ثُمر المداد / د. أحمد عبدالباقي

برافو ماليزيا: مستخلص من الكركدي يساعد على توازن مستوي الجلوكوز لمرضي السكري

د. أحمد عبد الباقي

توصل باحثون من الجامعة التقنية بماليزيا (UTM) إلى مُكَمِل مستخلص من الكركدي -الذي اختصر بـ GluCut – يساعد على توازن مستوي الجلوكوز لدى مرضى السكري من النوع الثاني. استمرت الدراسة لمدة عشر سنوات تركز البحث العلمي خلالها علي إجراء عدة تجارب، وتركيبات هُدفت للاستفادة القصوى من نتائج البحث للتوصل لنتائج تعزز من صحة مرضي السكري من النوع الثاني جاء ذلك في المقال الذي نشر بموقع أخبار الجامعة بتاريخ 14 مارس 2023م .. رابط المقال :

https://news.utm.my/2023/03/utm-scientists-bring-the-best-roselles-formulation-to-treat-type-ii-diabetes/

وفقا للمقال فإن فريقا من الخبراء في شعبتي الأحياء والكيمياء بكلية العلوم بالجامعة وبالتعاون مع خبراء في المجال الصناعي توصلوا إلي تصنيع المكمل الذي أطلق عليه Hi-Red Nanoemulsion GluCut الذي أستخلص من الكركدي بنسبة مئة بالمئة عن طريق تقنية الاستحلاب باستخدام تقنية النانو (nanoemulsion technique).

وُصف الكركدي بصورة عامة كما جاء في المقال بأنه غني بمضادات الأكسدة، وغني بفيتامين سي وغني بالمعادن (مغذيات) مثل الكالسيوم، الحديد والمغنسيوم، كما أنه يساعد على خفض ارتفاع ضغط الدم، خفض مستوى الكولسترول، تسهيل عملية الهضم وتعزيز المناعة. يساعد المكمل
Hi-Red Nanoemulsion GluCut
الذي توصل إليه فريق البحث على استقرار مستوى الجلوكوز في الدم بتقليل امتصاص الجسم للأنسولين، وزيادة إفرازات الأنسولين وحساسيته مقارنة بعقار Glibenclamide الذي يستخدم للتحكم في مستوى السكري من النوع الثاني وأشار المتحدث باسم فريق الباحثين إلى أن المكمل يهدف إلى تعزيز صحة مصابي السكري من النوع الثاني وكذلك من لهم قابلية للإصابة به.

حصلت الجامعة على براءة اقتراع المكمل وحقوق الملكية الفكرية ونال فريق البحث الميدالية الذهبية كما حل في المرتبة الأولى على رأس خمسة وأربعين منافسا في معرض فنون الصناعة والتكنولوجيا الذي تنظمه الجامعة لعرض مخرجات البحوث والتطوير بالجامعة والذي تُعرض فيه المخترعات العلمية الناجمة عن تلك المخرجات والعمل على تسويقها وتعزيز الشراكات الفكرية والعلمية مع شركاء عالميين ورواد الصناعة مما يساعد على رفع مستوى الباحثين لمستوى أعلي وتكوين شبكات مع نظرائهم على المستوى العالمي والاستفادة من تلك المنتجات أو المخترعات في حياة البشرية.

اطلعت هذا الإنجاز العلمي فدعاني للتفكر مليا في ضرورة أن تلتفت قيادات البحث العلمي في السودان لإعادة النظر في البحث العلمي الذي تضطلع به جامعاتنا ومراكز البحوث المتخصصة ، قل لي بربكم أما كان من الأجدر أن تكون مؤسساتنا البحثية رائدة مثل هذه البحوث من أجل صُنع قيمة مضافة لمنتجات السودان الزراعية خاصة النباتات الطبية والأعشاب التي يزخر بها السودان، في وقت يتجه فيه العالم إلى الطب البديل والمكملات عوضا عن العقاقير الطبية الكيمائية حيث أفادت بعض الدراسات أن حجم التجارة العالمية في مجال النباتات الطبية ومشتقاتها بلغ 33 بليون دولار في عام 2014م .

لك أن تتخيل أن طن الكركدي الخام المُصَدر يباع في أحسن الحالات بحوالي ثلاثة آلاف دولار في حين يمكن أن يُصنع منه حوالي اثني عشر ألف لتر من العصير وثلاثة أطنان من المربي وكذلك يمكن أن يُنتج منه عشرة أنواع من العصائر المختلفة التي تناسب مستويات الاستهلاك المختلفة وأذواقه (دراسة جدوى لتعزيز القيمة المضافة للكركدي)، يمكن أن يستخدم الكركدي في منتجات التجميل ومعجون الأسنان والوجبات الخفيفة وكَلون طبيعي في الصناعات الغذائية مثل صناعة الزبادي والآيس كريم وغيره الكثير من المنتجات التي يمكن أن تصل بسعر طن الكركدي إلي أربعة أضعاف سعره وهو خام.

