الفيل في الغرفة (Elephant in the room) تعبير مجازي في اللغة الإنجليزية يعود تاريخه إلي عام 1814 م حينما استخدمه الشاعر وكاتب الخرافات إيفان كريلوف (1769-1844) في حكاية بعنوان “الرجل الفضولي” ، والتي تحكي أن رجلا يذهب إلى المتحف كل يوم ويلاحظ كل أنواع الأشياء الصغيرة ، لكنه لا يلاحظ وجود الفيل في المتحف ومن حينها أصبح التعبير يُضرب به المثل لكل سؤال أو مشكلة أو حل لقضية خلافية واضحة لكل شخص ، ولكن يتم تجاهل ذلك عمداً لأن الإقرار بالمشكلة أو التفكير في حلها (رؤية الفيل في الغرفة) من شأنه أن يسبب إحراجًا كبيرًا أو حزنًا أو جدالًا ، أو ببساطة من المحرمات.
يشير المصطلح أيضا إلى حكم قيمي بأن أي قضية يراد حلها يجب أن تناقش بصراحة ، أو يمكن أن يكون ذلك ببساطة إقرارًا بأن المشكلة موجودة ولن تختفي من تلقاء نفسها، وبالتالي ضرورة البحث عن حلول لها وليس تجاهلها، وقياسا علي “الفيل في الغرفة” فإن في السودان غرف ملئية بالفيلة ولنا أن نسمي ما شئنا من هذه الفيلة مثل فيل الاقتصاد وفيل التعليم وفيل الصحة و فيل السياسة وغيره من إبتلاءات السودان التي لا تُحظي باهتمام ينظر فيها و يضع لها حلولا سوي الجأر بالشكوي وكثرة الحديث والجدل والمراء والتخوين بسبب اختلاف وجهات النظر ولسان الحال يقول:” من ليس معنا فهو ضدنا”.
من بين هذه الفيلة، فإن فيل الأزمة السياسية في السودان يمثل أس البلاء الذي تتأثر بها بقية الفيلة وكلما طال بقاء هذا الفيل في الغرفة ازدادت معاناة الشعب السوداني في صمت و ستطول ما لم يُأبه لوجود هذا الفيل، أُس فيل السياسية يا سادة هو غياب الانتخابات عن أولويات الحكومة الحالية، و الأحزاب السياسية ولجان المقاومة وحتي الآلية الثلاثية لم تسلم من ذلك و أصابها داء الانقسام كما أصاب الفاعلين في الساحة السياسية (انظر تصريحات ممثل الاتحاد الأفريقي بانسحابه ثم تراجعه وما دار حولها من لغط وتفسير).
الأحزاب السياسية السودانية وفيل الانتخابات
الانتخابات هي الفيل في الغرفة الذي لا تراه تلك الأحزاب السياسية لذا هي تتحايل ولا تتحدث عنها إلا لماما علي شاكلة التحول “المدني الديمقراطي” والطرق علي “المدنية” وكأنها تقابل العسكرية أي حكم مدني مقابل حكم عسكري وهذا خطل في التفكير لأن مفهوم المدنية حمال أوجه و مُختلف عليه حتي في منبته الأصلي في الغرب، طفأ المفهوم علي السطح بقوة إبان ما يُعرف بثورات الربيع العربي التي لم تنعم شعوبها بالمدنية التي رفعها البعض -خاصة الدول الغربية- كمقيص عثمان. رغم زوال الأنظمة التي تحكم تلك البلدان، إلا أن شعوبها حُرمت من الديمقراطية التي ينادي بها الغرب عندماء جاءت بمن لا يوافق هواه، وظهر كذب الغرب و أعوانه داخليا حينما مارس الغرب ازدواجية المعايير فدعم الإنقلاب علي الديمقراطية في مصر وفي تونس و يعرقلها في ليبيا وليس مستبعد أن يفعل ذلك في السودان مع وجود إرهاصات علي ذلك.
