبنت الأمم المتحدة شعار “أوقفوا الوباء”، وكذلك وفقًا لمنظمة العمل الدولية للعام التاجي الأول 2020، رفع يوم العمل الدولي درجة الوعي بشأن اعتماد الممارسات الآمنة في أماكن العمل والدور الذي تؤديه خدمات السلامة والصحة المهنية (OSH ) على المستوى الوطني ومستوى المؤسسات. و لذلك ، أعتقد أن شعار يوم العمل الدولي في العام الذي سبق اندلاع الأزمة عالمياً وهو “توحيد العمال من أجل التقدم الاجتماعي والاقتصادي” ، هو في الوقت الحاضر صالح لخدمة غالبية العمال الماهرين في سنوات كورونا الأولى للتأكيد على الحق في التخفيف من ضغوطات العمل عن طريق القيام بأنشطة أقل بذلاً جسديا وعلى حسب الجهد الذهني من خلال توصيفات وظيفية جديدة يمكن تخصيصها للمواطنين الرقميين بالاستفادة من خبرات أهل الصين على النحو المذكور أعلاه، وهذا أهم ما نادى به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يوماً ما بخصوص تشجيع ذوي المهارات على حاملي الشهادات.
رجوع الصدى:
من أولى سمات حياة أهل التنين وبلاد العجائب في بداية النصف الثاني من هذا العام 2022 م و مايمكن أن أسميه “رجع الصدى”. منذ أن خفّت وطأة إنتشار فيروس كورونا في نهاية العام الماضي، بدأ بعض الأهالي الصينيين يتجاذبون أطراف الحديث عن جيل البطولات الذي مات و جيلٌ آخر من فرسان التضحيات آتٍ. وبينما أنا أقلّب في إحدى المكتبات المحلية وأغلب كل معروضاتها باللغة الصينية طبعاً، إذ وقع بصري على كتاب جاذب وعلى غلافه الجميل عنوان مُلفت للنظر هو “كيف لي أن أعانقك”، فوقفت أقلب صفحاته قبل أن أقتنيه. الكتاب فكرته رائعة قام بإعداده فريق مراسلي وحدة ” شاندونغ المصورة ” تعزيزاً لمشاعر التكاتف الدافئة من جميع الناس في تلك الأيام الخاصة، فكما جاء في مقدمة الكتاب أنه لا ينبغي أن تبقى في ذاكرة الإنسانية مواقف الخوف والحزن الناجمة عن الوباء للإتعاظ فحسب ، بل الأهم من ذلك أن يبقى الأمل الذي صنعته الجهود المتضافرة في نفوس الصامدين الصابرين، فاختاروا بدقة 40 صورةً تحكي حكاياتٍ مؤثرة بمناظير متباينة من عامة الناس توثيقاً إحترافياً لتلك اللحظات التاريخية العجيبة. من القصص التي تم التوثيق لها في الكتاب، قصة كانت قد حدثت في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى تونغجى التابع لجامعة هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا ، بطل تلك القصة طفلٌ وُلد حديثاً آنذاك يسمى شياوشيليو “الرمان الصغير”. قبل ولادة هذا “الرمان الصغير” ، تم تشخيص والديه على أنهما مصابان بالالتهاب الرئوي التاجي المستجد. في 3 فبراير 2020، تم إدخال الطفل الصغير إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة بمجرد ولادته. و على الرغم من أن الوالدان لم يكونا في جواره ، إلا أن مجموعة الممرضات قمن بدورهن كأمهات لرعايته ، وأصبح العديد من المواطنين يتابعون بشغفٍ كبير أحوال نمو ذلك “الرمان الصغير” من خلال بث مباشر عبر وسائط التواصل الإجتماعي الصينية، حكاية مليئة بالشجن وذات إلهام للأدباء ليستخرجوا منها روائعاً أدبية وللتشكيليين ليرسموا لنا نفائس اللوحات . كما وثّق الكتاب بالصورة و القلم لمستشفيات الطوارئ المتنقلة التي شيدتها الصين بإستغلال الاستادات الرياضية والقاعات المفتوحة و التي أطلقوا عليها اسم ” سُفُن الحياة “، ربما لأن الظروف أشبه بماكانت عليه في عصر نبي الله نوح عليه السلام الذي هداه الله لكي يصنع سفينة نجاة ليحمل فيها المؤمنين بربهم الواحد الماجد المعبود وكذلك إنقاذ مايمكن إنقاذه من مخلوقات تصارع طوفان كوفيد-19 من أجل البقاء، أو لربما أنها “تجعل جميع المرضى يشعرون وكأنهم عائلة كبيرة يبحرون وسط أمواج متلاطمة صبراً وسعياً إلى شاطئ الأمل وبر الأمان.” وخلاصة القول هنا، فقد حققت تلك المستشفيات المتنقّلة أهدافها و نالت الرضا والقبول بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة وبأقل تكلفة.
