اطلعت على التقرير الأسبوعي للمنظمة الدولة للهجرة حول النزوح الداخلي في السودان، والذي غطى كل ولايات السودان للفترة من 4/15-9/19 /2023 وصدر في يوم 9/19 /2024م (مرفق ملخص للتقرير)، ورغم فداحة الخسائر وتباريح الحياة ومعاناة أهلنا في صمت، إلا أن مروءة وشهامة من استقبلوا النازحين داخليا تُنسيك تلك الآلام، وتُبشرك بأن مجتمعنا السوداني مازال بخير، ثبت ذلك من خلال المآوي التي قدمتها المناطق المُستقبِلة لمن جاءهم ممن تأثروا بالنزوح، هذا وقد بلغت نسبة الاستضافة المجتمعية للأسر (67.19%) والمُستأجرِين من الأسر (9.47%) بينما توزع بقية النازحين داخليا على المرافق العامة والتجمعات، ويلاحظ غياب أي معسكرات للنازحين داخليا في الولايات التالية: الجزيرة، النيل الأزرق، الخرطوم، كسلا، شمال كردفان، جنوب كردفان، البحر الأحمر، نهر النيل، سنار، الشمالية، غرب دارفور، غرب كردفان، أما بقية الولايات الست، فلم تتجاوز نسبة مآوي المعسكرات فيها الـ 21% بينما بلغت أعلى نسبة في ولاية النيل الأبيض (29,47%). رغم الصور المشوهة والجشع والاستغلال من بعض الناس للنازحين في بعض الولايات، إلا أنه طاف بالخاطر نُبل مروءة الاستضافة المجتمعية التي جاءت في التقرير، ورغم ضيق ذات الحال؛ بسبب تأثيرات الحرب ورغم ارتفاع تكلفة المعيشة، إلا أن المجتمع السوداني ما زال بخير كثير مغروس في جيناته، فمرت لوحة الاستضافة المجتمعية للنازحين داخليا ومعها تجليات المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حينما حدثنا سيدنا عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – قائلا “لما قدمنا إلى المدينة آخى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بيني وبين سعد بن الربيع، فقال لي سعد: إني أكثر الأنصار مالا، فأقسم لك نصف مالي، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك، فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك، لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟ قال سعد: سوق قينقاع، قال فغدا إليه عبد الرحمن. إلى آخر الحديث (البخاري)، وقد شكر المهاجرون للأنصار فعلهم ومواقفهم الرفيعة في الكرم والإيثار، وقالوا يا رسول الله: ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا في كثير من الأنصار”. أتأمل معاني المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فأستدعيها في ظل تقرير النزوح الداخلي المذكور، فأجد أن المجتمع السوداني تمثل أروع تلك المؤاخاة حينما استقبل أفراده الفارين من جحيم الحرب، وتقاسموا معهم المآوي واللقمة من غير منٍ ولا أذى فرسموا بكرمهم لوحة أخوية جمالية مرصعة بقيم المحبة والأثرة والطيبة وحسن العشرة لدرجة أذهلت العالم الذي كان يتوقع انتشار المخيمات والاستماع لمُر الشكوى للخلق واستجداء لدعم المنظمات الطوعية، ولكنهم لم يظفروا بما توقعوا بسبب كرم متأصل في إباء الشعب السوداني بمختلف طبقاته وتنوعه، فلله درك من شعب. ظن الأوباش المتمردون أنهم بحربهم الاستئصالية هذه سينقِضون عُرْيَ هذه القيم باستهدف هوية وثقافة وسجايا المجتمع السوداني التي لا يعرفونها فظنوا أنهم قادرون عليها، ولكن هيهات هيهات فالنصر آت والمجتمع السوداني بأصالته يقف سدا منيعا ضد محاولات استهداف تلك القيم والنيل منها وحتما سينتصر ولا عزاء لكم أيها المتمردون الجبناء، ومن شايعكم من الأحزاب السياسية.