بعد بدء البعثة تنفيذ مهاهما بالسودان، ساد جدلا واسعا وعلى مختلف الصعد من حيث حدود تفويض البعثة ، فاتهمها الفريق حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة ومن بعده الفريق البرهان رئيس مجلس السيدة بتجاوز التفويض الممنوح لها ،و هدد هذا الأخير بطرد فولكر. كما أتهمت أحزاب سياسية (بعض مكونات قحت (ب) وبعض الإسلاميين) و فعاليات مجتمعية سودانية (طرق صوفية، إدارات أهلية) فولكر بالمحاباة و الميل للتعاون مع جهات بعينها مثل قحت (أ) وبعض لجان المقاومة. مما حدي ببعض الكيانات المعارضة لطريقة عمل فولكر تنظيم مظاهرات ضده والمطالبة بطرده.
إزاء كل هذه الإنتقادات يصر فولكر علي أن تحركه ضمن التفويض الممنوح للبعثة وفي كل مرة يرد علي الانتقادات معلنا بكل صراحة أن البعثة ليس محايدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان. صدق فولكر في عدم حياديته تجاه قضايا حقوق الإنسان ولكنه كذوب في تطبيق هذا الحياد، فهو يكيل بمكيالين ومعايير مزدوجة حيال انتهاكات حكومة الفترة الإنتقالية لحقوق الإنسان، فلم يسمع منه المطالبة بإطلاق سراح بعض المواطنيين السودانيين المحبوسين لأكثر من سنتين -(بعضهم أطلق سراحه مؤخرا و آخرين تُوفوا في محبسهم ظلما)- دون تقديمهم لمحاكمات وذلك لأنهم ينتمون لتيارات سودانية إسلامية تعارض تصرفات حكومة الفترة الإنتقالية التي تتعسف في استغلال آليات السلطة لإسكات خصومها دون مراعاة لشرف الخِصام.
ثالثة الأسافي
قدم فولكر في 28 مارس 2022م خطاب إحاطة امام مجلس الامن الدولي حول السودان معددا المخاطر التي تتهدد السودان، إلا أن الخطاب (الذي أوردت هنا جزءا منه بتصرف) في تقديري يمثل استفتاء علي فشل البعثة ورئيسها وتشويها لصورة السودان خارجيا. هذا الفشل ليس غريبا علي الرجل فقد كان مستشاراً لمبعوث الأمين العام لبعثة الأمم المتحدة للإشراف في سوريا خلال الفترة 2015-2018م فماذا قدم وجُرح سوريا مازال ينزف؟
شهَر التقرير بالسودان أمام العالم، مشيرا إلي أنه رغم تدفق المساعدات الإنسانية (لم يحددها) إلا أن حجم المعاناة في تزايد حيث من المرجّح أن تتضاعف الآثار ليزداد عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد ليصل إلى ما يُقارب 18 مليون شخص بحلول نهاية عام 2022م علي حد قول فولكر، وذلك بسبب النزاع القبلي و الظروف البيئية التي تؤثر علي انتاج المحاصيل، اشتد الصراع القبلي في دارفور لهذا العام و ارتفع عدد القتلي، وقعت انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة حق التعببر، ووقعت حالات إغتصاب وسط النساء المشاركات في المظاهرات. (منقول بتصرف من خطاب السيد فولكر).
ومن ايجابيات البعثة حسب الخطاب: عقد 110 اجتماع بحضور 800 مشارك وقُدمت 80 مبادرة مكتوبة. بدأت مشارورات للوفاق الوطني عبر الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، الإيغاد) ومن ثم طرحت ترتيبات تمخض عنها مشاورات أولية و تشمل: (i) ترتيبات دستورية مؤقتة، بما في ذلك تكوين الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية للعمليات الانتقالية فضلاً عن هياكلها ووظائفها، (ii) معايير وآلية تعيين رئيس وزراء ومجلس وزراء، (iii) خارطة طريق للفترة الانتقالية وبرنامج حكومي يركزان على مجموعة قابلة للتحقيق من المجالات ذات الأولوية، بما في ذلك (iv) نوع الانتخابات وتوقيتها والظروف المناسبة لها في نهاية هذه الفترة الانتقالية (منقول بتصرف من خطاب فولكر في مارس 2022).
ردت الحكومة السودانية علي خطاب فولكر في شهر إبريل 2022م وبعثت بوكيل خارجيتها الذي قدم ( 7 ) محاور للامم المتحدة فيما يتعلق بعمل البعثة ويتمحور أبرز هذه المحاور حول: إنفاذ اتفاق جوبا للسلام، دعم تنفيذ البرتوكولات ، حشد الموارد وتقديم الدعم اللوجستي لبناء القدرات، دعم الآليات الوطنية لحقوق الانسان والمساعدة في إنشاء ودعم مفوضية نزع السلاح وإعادة الدمج وآلية العدالة الانتقالية وإعادة الإعمار والتنمية.
وهي تؤدي هذه المهام البعثة اتهمت البعثة بتجاوز صلاحياتها ألا ان البعثة تصر علي أنها لم تتجاوز صلاحياتها وفي مرة يوجه نقد لها يؤكد فولكر علي عمل البعثة ضمن تفويضها و يصرح بكل وضوح انه ليس محايدا فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
وما بين الاتهام و ودحضه، تتعالي بعض أصوات الرأي العام السوداني مطالبة بطرد فولكر لإتهامه بالتحامل علي مكونات المجتمع السوداني العريض والعمل علي إقصاء بعض التيارات كما هو الحال في بعص الاحزاب التي لم تكن جزءا من الحرية والتغيير ونصت الوثيقة الدستورية علي مشاركتها في الفترة الإنتقالية، وكذلك بعض احزاب الإسلاميين التي شكلت في شهر مايو 2022م ما يعرف بالتيار الإسلامي العريض لها موقف مشابه.
كل ذلك يستدعي أن تتنبه الأغلبية الصامتة في السودان لمخاطر التلاعب بمصير الوطن و مقاومة القوي الأجنببة التي تسعي لفرض رؤيتها التي تهدد السِلم الاجتماعي و الامن المجتمعي في السودان وبدعم من الشامتين في وطنهم من السودانيين والناشطين.
يجب أن تُحاصر البعثة الأممية بالقانون، حيث تنظر وزرة الشؤون الإنسانية في الإدعاءات والاتهمات حول شبه الفساد فيما يتعلق باستغلال المساعدات الإنسانية من قبل رئس الوزارء الأسبق في العمل السياسي و التحقيق في المبالغ التي صُرفت علي المستشارين من الأجانب والسودانيين في مكتب رئيس الوزراء ومراجعة البرامج التي تقدمها الجمعيات الطوعية ومدي موائمتها لأهداف التنمية المستدامة (2030) التي طرحتها الأمم المتحدة.
فولكر يستحق أن يُعلن شخص غير مرغوب فيه (non grata). رغم أن هذا المبدأ يطبق علي العلاقات الدبلوماسية بين الدول،إلا أن الأمم المتحدة ترفض الإعتراف بتطبيقه علي موظيفها، لكن للضرورة أحكام، فقد وقعت سوابق في العالم أعلن بموجبها بعض موظفي الأمم المتحدة أشخاص غير مرغوب فيهم، وكان أخر تلك السوابق طرد إثيوبيا لـ (7) موظفيين من موظفي الأمم المتحدة في سبتمبر 2021م.،
هل ياتري سيضيف السودان سابقة جديدة؟