بعض الناس يظن أن الحروب عبثية لذلك يدعو لوقفها بكل بساطة، ويظن أن مجرد كتابة بيان أو توقيع استرحام موجهة للمنظمات الدولية أو ارتفاع الأصوات كافياً لوقف الحرب، وعفى الله عما سلف، لعمري هذا تعميم مخل بالمقارنة بويلات الحرب ومآسيها وتعقيدات وقفها، خير مثال على تجليات الحرب بعد وقفها، هو إنشاء منظمة الأمم المتحدة التي أنشئت على هوى الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية وبموجب ذلك الانتصار أصبح للدول المنتصرة حق النقض أو ما يعرف بـ “الفيتو” وهو سيف مسلط على رؤوس أكثر من 188 دولة من إجمالي 193 دولة عضو في الأمم المتحدة لأن حق النقض تمتلكه 5 دول فقط،
نلقي الضوء في هذه المساحة على بعض أوجه فلسفة الحرب من منظور العلاقات الدولية وبعض المدارس الفكرية وعلى ضوء فهم هذه الأوجه يمكن أن نفكر فرادى أو جماعات على أي جنب نطالب بوقف الحرب،
الحرب من منظور القانون الدولي:
صنف مجلس الأمن بموجب نظام المعاهدات فئتين من النزاعات: النزاعات المسلحة الدولية (IAC) التي تحدث بين دولتين أو أكثر؛ و(ب) النزاعات المسلحة غير الدولية (NIAC) التي تحدث بين الدولة والجماعات المسلحة غير الحكومية أو المتمردة أو بين الجماعات المسلحة.
نزاع السودان الحالي يصنف ضمن النزاعات المسلحة غير الدولية على الأقل حاليا ما لم تقع تطورات أو مستجدة مستقبلا تحوله إلى نزاع مسلح دولي.
لكل واحد من هذه النزاعات أحكام وقواعد تضبطها معاهدات وقعت عليها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومن بينها السودان، في هذا الباب كثير من التعقيدات التي تبني على مخرجات الحرب سواء أكانت دولية أو غير دولية لذلك الدعوة بصورة عشوائية لوقف الحرب يجانبها الصواب، وقبل الدعوة إلى وقفها يجب التفكير في مآلات وقفها ومدى قربها، وبعدها من القانون الدولي والوطني والقانون الإنساني والعلاقات الدولية وتحقيق أهداف الحرب.
الحرب من منظور المدارس الفكرية والفلسفية:
شاعت العديد من المدارس الفلسفية والفكرية حول الحرب، ونذكر منها على سبيل المثال:
1- المدرسة الكوارثية (The Cataclysmic).
2- المدرسة الأُخروية (The Eschatological).
3- المدرسة السياسية (The Political).
بصفة عامة تعتبر الحرب (مجازياً) وفق مدرسة الفلسفة السياسية «لعبة إستراتيجية» كلعبة الشطرنج، ووفق الفلسفة الُأخرَوِيّة كرسالة، أو حل عقدة درامية، أما في الفلسفة الكوارثية، فتعتبر كالنار أو الوباء، ولكن هذا – بالطبع – لا يستنفذ مفاهيم الحرب التي سادت في أزمنة مختلفة وأماكن شتى، وتفصيل كل ذلك على نحو ما يلي:
المدرسة الكوارثية (Cataclysmic):
ترى هذه المدرسة أن الحرب هي لعنة على البشرية، سواء كان يمكن تجنبها، أو أنها لا ترد، والتي تخدم أهدافاً قليلة إلى جانب التسبّب بالدمار والألم، والتي يمكن أن تولد تغيرات اجتماعية عنيفة، ليس وفق المعنى الغائي، مثلا: يرى تولستوي الروائي الروسي أن الحرب هي شيء يصيب الإنسان، وهي ليست بأي شكل تحت تأثير إرادته الحرة. ولكنها، عوضا عن ذلك، نتيجة فعل القوى الكونية التي لا تقاوم، بينما يرى اليهود أن الحرب عقاب وقع من الله على الإسرائيليين كما ورد في بعض كتبهم، والتي ترى أن الحرب عمل مفروض من الله، ولا يمكن تجنبه، مثال آخر على هذه المدرسة بما يعرف بالكوارثية الأعراقية (Ethnocentric)، تُبنى هذه المدرسة على الاعتقاد بـِ «سُمُوّ عرقي» لأُمة معينة.
المدرسة الأُخْرَوِيّة (Eschatological):
ترى هذه المدرسة أن الحروب، خصوصاً الكبرى منها، وكأنها تتجه نحو هدف ما، وتؤكد أن بعض النزاعات النهائية سيكشف الطريق المرسوم للحروب كلها، والذي يتشكل بـ«ثَوَرَانٍ» اجتماعي هائل يتبعه مجتمع جديد خالٍ من الحروب، (هناك نظريات ترى أن هذا المجتمع قد يكون مثالياً، أو قد يكون عكسه تماماً، ومن يدري أن الحرب الحالية في السودان تكون من هذا النوع إما أفضت إلى مجتمع مثالي أو عكسه تماما، وخير مثال على هذا النوع في العصر الحديث هو دولة رواندا التي أفرزت واقعا إيجابيا ومثله قديما دول أوربا.
المدرسة السياسية (Political):
ترى هذه المدرسة أن الحرب أداة بيد الدولة، وهي أداة عقلية (منطقية) للسياسة الوطنية، إن الكلمات الثلاث: “عقلية”، “أداة”، “وطنية”، هي المفاتيح الأساسية للنظرية. وبهـذه النظرة فـإن قـرار الحرب يجب أن يكون:
أولا: “عقلياً ومنطقياً”، بمعنى استناده على تقديرات كلفة الحرب ومكاسبها.
ثانياً، إن الحرب يجب أن تكون “أداة أو وسيلة”، بمعنى أنه يجب إعلانها لتحقيق أهداف معينة، وليس لذاتها، وأيضاً بمعنى أن الاستراتيجية والتكتيك يوجهان باتجاه غاية واحدة وهي تحقيق النصر. وأخيراً، أن الحرب يجب أن تكون “وطنية”، بمعنى أن أهدافها هي تحقيق تقدم المصالح الوطنية للدولة، ولهذا فإن الجهد الكلي للأمة يجب أن يعبأ لخدمة الأهداف العسكرية والمجهود الحربي. وأظن هذا الأخير يمكن إسقاطه على واقع الحرب الجارية حاليا في السودان رغم أنها فرضت علي الجيش السوداني.