نمر نحن بني البشر بتجارب مواقف شتي في حياتنا الخاصة وفي حياتنا العامة، تلك التجارب والمواقف فيها الحلو وفيها المر فتقع ظلال ذلك علي الحياة فتلون أيامها ولياليها فتكون المتعة في الفرح والسرور و تغطي الكآبة في الحزن، وينشغل البال في الهم و الضيق و تقع الشدة في العسر، فيشتد أوار إنشغال التفكير في ذلك فيتخذ البعض خطوات جرئية للتعامل مع الصعاب ومطبات الحياة ومواقفها، فينجو ويستمتع بالحياة وكلما عادة شدة أو موقف أعاد الكرة، ويحبس البعض نفسه في أنصاف الحلول و النصف فى اللغة شيئا ناقصا، فهو لا يعبر عن الإكتمال و الكمال، فكيف ترضى بعض النفوس بانصاف الحلول حلولا لتلك المشاكل وكذلك المواقف التي يتخذ فيها البعض موقف الحياد مع أن الحق لا يعرف الحياد والوطن لا يعرف الحياد.
هاهو الأديب جبران خليل جبران يخط بيراعه كلمات رصينه تشف عن الحكمة والتبصر العميقين بعنوان “نصف الحياة” يشخص من خلالها حالة انسانية يعيشها الكثيرون منا تجعلهم بنصف حياة ونصف موقف ونصف حقيقة ونصف وجود، ونصف شجاعة وربما نصف وطن. أناس يعيشون في المنطقة الرمادية في منتصف الطريق يصلون ولا يصلون، يتحدثون ولا يتحدثون يقفون موقف وطني ولا يقفون.
يقول جبران في رائعته:
“لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لانصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، اذا صمتّ فاصمت حتى النهاية، واذا تكلمت فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت. اذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، واذا رفضت فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها، وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل اليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس اليك، وهو ما يجعل أقرب الناس اليك غرباء عنك، النصف هو أن تصل وألا تصل، أن تعمل وألا تعمل، أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت. نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك الى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة.. النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف انسان. أنت انسان.. وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة”.
أعلاه أروع ما سطره جبران خليل جبران من درر منظومة تزين الفكر، تمعنت فيها طويلا و و وجدت فيها وصف دقيق لكثير مما يجري في مجتمعنا السوداني خاصة في المواقف الفكرية والاجتماعية و السياسية، وهو ما تصفه لغتنا السودنية ” بمسك العصا من الوسط” وجدت ذلك النظم يعبر عن واقع انساني يؤكد أن أغلبنا اليوم يعيش نصف حياة، لأننا تنازلنا عن النصف الآخر ربما بارادتنا أو غالبا رغما عنا.. لأن نصف الخوف فينا ابتلع نصف الشجاعة، فمارسنا نصف الصدق ونصف النفاق !الحياة الحقيقية لا تقبل القسمة على نصفين، و”المواقف” لا يمكن تجزئتها لأن الانسان لا يمكن أن يعيش بنصف ضمير الا اذا كان نصف انسان .. والانسان موقف والرجولة كلمة قد تنطق بها “أنثى” بينما يعجز عن نطقها أنصاف الرجال (منقول بتصرف).