برأيي أن الانتخابات غابت عن أولويات الأحزاب السودانية لأن بعضها يخشي من عدم الفوز بها ولذلك يتذرع بحجة عدم الجاهزية لأسباب واهية مثل ضرورة أن يكون المناخ مُهيَّأ (علي طريقة تلك الأحزاب) للحوار الوطني ويتخذ ذلك حجة للمطالبة بفترة إنتقالية طويلة لمدة عشر سنوات كما سري في الاخبار، ويمثل هذا الاتجاه الأحزاب اليسارية التي لا تمثل الشارع السوداني كما تدعي بل هي حقيقة سطت علي المشهد خِلسة، والدليل أن آخِر انتخابات ديمقراطية جرت في الفترة من 13-16 إبريل عام 1986م جاءت مخيبة لآمال اليسار بصورة عامة حيث سقط في الانتخابات بالرغم من قيامه بحملة نشطة، جابت البلاد طولا وعرضا وصرف بسخاء، مما أثار العديد من الاقاويل والشائعات حول مصادر تمويله لتلك الحملات( منقول بتصرف من كتاب الانتخابات البرلمانية في السودان (1953-1986: أحمد إبراهيم أبوشك و الفاتح عبد السلام).
رغم ذلك الدعم لم يكن حظ الأحزاب اليسارية مثل الحزب الشيوعي السوداني إلا الفوز بمقعدين (2) في الدوائر الجغرافية و لم يحصل حزب البعث الاشتراكي، الحزب الوطني الاتحادي، الجبهة الوطنية التقدمية، تجمع الشيوعين الوطنيين، تنظيم القوي الديمقراطية، وتنظيم القوي الإشتراكية إلا علي أصفارا كبيرة في تلك الانتخابات ( كتاب الانتخابات البرلمانية) ومع ذلك الفشل تملأ تلك الأحزاب الساحة السياسية حاليا ضجيجا وضوضاء وتتحدث عن مليونيات الشارع الذي تخشاه في الانتخابات.
أما حزب الأمة فقد حصل في ذات الانتخابات في الدوائر الجغرافية علي (100) مقعدا و الحزب الاتحادي الديمقراطي علي (63) مقعدا والجبهة الإسلامية القومية (28) مقعدا، والناظر لموقف هذه الأحزاب -باستثناء الجبهة الإسلامية التي غابت- فإنه لا يسمع للحزبان حديثا واضحا عن الدعوة لفترة انتقالية قصيرة تعقبها انتخابات رغم الوجود المقدر لهما وسط الشعب السوداني قياسا علي آخر انتخابات ديمقراطية جرت في السودان في عام 1986م والتي خاضها تسعة وعشرين (29)حزبا وتيارا سياسا و حصلت الأحزاب الثلاثة المذكورة علي نسبة 81,7% من إجمالي أصوات الناخبين الذين بلغت نسبة مشاركتهم في الدوائر الجغرافية 81,7% بينما تقاسم ستة وعشرون تنظيما سياسيا (بما فيهم الشيوعيين والبعثيين) نسبة 18,3% فقط من أصوات الناخبين ( كتاب الانتخابات البرلمانية).
قياسا علي النتائج أعلاه، فإن لحزب الأمة والحزب والاتحادي الديمقراطي القدح المعلي في الاستحواز علي جمهور الناخبين إلا أنه لا يُسمع لهما صوتا عاليا فيما يجري في الساحة السياسية حاليا مقارنة مع ضوضاء حلفائهما من اليسار المتطرف، الذي يسعي لتغيير هوية الشعب السوداني السمحة القائمة علي هدي الإسلام، من المفترض أن تمثل تلك الهوية لب توجهات وبرامج الحزبين المذكورين الذين نعِما علي أساسها بدعم قطاع كبير من الشعب السوداني، ولكن حتي متي يظل اليسار مُختطفا للمشهد السياسي في السودان و حتي متي يستمر استغلال الشباب و المتاجرة بدمائهم (نسأل الله الرحمة لمن قتل والشفاء للجرحي والمرضي) لتحقيق كسب سياسي رخيص و المطالبة بتسليم السلطة دون تفويض من الشعب و الانفراد بها.
الحل يكمن في أن تستيقظ الأغلبية الصامتة من سُباتها ويجتمع عقلاء السودان من المفكرين و الأكاديميين، السياسيين، منظمات المجتمع المدني، الإدارة الأهلية، الطرق الصوفية ، الصحفيين، رجال الأعمال وحتي عامة الشعب أصحاب المصلحة من أجل المطالبة والضغط باتجاه تحديد فترة انتقالية تحتوي بكل وضوح علي جدول زمني لاجراء انتخابات يحكم السودان فيها أصحاب التفويض لا أصحاب المساومات أو الاستقواء بالغرب من من أجل تسلم السلطة دون تفويض ليعبث كما يشاء.