دكتور يوسف العميري
ماذا سيحدث إذا ما رأيت مقطعا مصورا تظهر فيه بشحمك ولحمك، وتقول كلاما لم تقله أو تفعل أشياء لم تفعلها في الحقيقة؟
هذا ليس سؤالا خياليا، فنحن في عصر الذكاء الاصطناعي، وأسوأ ما فيه التزييف العميق أو كما يقولون الـdeep fake، حيث يمكنك أن تعيد ميتا إلى الحياة، بتغذية تلك التقنية المخيفة بملامح هذا الشخص ونبرة صوته وحركاته وإيماءاته، وبضغطة زر واحد تجعله يتحدث ويتحرك كما كان يفعل حين كان على قيد الحياة.
فهذا ما فعله متحف دالي في فلوريدا مع الفنان سلفادور دالي، الذي توفي في العام 1989، حيث تمكن زواره من التقاط صورة حية مع دالي بل كان «الراحل» هو من يقوم بالتقاط صور السيلفي بنفسه.
ومؤخرا انتشرت مقاطع مصورة لشخصيات مشهورة، من بينها رؤساء دول كبرى، يتحدثون ويتوعدون ويهددون بأشياء وأمور هم في الحقيقة لم يفعلوها، وكل ما في الأمر أنها مقاطع مزيفة.. لكن ويا للعجب، لا يمكن للشخص نفسه الذي تعرض لعملية تزييف أقواله وأفعاله أن يميزها عن الحقيقية!
وعلى سبيل المثال، انتشر عبر الإنترنت، العام الماضي، فيديو خضع لتقنية التزييف العميق ظهر فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي متحدثًا عن الاستسلام لروسيا. وهو الأمر الذي لقي رواجا كبيرا مما اضطر الرئيس الأوكراني إلى الرد في مقطع فيديو آخر ينفي صحة المقطع المزيف، مؤكداً أن قواته تدافع عن أرضها، ولا تخطط لإلقاء السلاح.
وحسب ما يعرف فإن مصطلح التزييف العميق ظهر لأول مرة في العام 2017 عبر أحد مستخدمي موقع «رديت»، والذي كان يصف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المستخدمة فيه وهي «التعلم العميق» أو «ديب لِرنينج».
إذ تعتمد هذه التكنولوجيا المرعبة على شبكات عصبية عميقة وهائلة في كمها تتضمن مشفرات آلية وتستخدم تقنية تبديل الوجوه في مقاطع الفيديو المصورة، حيث الخوارزميات فيها مبرمجة على حل المشكلات بمدها بكم كبير وضخم من البيانات الخاصة بموضوع أو شخص ما، وبمنتهى السهولة يمكن لصق وجه مكان وجه آخر ليكون لدينا مقطع مزيف لا يمكن تميزه عن الحقيقي.
نحن بصدد تجربة مختلفة في السنوات المقبلة، فقد انتقلنا من مرحلة تزييف الأخبار وبث الشائعات، إلى مرحلة تحويل الكذب إلى «حقيقة» بالصوت والصورة، وهو الأمر الذي يشكل خطورة بالغة على الجميع، فمن السهل تأليب الرأي العام وحشد الناس عن طريق مثل هذه التكنولوجيا المخيفة.
ومرة أخرى أذكركم ونفسي بأن لكل شيء وجهين، أحدهما إيجابي والآخر إيجابي، أو لنقل وجه طيب ووجه شرير، فبدلا من استخدام التكنولوجيا والتقدم العلمي في خدمة البشرية، قد يحوله البعض إلى سلاح يقتل البشرية ويدفع بها إلى حافة الهلاك.. فلنحذر وللنتبه فالأمر جد خطير.