ليمانيات / د. إدريس ليمان

لازلنا فى الشِّتاء ..!!

كَثُرَ الحديث فى الوسائط عن ضعف الأداء الحكومى وإنعدام أو قلة الخدمات الأساسية من صحة ومياه وكهرباء وغيرها كما كثر الحديث عن غياب الشرطة الفعلى رغم وجودها الحُكمى فى التصريحات الرسمية ، وضعف أداءها فى المناطق التى تم تحريرها من المليشيا كما تطالعنا الوسائط الإعلامية التى تحتمل الصِحَّة أو المبالغة فى التوصيف ، فإن كان مايتم تداوله صحيحاً فعلى هذه المؤسسة أن تستيقظ وتنهض لمعالجة أوجه القصور فى أدائها لكسب ثقة المواطنين وبناء علاقة جديدة بينهم فهى بحاجة إليهم وهم بحاجة إليها .. وإن كان غير صحيح فهذا هو الوقت المناسب لمراجعة العقيدة المهنية برمتها وإنهاء العقدة التاريخية والوصم المجتمعى الذى لازمها طيلة سنوات عمرها بأنها خادمة للسلطة القائمة أيَّاً كانت وتدين لها بالولاء المطلق وهو المفهوم الذى عجزت الشرطة عن تصحيحه للرأى العام بأنها أهم أدوات إنفاذ القانون الذى تُسِنَّه وتُشَرِّعُه السلطة القائمة سواءًا كانت يميناً أو يساراً أو دون ذلك ، وليس لها إلاَّ تطبيقه وتنفيذه والإلتزام به دون أن تكون لها علاقة لها بسياسة الحُكَّام وأنظمتهم الحاكمة .. وكل المأمول منها أن تنتهج نهج الكرامة ومبادئ العدالة وسيادة حكم القانون ( نَصَّاً وروحاً ) فالذى ينتظرها من مهام وواجبات ليس بالأمر الهيُّن فالمجموعات التى هربت من السجون وجدت غايتها وبُغيتها فى المليشيا فشاركتها فى القتال والإنتهاكات ( ومنهم من هو محكومّ عليه بالإعدام ومنهم بالمؤبد ) ، وقطعاً ستسعى تلك المجموعات الكبيرة إلى ديمومة الفوضى وإضعاف الدور الشُرطى بإستهداف المؤسسة الأمنية وإخافتها ( إن لم تجد عصا الدولة الغليظة ) حتى تجد البيئة الملائمة لممارسة أنشطتها الإجرامية ، فإذا نجحت فى مسعاها فى زعزعة الأمن أو عدم إستقراره على أقل تقدير فإن هذا الأمر سيُضعف الدولة المُنهكة أصلاً ، وسيجعل المواطن السودانى يبحث عن وسائل بديلة أكثر موثوقية من الدولة فى ظَنِّه ولعلها تكون القبيلة أو العشيرة أو الصُحبة ( والسلاح على قفا من يشيل ..!! ) .. فيجب على ولاة الأمر فى ظِلِّ إنشغالهم بالمعركة الكبرى أن لاينسوا أمر الناس وتوفير الخدمات الضرورية لأنها خير معين على الإستقرار والأمان ، وأن تجد الشُرطة ولو سطراً واحداً من صفحات إهتماماتهم بتحسين ظروف الخدمة بدءًا بالرواتب وإنتهاءًا بنقص القوة وضعف المعينات والحماية القانونية الإستثنائية حتى يكتمل الأداء المهنى بإعادة ماتم تدميره من مقومات الأمن المجتمعى .. فالتضحيات التى قدمتها الشرطة فى هذه المعركة والبطولات العظيمة والبسالة والرجولة فى ميادين القتال ودماء الشهداء وفقد الأعضاء تؤكد أن هذه المؤسسة العظيمة تستحق السند والإهتمام الحقيقى من الدولة .. فيا إخوتى أروا أهل السودان من أنفسكم خيراً .. ونُذكركم بالمقال أدناه الذى كُتب بعد ثلاثٍة وعشرون يوماً فقط من إندلاع الحرب بتأريخ ٨ مايو ٢٠٢٣م رغم إتساع النظر وإختلاف زوايا ( الشوف ..!! ) وتغيُّر الأحوال وتطورها وإختلافها عمَّا كانت عليه قبل عامين
وحفظ الله بلادنا وأهلها من كُل سوء

