✍️ د. كرار التهامي
اخيرا الاسئلة الوجودية التي تطرح نفسها في وجه الانسداد المعقد في المشهد السياسي الان ،حول مصير الوطن ومستقبل الديمقراطية وقدرة النخب على ادارة المساومة والمعاوضة والخروج من عبثية اطالة الصراع و الرغبة في اقصاء الاخر ومحاولة كل فصيل وضع اصابعه على كل الفطائر to put his fingers in all the pies كما يقول المثل الانجليزي؟ والسؤال حول (الانتقال ) هل سيصل الى غاياته ام ان الامر سيعتاص ويستعجم على الفاعلين ؟و هل اذا وصلنا الى ميس الديمقراطية ستصمد اقدام الاحزاب فوق رمال السياسة المتحركة وهشاشة بنية الوطن الاقتصادية وبنية الاحزاب التنظيمية؟ ام ستعود السطوة مرة اخرى للمؤسسة العسكرية القوة الاكثر نضجا و تماسكا في المجتمع و التي لن تعدم النصير اذ ا انسدت الطرق امام القوى المدنية ،خاصة تلك التي تتقاصر دون التحديات الديمقراطية ، فالناس لا ياكلون الديمقراطية و لا ينامون مطمئنين في ظلالها اذا كان جدارها متصدعا وايلا للسقوط ,,,, ثم ماهي مالات الحركات المسلحة التي لم تهيء بنيتها النفسية ولا التنطييمية لسياقات ديمقراطية غالبا لن تجد فيها سندا ماذا لو وجدت قيادات تلك القوى انها عاطلة و منزوعة اللجام مقطوعة الزمام في ظل نظام تعددي ديمقراطي لم تعد له العدة ولم تستذكر دروسه الصعبة فهل ستقبل بانحسار نفوذها وذهاب ريحها وانكسار شوكتها وماهو مصير امبراطوريتها الاقتصادية التي ربما تتهاوي كقلعة من الرمل اذا ما استهدفها خصومها بالقانون او مكايدة
▪️. تماما نفس الاسئلة القدرية المطروحة في نهايات الثمانينات في لبنان وقبل اتفاق الطائف بزمن حينها قال وليد جنبلاط “ان مشكلة لبنان غير قابلة للحل واننا لن نعيش لنشهد حلها “كانت الدولة حينها مقسمة شذر مذر ورياح المتوسط تشد السفينة اللبنانية نحو المرافئ الفينيقية تحاول اقتلاع لبنان من عروبته
▪️سعت الوصاية الاوربية عبر التمدد الفرنسي لنزع لبنان من محيطه الثقافي العربي وسحب السفينة اللبنانية خارج المياه العربية بعيدا عن شموس الشرق الحارقة ودسائسه لكن لبنان الذي انجب مارون عبود وجبران خليل جبران وايليا ابو ماضي ظل متشبثا بعروبته رغم انه ظل يدفع ثمن هذا الفصام منذ التأسيس بين (انيرشيا )عروبته المتجذرة فيه وقوى الجذب الاوربية في البحر والجبل والساحل في صعد السياسة والعرق والطائفة
كان حافظ الاسد هو الاسكندر الاكبر الذي قطع العقدة اللبنانية بسيفه ورتب اوضاعه الداخلية بالقهر وفعل ماعجزت عنه امريكا واسرائيل و في الجنوب الفقير جمع الامام الصدر صفوف المهمشين من ابناء شيعته فتغيرت اطراف المعادلة واوزانها
▪️مع ذلك ظلت الازمة تراوح مكانها لقد كشفت الانتخابات الاخيرة ان الازمة في شرايين هذا البلد المخملي وليس في اطراف جسده السياسي فالعملية السياسية منذ الطائف في الثمانينات الى اليوم معلولة مغلولة ومعلقة كجسد مصلوب على الارادات الطائفية والبيوت الكبيرة والمال السياسي الذي اسس طائفة جديدة ادهى وامر
الانتخابات بعد الطايف لم تصنع واقعا جديدا فقط لكنها ايضا نقلت الهواجس والخوف الوجودي من كفة الى اخرى
ولقد قامت الانتخابات الاخيرة بعد مظاهرات مليونية احتل فيها المتظاهرون مؤسسات الدولة وحاصروا البرلمان حتى اقامت الحكومة حوله جدارا خرسانيا ظل منتصبا لاكثر من عام
▪️لعبت الايدي الغريبة دورا كبيرا للتاثير في النتايج مستغلين الشعبوية والهتافية والكراهية للسلطة الحاكمة التي سرت كالنار في هشيم المظاهرات وصار المال السياسي عنصرا محفزا للتصويت وعدمه
اعترف ديفيد شنكر مساعد وزير الخارجية الامريكي لشئون الشرق الادنى بتمويله للمنظمات المدنية المناهضة للحكومة وبعرقلتهم لجهود الدولة اللبنانية لتسبيب الانهيار المالي واضعاف فرص السلطة الحاكمة في الانتخابات رغم ذلك صمدت هذه القوى عدا اختراق صغير تمثل في دخول اكثر من عشرة نواب مستقلين باسم (التغييرين ) ذابوا كفص من الملح في بحر البرلمان الجديد
العبر كثيرة في السياسة اللبنانية لكن اهم الحقايق التي يمكن استخلاصها
اولها : ان القوى الخارجية خاصة امريكا وفرنسا اذا تدخلت في اي اصلاح ديمقراطي فانها تتركه مشوها وبأعاقة مستدامة قاصدة ذلك او عن جهل بطبيعة القوى المتصارعة او في سعيها لتصنيع حلفاء ضعيفين تحرضهم على الصراع و ارهاق الدولة ،،انظر الى ديمقراطية لبنان وهي محلك سر وانظر الى حال العراق الان وقد تركته امريكا يغرق في لجاج ديمقراطي وحجاج طائفي يتجذر كل يوم وتجربة ليبيا المغلقة على الاحتراب والتجاذبات الاقليمية
ثانيها : القوى الداخلية اذا ادارت معاركها الحزبية بذكاء ورجاحة عقل لن يحد من قدراتها في النجاح بين جماهيرها التدخل الخارجي لصالح خصومها ولن يهزمها المال السياسي المستجلب من الخارج
و ثالثها : انه من المستحيل ان ينفرد فصيل بالسلطة ويقوم باقصاء الاخر في مناخ ديمقراطي فالديمقراطية هي فن ادارة الاختلاف واحترامه و القبول المتبادل وتقنين الاختلاف agree To disagree بكل الادب الديمقراطي وتحمل اعباء ذلك النفسية والاخلاقية