ثقافة ومنوعات

مرة أخرى مع الشاعر النوبي الكبير ” محمد فضل طبق”.. قصيدة ( تا دوركون إندي أيقي ان جواب) رد الابن لرسالة أمه

 ✍️ محمد شريف ابو داؤود

سياحة أخرى في رائعة من إحدى روائع شاعرنا النوبي العملاق محمد فضل طبق التي استوقفتني بقوة واستدرجتني إليها فوقفت عندها مشدوها بسحرها وقوة بيانها وهي قصيدة ( تا دوركون إندي أيقي ان جواب ) رد ذلك الخطاب الداوي والمزلزل من الأم لابنها ,هذا الابن الذي يعيش في صراع نفسي خطير استيقظ في دواخله ذلك الخوف الرهيب من هذا الخطاب المتوقع في أي لحظة . يخفق قلبه بقوة كلما رأى صديقاً أو قريباً يستعد للعودة للديار أو عندما يرى أحداً قادماَ من تلك الديار . ولكن ما العمل !! 

ولعمري هذا سلوك شخص سليم معافى, ولكن ماذا دهاه وأي نوع من القيود تلك التي تشده وتمنعه حتى من مجرد التفكير في والديه وفي العودة لدياره وأحبائه . إنه أمر جد غريب ويقيني أنه ليس بذلك الابن العاق, لأن هذه الصفة الذميمة لا تشبه الإنسان النوبي, الذي رضع الوفاء والحب والإخلاص من ثدي تلك الكنداكة العظيمة. ولكن لابد في الأمر من شيء نجهل كنهه .

ورغم انحيازنا بكلياتنا لوالدته في محنتها تلك , ومشاركتنا إياها آلامها وأوجاعها وأيضاً دموعها فاستحق سخطنا عليه، إلا أنني أقف إجلالا لتلك الأم الرؤوم والكنداكة العظيمة, التي ارتضت وقنعت بالصبر الجميل وصبرت على الهجر بلا عتاب وبصفح جميل, فهو ابنها والتي تحب أن تفاخر به وتتباهى. وطالما أن الأمر كذلك فليس أمامنا إلا أن نترك للابن ولشاعرنا الذي استعان به الابن ليقدم دفوعاته , علّــنا نجد له بعض العذر.

ولم يكتف شاعرنا الفذ بأن أغرقنا في بحر من الدموع والأحزان , وملأنا هماً وغماً ونحن نستمع لتلك الأم وهي تناجي وحيدها, فهاهو ينبري مجدداً وهذه المرة نيابة عن الابن منافحاً ومدافعاً ومتولياً أمر الرد على تلك الرسالة الحزينة برسالة أخرى لا تقل مأساوية وتراجيدية عن الأولى .

فهاتف ما يقول لي إن هذا الابن ليس بهذا السوء الذي اعتقدناه ولكن دعونا نترك له الفرصة ليقدم دفوعاته وإنني على يقين تام بأنه سيكسب هذه الجولة طالما أن محاميه هو هذا العملاق الذي نعرف, ومن كان محاميه في قامة الحبيب طبق فحري به أن يكسب . 

أوجاع الابن:

فإلي مشهد وتفاصيل هذه القصيدة (الرد) والتي عصفت بقلبه المثقل بالهموم.

تا دوركن اندي أيقي ان جواب  انوّى    وير ويكد قريمن  تدو دالقي أى كوركورى 

هارون كلولقى ، بلال جومد ، أحمد تبد ، إدريس همدتي  أوسجو كوتى أى دوركورى

هارونقى منكى موق أكّنى  أدريسكى مندو بلالنر أجو قولمقد أورّو جومنكرى ؟

أوون مندى اكن  من اشيب سريتون قيسر أيكى أولّى أجو جاب تيب  آر كرى ؟

كرّار بتاني آقرنتى قيّاب أنقرنجى نودى  بود بود تن نودتد بو أوسكرى ؟

تن كانرى توقد تورركن اندى مندى ؟ هدر كرر بالله نى توفى أوندورى ؟

بندركرود دبوكومن هارون أسل    مندو أتّا تكى قورن تقور  تنى أوندورى ؟!

