(1)
كثيرا ما يصعب علي بعض الدارسين فهم بعض النماذج الاتصالية ، ومن ذلك مفهوم التشويش الدلالي باعتباره احد المؤثرات علي عملية الاتصال ، وحدوث التباس بين (المتلقي والمرسل) ، ولزمن طويل كان مفهوم التشويش محصورا في بعده التقني ، حين كان البث بالموجات الطويلة ، أو التاثير علي مسار الاقمار الصناعية..
أهم عناصر نجاح الرسالة (ان تصل المتلقي واضحة ومفهومة وغير قابلة للتأويل والتحوير) ، وقد افتقد خطاب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو كل ذلك..
- كتب بلغة لا تناسب حميدتي في مفرداتها (هوامش) و (عنف البادية) ..
- وردد توصيفات تحمل اكثر من معني وطرف ، فهو مثلا نتاج (عنف البادية) ، وهو مثلا نتاج تجربة (30 عاما) وجاء بقانون سن في اواخر العهد البائد 2017م..
- لم يحدد معركة تصويبه ووضوح رسالته ، هل هو رد علي أحاديث البرهان و كباشي ، أم مغازلة للشباب ، أم حاضنة جديدة لقوى الحرية والتغيير ، أم مباعدة بين والاسلاميين والقوي الوطنية ، أم ابداء احتجاج علي ورشة تقييم جوبا دون حضوره واعلاء لورشة الخرطوم؟ ، وفي كل الحالات فإن الخطاب ومن خلال مقايسة ردة الفعل لم يحقق فائدة مرجوة..
- هل الخطاب مهادنة للقوات المسلحة وتأكيد موقفه من الدمج وفق الإطاري ، وهل من المهادنة أن تكون وصيا عليها وانت تنصح عناصر النظام البائد كما تسميه بالابتعاد عنها ؟ ألا يناقض ذلك إشارة الفريق أول عبدالفتاح البرهان في عطبرة الذي نفي اي تأثير سياسي من جهة علي الجيش..
(2)
من الواضح أن السيد حميدتي وقع ضحية نصيحة ماكرة للإدلاء ببيان يؤكد فيه بعض مواقفه ، وقد تم تنفيذ ذلك بخبث من خلال صياغة الخطاب ومفرداته..
لقد أتيحت للسيد حميدتي فرص كثيرة للإسهام في حل وطني شامل ، ولكن الفرص تتباعد عنه مرة تلو اخري..
وأول ما ينبغي أن يدركه السيد حميدتي ان التيار الإسلامي والوطني ليس ظاهرة عابرة أو شكلية ، وإنما بنية سياسية واجتماعية ووجدان شعبي ، وغير رهين بالاشخاص أو حتي التشكلات الحزبية ، وهو بهذا الفهم لا يمكن إلغاءه أو تجاوزه في أي معادلة سياسية..
وثانيا أن قضية الإصلاح الأمني والعسكري مقصود بها تفكيك الجيش السوداني تحديدا وحل الأمن (وسبق للسيد حميدتي الإشارة لذلك في خطاباته واقواله) وأكثر من ذلك فإنها تهدف إلي حل الدعم السريع وتقديم القيادات العسكرية (للمشانق والمقاصل) كما ورد في بياناتهم ومنشورات معلومة..
وثالثا: إن معادلة السلام ، أكبر من توازن قوى في دارفور ، بل هي الشرق بثقله وتاثيره ، والوسط بتفاعلاته الجديدة ، والنيل الأزرق وكردفان والشمال ، لا مجال للمعالجة قصيرة النظر ، أو الالتفاف ، لإن الأمور بلغت حدا لا يقبل الانصاف ، إغلاق أو مواجهة..
ثالثا: لا أحد يستطيع فرض حل ، نعم بهذه البساطة ، فقد تراجع تأثير الدولة وسلطانها خلال اربع سنوات من التجريف السياسي والقانوني والمناورات الساذجة ، ولا خيار سوى التراضي الوطنى..
(3)
ان الظرف التاريخي يحتم علي قادة المرحلة للنظر للواقع السوداني من خلال منظور (سوداني بحت ومصلحة سودانية بحتة) والحديث مع الناس والرأي العام بلغة مفهومة تلامس الواقع وليس مجرد تخيلات أو منطلقات فكرية عقيمة ، فلم يعد مجال للمغامرات والمجازفة..
والخلاف الدائر الآن بين طرفين (البرهان ورؤيته ، حميدتي ورؤيته) لا أكثر ، ولكل خلفياته وعناصره قوته وعليهم الجلوس سويا والاتفاق..
وما خلا ذلك فإن البيان ومع استصحاب توقيته وطريقة قرأته ، يصلح بان يكون جزءا من نماذج كليات الاتصال في التشويش الدلالي لا أكثر..