فى الصِّيفِ ضَيَعِّتِ اللبنْ

حينما إستفحل أمر البرامكة وأحكموا سيطرتهم على بغداد الرشيد بخيلهم ورجلهم ، وأصبحوا يشكلون خطراً عظيماً ومهدداً أمنياً على الخلافة العباسية وعلى كيانها وإستقرارها وعلى ديمومتها وإستمرارها ، لم يتعامل الخليفة هارون الرشيد مع الأمر بغفلة وهم فى محيط قصره وقيادة جيشه ، بل تغافل عنهم وترك لهم الحبل على الغارب وبدأ التخطيط الإستراتيجى بحكمة وتروى وسِريّة وأناة لضربهم والقضاء عليهم ، وعندما دقت ساعة العمل حسم هذه الجرأة على دولة الخلافة فى ظلمة ليلة واحدة إنبلج فجرها عن صباحٍ عباسى خالٍ من أى وجودٍ برمكى .
ولئن كان التأريخ يَحفِر الأحداث فى جدار الزَمَنْ بِخَطَّ القَدَرْ لايمكن محوها ليعتبر بها من يعتبر ويتسَلَّى بها من يريد التسلية ، فحكامنا عفا الله عنهم وضعوا أرجلهم ومن ثمَّ كل الدولة السودانية فى الحفرة التى حفرها لهم البُغاة من المغول والتتار الجُدد تفريطاً وإفراطاً ، وكان نتاج ذلك التفريط هى تلك الدماء الحرام التى سالت على الطرقات من مدنيين ونظاميين ، وكان حصاد الإفراط فى الإنتهازية السياسية ونتائجها الوخيمة التى كادت أن تُحرق أصحابها هو كل هذا الدمار والخراب والأذى الذى لَحِقَ بالدولة السودانية وبأهلها الذين ذاقوا الأمرَّين وعاشوا ذُلّ النزوح واللجوء والفاقة والعوز فى وطنٍ ملئ بالخيرات المنهوبة وسُحقوا بأقدام الحثالة من البُغاة ، وفقدوا كل شئ إلاَّ إيمانهم بوطنهم ، ولم يهتموا بما سُلب تحت تهديد القوة والسلاح ، إلاَّ أنهم بعد كل الذى حدث لم يعودوا يملكون القدرة على المسامحة لكل من يهدد أمنهم وسلامتهم .. فمن واجب من يديرون معركة الكرامة الوطنية وشرف الجندية الانصات للأصوات الوطنية الحادبة على مصلحة الوطن وعدم الإلتفات إلى شياطين الإنس المحليين والإقليميين الذين لاتزال أعمدة الدخان تتصاعد من أفواههم تؤزهم إلى الدمار والضياع أزََاً ، وأن يضعوا إستقرار الوطن وأمن وسلامة أهله فوق كل إعتبار .. وإن لم يفعلوا فليرتقبوا فتنةً تُصِيبَّنهم خاصة .. أمَّا شُرطتنا الفتيَّة فقد أضاعت على نفسها فرصةً تأريخية حين أضاءت نيران هذه الحرب اللعينة ولهيبها البصيرة والبصر ، إلاَّ أنها لم تعض عليها بالنواجذ رغم نزول فدائي ونسور الإحتياطى المركزى وتضحياتهم العظيمة .. لكن كان من الأوفق والأكمل أن تصدر بياناً قوياً للرأى العام المحلى والعالمى عبر إعلامها أنها ستعمل وفق واجباتها الدستورية والأخلاقية والمهنية فى حماية الممتلكات من السلب والنهب ولإسعاف الجرحى ودفن الموتى مهما يُصيبها من أذى فى سبيل واجبها المقدس وتقيم الحجة على الجميع بهذا الصنيع فهى ليست أقل شأناً من المجرمين ممن يكسرون وينهبون ويحرقون بل ويبيعون مسروقاتهم تحت أصوات القصف وسقوط القذائف .. والأَّ تشارك الشرطة فى القتال المباشر بل تلتفت إلى واجباتها الوظيفية ( إلاّ إذا إستحال عليها الأمر ) رغم أنها معركة كرامة وشرف وإلاّ بعد صدور قرار من رئيس مجلس السيادة بإعلان حالة الطوارئ العامة وضم قوات الشرطة إلى القوات المسلحة تأتمر بأمر قائدها وتخضع لقانونها ويصيبها ما يصيبها مغنماً ومغرماً .. فأضاعت على نفسها هذه الفرصة الثمينة بأن تُخلَّد فى التأريخ ، وفرَّطت فيها جهالة وكان حالها كحال تلك الإعرابية التى فى الصِّيف ضَيَّعتِ اللبن ..!!
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء ونصر قواتنا المسلحة الباسلة على أولئك البُغاة ، ووفق شُرطتنا الفَتيِّة وهداها سبل الرشاد .

اترك رد

error: Content is protected !!