دبسونهد دبوكمن قن اكون هليلا    تا قوشي سودر أوقلان أنن توربن  كرى 

أحمد النور يا تا وايرتون تبى من   تبدى دارن كولو ساو تو جلى تندى سكرى 

قلباتي كورود تنجى رى كفى منن تن تو بلى  ان تكّرى دنياد أمانه أورنكرى

بدأ شاعرنا قصيدته المرافعة بـ(إندي )وكان بإمكانه أن يقول (أنين ) أو(يو ) ولكن هذه المفردة تشعرك بالحنان والدفء . فكلمة إندي تعني الحمل . و)اندي( هو ذلك العمود (الصاري) الذي يحمل السقف . أليست هي التي حملته في بطنها جنيناً ومن ثم على صفحتها رضيعاً وحملت همومه وإحزانه كبيراّ ، ولقد وفق شاعرنا تماماً في استعمال هذه المفردة الحبيبة إلى النفس . فهاهو يعلن عن وصول رسالة والدته وأنه قرأها حرفاً حرفا وعرف كل ما فيها ، ولقد تعمدت الوالدة حينما أسهبت في سرد أحوال أصدقائه علها تحرك في نفسه شيئاً تدفعه للعودة وقد أتت أكلها. فبمجرد سماعه لذكرهم انفرجت وتهللت أساريره و انفجر ضاحكا (أوسوقي جو كوتي أي دوركوري ⲟⲩⲥⲉ ⳝⲟⲩ ⲕⲟⲩⲧⲧⲉ ⲁⲓ̈ ⲇⲟ̄ⲣⲕⲓⲣⲓ) وذلك من شدة الضحك ، عبارة جميلة رغم أن الموقف لايستدعي الضحك (أدمي منكي توق بورن ⲁⲇⲁⲙⲓ ⲙⲁⲛⲕⲉ ⲧⲟ̄ⲅ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲣⲁⲛ) ولكن أليس شر البلية ما يضحك؟ 

ويتساءل ماذا دهى إدريس وجعله يؤذي بلالاً بإشعاله النار في محصول ذلك الرجل الطيب ؟وأين هم أبناء كرار من كل ذلك لماذا لما يتدخلوا لإيقاف هذا المسلسل العنيف َ؟!!.

ويقول شاعرنا:

 (تن كانرقي توقوقي تركن أندي مندي بالله خضر كرر ني تف اوندوري) 

لم يقصد تماماً أنه لا يعنيه إذا ضرب وطرد أبناءه وأهله, بل قصد أن هذا الشيء يمكن تبريره ولكن ما لا يمكن تبريره؛ بصقه في وجه خضر (الوقور) ويتحدث عن هارون الذي ترك القرية والزراعة ردحاً من الزمان وهاجر إلى المدينة وما الذي دعاه للعودة مرة أخرى لمثل هذا العمل الشاق الذي لا يناسب سنه ويقول متحسرا ليته لم يعد إذاّ لسلم.

ويسدي نصيحة من على البعد لذلك الحداد الزائف أحمد النور بأن يترك ماعليه من العبث ويجد في عمله , فمن جد وجد وإلا فالأيام لا ترحم ، وجميلة تلك العبارات :

(قورن تقور ), (أوقلانود توق توبن كري )

 (كورن )  ، (أورن كري )

أنبانا ان انّى توتى أوس تيي كناقى آرلقونقى باى أرملى تيق نلمندو تدو أى تاكرى ؟

وجيكون أيقى دهنكر أناق أودكر ترياقون أن تنبنانتى  أبا أيان كسّوتى مر أركوى

أركسون أيقى أمباب نقر آ ملكر اقر   موكوتر شرّكر أونجمسقى أروكر بجكورى 

منقى أيقى باسكاون درار قرتوتى أيون تر أونجرمنن  ويكى أوتر آر جانوسكرى ؟

ياقون اندّى ان ويركر هجيجقود شوقد ترر سوودر درارنر دين كرى

سليهاقى أرتى نلنقى ويووى باشندى ويسن دوّا توتى ارقى أبدى جوبولقى ألكرى

اترك رد

error: Content is protected !!