
لقد كانت فترة إعتصام القيادة العامة والأيام التى تلتها أياماً عصيبة وعجيبة بل ومُقلِقة حيث كان وقتها كُلُّ شئٍ مؤجلاً إلاَّ حالة الهياج الثورى وحدها المستثناة ..!! فالحكومة التنفيذية مؤجلة والبرلمان الإنتقالى مؤجلاً وثوابت الوطن مؤجلة ، والتنمية مؤجلة ، حتى العدالة تم إسكاتها وتأجيلها إلى حين ..!! والغُبن السياسى كان حاضراً ، والخراب والفوضى يتسيَّدان المشهد .. والنُخب التى أدمنت الفشل آثرت الصمت فى إنتهازية عُرِفَتْ بها .. وإنقسم الناس إلى فريقين أحدهما يرى فيما يحدث بنقائه الثورى آلاماً لمخاضٍ عسير لولادة الدولة السودانية الحديثة ، والآخر كان ينتظر حدثاً مُزلزِّلاً وقد أضحت علاماته و أماراته المتحدة بادية للعيان ..!! وكان هنالك فريقاً آخر بين الفريقين ينفخ فى نار الفوضى لإشعال الحريق إبتغاء الفتنة من أجل الإستوزار ، والمواطن ضائع ومخدوع بالأمانى ومرتبك أمام مشهد عجز عن فك طلاسمه يتوجس منه حيناً ويسخر منه حيناً آخر.. ولم يتوقع أن تقوده تلك الفوضي الشاملة إلى هذا المآل ليأتى عليه يومٌ يُصبحُ فيه كاليتيم فى مائدة اللئيم ، وأن تختفى جميع آماله وأمنياته لتُصبِحَ عريشاً فى مدرسة متهالكة لا تقى حرّ الشمس ولا تحمى من المطر وهو أسيان يفكِّر مُنغلِبْ ..!!.. ورغم أن خريجي السجون من قطعان الهالك وشقيقه هالك ثان أرادوا إغراق بلادنا فى لُجَّةٍ من العدم لتقوم على أنقاضها دولتهم المزعومة وقضيتهم المُتوهمة ومعبدهم القدسى إلاَّ أنَّ الذى رشَّ الملح على جرح الوطن وأهله وزاد من ملوحة دموعهم أولئك الذين رأيناهم يرقصون ويغردون فرحاً وإبتهاجاً لموت أهل الفاشر الكرام ..!! فالذى يغمس ريشته فى الدم الحرام ليرسم مواقفه السياسية البائسة ، ويملأ دواته باللون القانى ليكتب فوق الجثث المحروقة مرافعته الوضيعة ليلتمس الأعذار لأولياء خيبته لن يبني مجداً سياسياً كما يتوهم ولن تكون له هوية .. ولا يستحق أن يُمنح شبراً فى المقابر .
أما وقد تمايزت الصفوف تماماً بعد مأساة الفاشر التى أسقطت ورقة التوت عن أولئك الذين نراهم دوماً يكثرون حول السلطة والمناصب ويَقِلَّون حول الوطن فلن يترك هذا الشعب العظيم بلادنا لتغرق فى دوامة القلق والبحث الدائم عن الأمن بمفهومه الشامل ، وسيقف الخيِّرين من أهل السودان أمام أجندات التمزيق وأمواج الفوضى الإقليمية والدولية وتدخلاتها المستفزة ومحاولاتها الدائمة للعبث بالسيادة الوطنية وجعلها هَشَّةً .. ولنْ يجعل هذا الإنسان السوداني من أحلامه رهينة البحث عن الأمان ولقمة العيش فى المنافى والمَهَاجِر الملاجئ بل ستكون غاية آماله اللحاق بركب الحداثة ، فليس أمام حَمَلَة السلاح من أبطال السودان غير المُضى قُدماً فى منازلة المليشيا وهدم بنيانها الذى أُسِّس على الفجور والمظالم وسفك الدماء .. وليس أمام الأقلام الوطنية إلاّ الكتابة الصادقة ليوقظوا الضمير الإنسانى ..!! فالوعى السودانى اليوم أكبر من أن يُخدع والكرامة السودانية أغلى من أن تُداس ..!! ولاشئ فى دفتر الرهانات والمكاسب ما يستحق الموت دونه سوى هذه الأرض الطيبة مهما خفتت الأصوات التى تدَّعى الرُشد السياسى وتوارت ضمائر أصحابها خلف سبائك الذهب وزكائب المال الهامل والمتروك .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏾 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الإثنين 10 نوفمبر 2025م




