هكذا ألقاك يا لحن الأسى حجرًا يفتت كل أركان الخيال .. قد كنت لي وطنًا جديدًا كنت لي بيتًا وريقًا واحتفال ..
هاتفتني صباحًا.تدفق صوتها جميلًا وعذبًا عبر الهاتف. تحدثنا كثيرًا في أشياء حميمة وعادية، الأشياء التي يدور الحوار عنها بعد فترة انقطاع.. هموم المهنة ورحيل تلفزيون العربي من لندن وأوضاع الزملاء، وكالعادة اخذنا الحوار الى السودان و (تسعة طويلة) تلك الظاهرة التي سلبتنا الأمن وزرعت فينا الخوف… انتهى الحديث وتواعدنا أن نلتقي على الاِفطار ..أغلقت الهاتف…
لكن هذه المحادثة اثارت عندي الرغبة في البكاء وربما الكتابة٫ ففي مثل هذا البلد العظيم (السودان) لابد للإنسان أن يكون آمنًا وينعم بالأمان كما كان في سيرته الأولى…الكل يعلم أن هناك الكثير من الظواهر السلبية التي تكاثرت بشكل ملموس في المجتمع خلال الفترة الأخيرة٫ لكن أشدها خطورة هي تلك الآفة:تسعة طويلة، التي تلقي بتأثيراتها السلبية على أمن المجتمع واستقراره٫ وسلامة العلاقات بين عناصره، و ربما أحدث ما شاهدت على السوشيال ميديا فيديو لفتاة تناشد الشابات بحمل اسلحة للدفاع عن أنفسهن… و فيديو اخر لأسرة تصور اعتداء تسعة طويل على شخص دون أن يفعل رب الاسرة شيئا لمساعدة الرجل٫ هنا كانت خيبة أملي الكبرى!! كيف تغيرنا وأصبحنا نكتفي بالتصوير فقط!! أين المروءة يا أهل المروءة؟ أين نخوتنا السودانية؟ اين تكافلنا الاجتماعي؟؟ أين دورنا كمواطنين وشهامتنا نحو بعضنا البعض؟؟ أما كان الأجدر لهذا الرجل بدلًا من التصوير والتعليق الصوتي أن يصطصرخ الناس بأعلى صوته ليخرج سكان الحي لمساعدة المعتدى عليه؟ وهذا أضعف الإيمان… لا يمكن التصدي لتسعة طويلة ومواجهتها مواجهة فعالة وإيجاد سد منيع في وجهها، إلا من خلال استراتيجية اجتماعية تقوم بدفاع الجار عن جاره، وأهل الحي عن بعضهم البعض، وبناء شباب الاحياء السكنية طوقًا أمنيُا لحماية العائلات وأنفسهم… فنحن نعيش في عهد اللادولة، وعهد الجيشين وما أدرك ما الجيشان… وما تسعة طويلة إلا فزاعة طير تسحقها رياح التكافل المجتمعي فنكون جسدًا واحدًا يضرب بيد من حديد وإذا اشتكى من عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما قال المعصوم صلوات الله وسلامه عليه.
• لندن ٢٠ ابريل ٢٠٢٢