سيناريو المعرفة الجماهيرية وأخواتها
أصبحت وحدة التعددية واحدة من أهم القيم التي ربما تجمع شتات المجتمعات البشرية ولا تفرّقها، بل هي من اهم سيناريوهات تلك المجتمعات التي باتت تتحقق جزئياً بسبب وحدة الكفاح ضد فيروس كورونا. هذا السيناريو تحكمه عدة متغيّرات جوهرية، اهمها:
(1) تحقيق احلام وطموحات الاجيال الصاعدة بتكوين مجموعات وكيانات اجتماعية اقتصادية متجانسة مما يضيق حدة الصراعات ويقوي نقاط التقاطع والاشتراك وبشكل أكثر تحديدًا – ربما- تأسيس برلمانات افتراضية وممارسة حقهم في التعبير عبر الانترنت رغم وجود رقابة وهيمنة و قرصنة وهكر وانتهاك خصوصية احياناً هنا وهناك،
(2) بدأت الشعوب تعيش عصر المعرفة الرقمية Digit-ology الواسعة التي تتيح مزيد من فرص التعليم الفرصة تلو الاخرى لمستخدمي الجوال الذكي وغيره من الاجهزة الحاسوبية. فكما هو الحال في العديد من مؤسسات التعليم العالي ، اعتاد فريق التدريب الدولي في جامعتنا الصينية على توفير برامج وخدمات التدريب المهني للمجتمعات المختلفة في بكين والتي تشمل الأجانب. وقبل اندلاع الحالة الوبائية ، ظل الجانبان على اتصال وثيق و علاقات جيدة. لا أعتقد أنه سيكون هناك مثل هذه البرامج المنتظمة بالوسائل التقليدية في المستقبل القريب جدًا، إذ يستغرق الأمر وقتًا وصبرًا! لذلك، يفكر الصينيون في تطوير أعمالهم بطرق جديدة ، مثل إعادة تشكيل مجموعات خبراء رقميين ، والاعتماد على المكاتب الافتراضية ، ومنصات الإتصال عبر الإنترنت ، وتصميم برامج المحاكاة و التطبيقات التي تتيح للأفراد والمؤسسات تحقيق الاختراق المطلوب ليس في التعليم فحسب، بل و في العمل كذلك!
إختبار الحمض النووي وتحية الصباح:
وفقا لتوصية مركز السيطرة على الأمراض المحلي في بكين، إحتاج المقيمون إلى ضرورة إجراء اختبار الحمض النووي بعد ظهور حالات جديدة لمصابين بكوفيد 19. وقد نوّهت تلك السُلطات أنه بالنسبة للأشخاص الذين لم يشاركوا في اختبار الحمض النووي في وقت سابق يمكنهم المشاركة في الاختبار المركزي الذي تنظمه المدينة في وقت يُعلن عنه تباعاً مجاناً و بشكل يومي، وبالتالي ، قد تكون إحدى سمات حياتنا في العمل وفي الأماكن العامة هي: عدم السماح لأولئك الذين حصلوا على نتيجة “سلبية” في اختبار الحمض النووي بدخول الأماكن العامة المغلقة خاصةً في حالات الإزدحام. بالإضافة إلى ذلك ، بعد أيام قليلة من إجراء اختبار الحمض النووي ، يحتاج المواطن إلى تنزيل تطبيق “City Health Cloud” على الهاتف المحمول ، وتسجيل الدخول ليستخرج نتيجة اختبار الحمض النووي الذي اصبح مجاناً وعلى حساب الدولة.
دردشة حول الحمض النووي
سمة أخرى بدأت تنتشر في الحياة الاجتماعية اليومية. بمساعدة كاريكاتير تم تداولها عبر وسائط التواصل الاجتماعي الصينية ، قد يكون الحوار التالي جزءًا من الدردشة اليومية:
-هل أجريت اختبار الحمض النووي؟
-نعم، وقد حصلت البركة ، فكانت نتيجة الاختبار سلبية.