مؤسسات البحث العلمي والابتكار في السودان:

تأسيا بتجربة الجامعة التقنية بماليزيا وغيرها من الجامعات ومراكز البحوث ذات الصلة يمكن للسودان أن يوفر موارد مالية كبيرة وبالعملة الصعبة من خلال استغلال موارده وأولها تصنيع المواد الخام الزراعية مثل النباتات الطبية والعطرية وغيرها من المنتجات الزراعية وليس تصديرها خاما وهذا لا يأتي إلا بتغيير نهج سياسات البحث العلمي والابتكار والتأسي بعدة تجارب عالمية وإقليمية سبقت في مجال البحث العلمي والابتكار، نذكر هنا ثلاثة نماذج على سبيل المثال يمكن الاستفادة منها في السودان:

الجامعات البحثية (Research Universities)

علي جامعتنا أن تخرج من قوقعتها إلي رحاب البحوث والتطوير Research & Development لتقود التنمية في البلاد وتوفر علي نفسها موارد مالية للتطوير بدلا عن حصر نفسها في الاعتماد على رسوم القبول الخاص والدراسات العليا ودعم الدولة، يمكن أن يتم ذلك عن طريق اختيار بعض الجامعات لتصبح جامعات بحثية والتي بدأت فكرتها في ألمانيا في القرن التاسع عشر ثم تطورت في أوربا وأمريكا الشمالية لتصبح رائدة الثورة التقنية في القرن الواحد وعشرين، يركز هذا النوع من الجامعات على تعظيم إنتاجها من الأبحاث العلمية الأساسية والتطبيقية، وتفيد مؤشرات اليونسكو أن الجامعات البحثية تستحوذ علي نسبة عالية من حجم التمويل العالمي، وتعتمد في نشاطها على كوادر علمية ذات كفاءة عالية وإنتاج بحثي متميز. يتميز نموذج الجامعة البحثية بأنه يتأسس على مجموعة من المدخلات المتمثلة في الحوكمة الرشيدة وجذب المواهب وتركيزها، والتمويل الوفير، وعلى مجموعة من المخرجات متمثلة في جودة البحث العلمي وجودة الخريجين ونقل التقنية وتوطينها.

المجمعات العلمية والتكنولوجية (Science and Technology Parks):

المجمعات العلمية أو واحات العلوم والتكنولوجيا عبارة عن منظمات تؤسس على الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص على المستوى الإقليمي أو المحلي للاستفادة من مشاريع البحوث لهذه المجمعات، لعبت دورا محوريا في الابتكار عبر التعاون بين الأطراف ذات المصلحة مثل: الإدارات الإقليمية، منظمات ووكالات التنمية، مراكز الابتكار، حاضنات الأعمال ومنظمات تمويل البحث والتطوير ورأس المال الاستثماري. هذا النوع من الشراكات أصبح بوتقة للاستفادة من مخرجات البحث العلمي وتشجيع الابتكار، تنتشر هذه المجمعات على مستوى العالم ومحيط السودان الإقليمي في دول مثل السعودية (واحة الملك سلمان للعلوم) وقطر (واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا) إلخ.

للسودان أيضا تجربة في هذه المجمعات تمثلها مدينة إفريقيا التكنولوجية التي صدر الأمر بإنشائها في عام 2008م وبدأ العمل بها في عام 2012م. وتحتاج للدعم والتفعيل بصورة أكبر لتتمكن من أداء رسالتها.

نموذج هيلكس الثلاثي للتنمية Triple Helix Model of Innovation:

يمكن أيضا أن تطبق مؤسسات السودان البحثية نموذج هيلكس الثلاثي الذي ظهر في التسعينيات، يؤسس النموذج المعنى على توثيق العلاقات والارتباطات بين ثلاثة أطراف أساسية. وهي: الصناعة، والدولة، وقطاع التعليم والبحث العلمي. مضمون فكرته أن الصناعة تحتاج إلى دعم الدولة عن الطريق القوانين والإجراءات التنظيمية والتمويل كما تحتاج أيضا إلى قطاع التعليم والبحث اللذين يمدانه بمختلف المخرجات خاصة الخرجين منها بما يحملون من معارف وقدرات كذلك الابتكارات بحيث تنشأ هذه العلاقة على قاعدة اقتصاد المعرفة ( استخدم مصطلح اقتصاد المعرفة في عام 1996م وهو اقتصاد قائم على المعلومات والتقنية والابتكار بدلا عن العناصر التقليدية كالأرض والعمل) ومجتمع المعرفة (حسب تقرير برنامج الأُمَم المُتَّحِدة الإنمائيّ لعام 2003م أن مجتمع المعرفة بني على نشر المعرفة، وإنتاجها، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعيّ: الاقتصاد، والمجتمع المدنيّ، والسياسة، والحياة الخاصّة، وصولاً لترقية الحالة الإنسانيّة باطِّراد؛ أي إقامة التنمية الإنسانيّة).

الرسم البياني أدناه نموذج لكيفية إنشاء علاقات للتنمية عن طريق استخدام نموذج هيلكس الثلاثي) المصدر:

https://www.wsrc.ps/portal/uploads/files/shares/The_Triple_Helix_Model_and__Local_Economic_Development.pdf

ختاما : لا بد من تفعيل دور المنظمة الوطنية لتطوير ونقل التكنولوجيا في السودان التي أنشئت بقرار من مجلس الوزراء في السودان في عام 2016م للاضطلاع بدور تنسيق جهود البحث العلمي والتطوير في السودان، نحتاج للطرق بشدة على ضرورة تسخير البحث العملي والتطوير لإحداث التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي ننشده في ظل عالم يتطور بصورة مذهلة ومتسارعة ينقصنا كثيرا من الجهد والتعاون للحاق بطرف من ذلك التطور وما لا يدرك كله لا يترك جله.

اترك رد

error: Content is protected !!