من نِعم الله علىَّ أننى لا أُحبُّ الدخول فى أى نقاش فى بيوت العزاء إلاَّ مُشاركاً بإيماءة لموافقة أحدهم الرأى ، أو بنصف إبتسامة لا يدرى من يراها أهى موافقةً أم مخالفة للرأى ..!! لأن فوضوية النقاش فى كثيرٍ من الأحيان وجنوح بعضهم للعنف اللفظي أو الإنفعال الزائد هى الغالبة ، وعلى الرغم من ذلك شاركتُ فيه مُكرهاً فى عزاء أحد شهداء معركة الكرامة بحكم الجِوار ، حيث كانت يوميات الحرب حاضرة بكل تداعياتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية ..!! فقال أحدهم منفعلاً : إننا فى نظر حُكامنا القدامى والجُدُد فى مختلف الأزمنة والأنظمة مُجَرَّد قطيعٍ من الأغنام لا نملك من أمرنا شئ ، ولا يَهُمُّهم من أمرنا إلاَّ الحليب والصوف وجَزَّ الرقاب ورفد الخزينة المركزية بما نجود به من ضرائب وعُشور ، وما علينا إلاَّ أن نسير وفق ما يُحدده الراعى .. !! فإن علا ثِغَاؤنا وصياحنا رفضاً أو إستنكاراً فإن عصا التأديب حاضرة ..!! وأنَّ …… ورجغ ورجغ ورجغ
فقاطعه آخر : كيف لا يُسلط الله علينا أولئك البُغاة والحاكم عندنا يتشبث بمقعده الرئاسى والوزير بمقعده الوزارى والمدير بكرسيِّه الإدارى ، فذهبت هيبة الدولة والوزارة والإدارة فى مهب الريح وذهب ذيَّاك البريق ، وأصبح وجود المواطن المسكين على قيد الحياة من أعظم وأضخم الإنجازات فى ظل هذه الحرب اللعينة ، وأنَّ …. ورجغ ورجغ ورجغ
وإنبرى للحديث أكثر القوم إستنارةً ووعياً وهو المُعَلِّمْ الحاذق والمُرَبِّى الفاضل من أعلام التربية والتعليم فى الوريفة ، فقال والجميعُ مُنتبِهٌ لما يقول : لم يَعُد سِرَّاً أن دولتنا السودانية وكينونتها تسير بُخطىً مُتسارعة نحو الإنهيار بسبب الحرب إن لم تتداركها وتتداركنا رحمة الله ، فقد تحوَّلت القُوَّة العسكرية والقُوى السياسية من مؤتمنون على مصالح أهل السودان إلى كُتلْ متصارعة فأُصيبت مصالح الناس بالشلل والتوقف التام لأن من يُدير شئونهم لا يُدرِكْ حجم معاناتهم ، ولا يهمهم إلاَّ تسجيل الأهداف فى مرمى الخصم السياسى وكسب النقاط ..!! وإختتم حديثه بعدة إستفهامات إستنكارية .. ألَمْ يُصَبْ مجتمعنا السودانى بداء الأنانية منذ سنوات طويلة والكُلُّ يبحث عن مصالحه الضيقة على حساب الكُلّ ، فإنهارت منظومتنا القِيَميَّة أو كادت ..!!؟ ألَمْ تُصبح ثقافة القونات والزنق والنقطة والحلف الكاذب والغِش فى البيع والشراء هى مرجعيتنا الأساسية للتكسب فإنهارت منظومتنا الأخلاقية أو كادت ..!!؟ ألَمْ تزداد جرائم النهب والخطف والإبتزاز بل والقتل وإنتشرت عصابات تسعة طويلة رغم المجهودات الكبيرة للشرطة فى القضاء عليها ، وأصبح ذلك من أحاديث الصباح والمساء عند التَحَلُّقْ حول ستات الشاى فإنهارت منظومتنا الأمنية أو كادت ..!!؟
ألَمْ تزداد أعداد السائلين فى المساجد وفى الطُرقات كضعفٍ فى منظومتنا الإقتصادية ..!!؟ ألَمْ تكن نقاشاتنا السياسية إحتكاراً للوطنية وحجبها عن الآخرين وتخويناً لهم سبباً فى إنهيار منظومتنا السياسية المُتداعية أصلاً ..!!؟ وإستمر مُعدِدَّاً ألَمْ ..!!؟ ألَمْ ..!!؟ ألَمْ ..!!؟حتى أصابنا الألَمْ ..
كان نِقاشاً صاخباً لا يقطعه إلاَّ رفع الأكُفّ بالفاتحة أو رفعها بفناجين القهوة .. لكن الجميع قد إتفقوا على أنّ هذه الحرب والفوضى التى أحدثتها لم تستثنى شظاياها أحَدَاً وأحرقت نيرانها كُلَّ أحد ، وأن هذا الشعب الكريم مُتعطشٌ لنموذجٍ للحكم يجعل من بلادنا حاضنةً أمينة لكل القِيَمْ السودانية الأصيلة حتى لا يكون فضلٌ لمواطن على آخر إلاَّ بالكفاءة والوطنية الحَقَّة ورعاية مصالح العباد .
رحم الله شُهدائنا الأبرار وحفظ بلادنا وأهلها وسَلّمَهم من كُلِّ مكروه .