– لاحظ معي فقد أصبحت “السلبية” صفة جيدة ، فيالسوء حظ جيرانك جميعهم إذا كانت إيجابيًة (ضاحكاً).
-بالتاكيد فسيخضعون جميعاً الى اجراءات الحجر الصحي!
خلاصة القول
مؤخراً اكتسب المقيمون في الصين عادة التفكير الجمعي والإحساس بالآخر للسير معاً نحو مستقبل مبني على مبادئ حيوية راسخة مثل “السلامة أولاً” و”الغذاء قبل الدواء”، بل هما مفتاحان لضمان إنحسار كوفيد-19 من العالم “فوريفر”! ستستمر معركة القرى العالمية ضد الجائحة في الازدياد ، في حين تضخ الصين المزيد من القوى الاجتماعية في العمل لمساعدة جميع الأطراف والأفراد على البقاء والحصول على شعور أكبر بروح الانتصار والإنجاز في جميع جوانب الحياة و العمل. وهذا يعني أن هبوط المؤشرين الاقتصادي والاجتماعي سيؤدي على الأرجح إلى آثار غير مرغوب فيها ، على التوالي ، ما لم يتم التعامل مع هذين المؤشرين في خطوط متوازية. بالإضافة إلى ذلك ، فإن المؤشر الثالث الذي ينبغي النظر فيه بجدية ، هو “خدمات الإنترنت في حقبة المعرفة” التي يجب توفيرها وصيانتها للجميع طول الوقت؛ لذلك ربما نأمل أن تؤدي عادة التفكير الجمعي الإيجابي المكتسب الى توفير فرص من “الأعمال الحُرّة الجديدة” بحيث تكون متاحة بالتساوي بين المستخدمين في جميع الدول و تشمل مجالات الحياة المختلفة ، ولكنها تتطلب من الجميع ممارسة تحسين الذات بشكل حقيقي ومستمر. في نهاية المطاف، على ضوء تجربة المقيمين بالصين، سيحاول العديد من سكان القرية العالمية أن ينجحوا في إكتساب مزيد من المعرفة الرقمية ومتابعة تحسين مهاراتهم وتبادل الخبرات خلال الأزمات المشتركة. وختامي أؤكد بأننا كأصدقاء اجانب في الصين ظللنا نواصل أعمالنا خلال فترة العزل وبعدها، مع اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة وتشجيع الآخرين. والآن نحسب أنفسنا من بين سكان القرية العالمية الذين لم يتركوا أعمالهم ولم يغادروا منازلهم – خاصةً في بداية أزمة الجائحة- إلا قليلاً، و نعتز بكل الذين يكافحون معًا لتمضي حياتنا الإجتماعية والإقتصادية دائماً للأفضل بالتكاتف والإحساس بالآخر!
• yasir2004@hotmail.com
الله يحفظك يامهاجرين، ومنكم نستفيد
Great topic Dr. Yasir. You’re right , Covid19 situation in China is getting more bettet. By the mid of 2022, there are only four elevated risk areas left in China, one high risk in Beijing, two medium risk in Shanghai, and one medium risk in Nanjing
مبدع دائما دكتور ياسر مع امنياتي لك بالتوفيق في حياتك العلمية والعملية
منذ أن كنا صبيانا فكنت أنت دكتور ياسر ذلك المبدع الذي يخط بيراعه ما يعجز عنه جمعنا.
مقال مليء بالأفكار والإبداع ويرسم واقعا جديدا لحياة الناس. إلى الأمام دائمآ ومزيدا من الابداع
مادة توثيقية دسمة جداً و مدعومة بالصور من ارض الواقع… يمكن ان تصبح مشروعاً لورقة علمية في رصيد تلاقح حضارات العالم وهي تواجه نفس التحديات و مصير واحد. تحية للكاتب و الناشر… الى الامام.
دكتور ياسر دائما يبدع في نقل تجارب الشعوب و تلخيص الحكم والعبر وما يمكن ان يستفاد منه، نتمني لك كل التوفيق وفي انتظار المزيد ان شاء الله
د باسر مبدع في نقل التجارب
والاستفادة من تجارب الشعوب دوما يكون بمثل هذه النقلات الابداعية التي يسطرها المبدعون في النقل والتحليل مثل د باسر
جزاكم الله خيرا