د. عادل عبدالعزيز الفكي
جمهورية مصر العربية الشقيقة مقبلة على مرحلة سياسية جديدة بالانتخابات الرئاسية التي سوف تجري خلال هذا الأسبوع من شهر ديسمبر 2023 وفي اعتقادنا أن العلاقات الاستراتيجية مع السودان ينبغي أن تكون أحد أهم محاور السياسة الخارجية للرئيس المصري سواء الرئيس الجديد أو المعاد انتخابه حسب مجريات العملية الانتخابية التي سوف تتم.
تدخل الحرب في السودان شهرها الثامن، وعلى الرغم من تقدم الجيش السوداني الذي يفرض سيطرته على كل أجزاء البلاد فيما عدا مساحات محدودة من ولاية الخرطوم وبعض ولايات دارفور إلا أنه من الواضح أن دماراً هائلاً أصاب البنيات التحتية في البلد، وأثر تأثيراً بالغاً على الاقتصاد.
قُبيل الحرب كان البنك الدولي قد قدر أن الاقتصاد السوداني سوف ينمو بنسبة 0.5% خلال العام 2023، ولكن بسبب الحرب من المرجح أن يكون النمو سالباً للعام 2023 بنسبة لا تقل عن 15%.
لقد قُدر الناتج المحلي الإجمالي للسودان في العام 2022 بقيمة 16 ألف مليار جنيه بالأسعار الجارية تعادل حوالي 32 مليار دولار أمريكي.
وكانت مساهمات القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي كالاتي: –
- الزراعي 28.9%
- الصناعي 14.4%
- قطاع الخدمات 56.7%
وخلال العام 2022 أيضاً كان: –
اجمالي الإيرادات العامة والمنح 1411 مليار جنيه، منها الضرائب وتمثل نسبة 45% من اجمالي الإيرادات العامة، الرسوم الإدارية ودخل الملكية وعائدات النفط ورسوم العبور وتمثل 43%، المنح الأجنبية وتمثل 12%.
وعلى هذا فإننا نقدر خسارة الإيرادات العامة بحوالي 612 مليار جنيه تعادل واحد مليار دولار تقريباً بالسعر الرسمي. فيما نقدر خسارة الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 15.8 مليار دولار. لا تشمل هذه التقديرات بالطبع خسائر البنيات التحتية العامة والخاصة.
إن خسائر البنيات التحتية العامة في قطاع الطيران المدني تشمل الأضرار الجسيمة التي أصابت مطار الخرطوم ومطار مروي، ومطار الأبيض، ومطار الشهيد صبيرة بالجنينة، حيث تم تدمير الطائرات الرابضة، وتدمير وسائل وآليات الاسناد الأرضي، وأبراج المراقبة، وتخريب وتجريف المدرجات، وحرق صالات الركاب، ومخازن البضائع، تقدر هذه الخسائر بحوالي 3 مليار دولار.
خسائر البنيات التحتية العامة في قطاع الوزارات والمؤسسات تشمل إحراق وتدمير الوزارات والمصالح والمرافق الحكومية، وبنك السودان المركزي وفرعه الرئيسي بالخرطوم، ومطبعة العملة، وأبراج الشركات العامة، والجامعات الحكومية، والمتاحف، ودار الوثائق القومية، وتدمير جزء من كبري شمبات، وجزء من خزان جبل الأولياء، وتدمير وحفر الخنادق في أغلب طرق ولاية الخرطوم ومدن نيالا والفاشر والجنينة والأبيض وزالنجي، تقدر هذه الخسائر بحوالي 10 مليار دولار.
خسائر البنيات العامة في القطاع الصحي تشمل تدمير وحرق حوالي 90 مستشفى ومركز طبي على مستوى ولاية الخرطوم، وحوالي 50 مرفق طبي بولايات غرب وجنوب دارفور وشمال كردفان، طال الدمار والحرق أجهزة تشخصية عالية القيمة، فضلاً عن الاليات والمتحركات ومولدات الكهرباء. تقدر هذه الخسائر بحوالي 5 مليار دولار.
أما في قطاع الكهرباء والمياه فقد تم تدمير ونهب محطات المياه ببحري، والمنارة، والمقرن، وصالحة، وبري، ومحطات المياه والابار بالأبيض والجنينة ونيالا وزالنجي. فيما تم تدمير عدد هائل من محطات توليد الكهرباء ومنشئات التحويل وأبراج الضغط العالي والمنخفض، تقدر خسائر قطاع الكهرباء والمياه بحوالي 10 مليار دولار.
على مستوى خسائر القطاع الخاص والأهلي فقد تم تدمير ونهب كل الأسواق الرئيسة بولاية الخرطوم، ويشمل ذلك سوق سعد قشرة ببحري، وسوق بحري الكبير، وسوق ليبيا، والسوق العربي، والسوق الإفرنجي، وسوق المعدات الكهربائية بشارع الحرية، وأسواق أخرى صغيرة متعددة. بما في ذلك عمارة الذهب، ومتاجر المجوهرات والتحف على مستوى ولاية الخرطوم. وتم نهب وحرق الشركات الكبرى والصغرى والمولات في هذه الأسواق وعلى الطرق الرئيسة بولاية الخرطوم. كما تم نهب رئاسات وأفرع كل البنوك بولاية الخرطوم وولايات غرب وجنوب دارفور. وتم كذلك نهب وحرق وتدمير الفنادق الكبرى والمنشئات السياحية بكل ولاية الخرطوم. تقدر خسائر القطاع التجاري وخسائر قطاع السياحة والفنادق بحوالي 15 مليار دولار.
شملت خسائر القطاع الصناعي التدمير الشامل لتسعة مناطق صناعية على مستوى ولاية الخرطوم، والمنطقة الصناعية الكبرى بمدينة نيالا. تم تدمير ونهب وحرق مرافق صناعية كبرى مثل المطاحن الكبرى سيقا وويتا وسين بمدينة بحري والتي تعد الأكبر على مستوى افريقيا كلها، فضلا عن مصانع الأدوية، ومصانع انتاج وتعبئة المواد الغذائية والمخازن الجافة والمبردة بالمنطقة الصناعية سوبا ومربع 35 بالخرطوم وأمدرمان، تقدر خسائر القطاع الصناعي بحوالي 30 مليار دولار.
فيما يلي مساكن المواطنين وممتلكاتهم الخاصة وسياراتهم فيقدر أن حوالي عشرة ألف مسكن بولاية الخرطوم وحدها قد تم نهبها بالكامل بما في ذلك الخزائن الخاصة. فيما يقدر عدد السيارات الخاصة التي استولت عليها مليشيات الدعم السريع المتمردة بحوالي 30000 مركبة مختلفة الأنواع والموديلات. تقدر خسائر المواطنين الخاصة بحوالي 10 مليار دولار.
خسائر القطاع الزراعي شملت تدمير ونهب شركات انتاج الدواجن الكبرى بولاية الخرطوم والتي تعد من الأكبر على المستوى الافريقي أيضاً، وتوقف ونهب انتاج مزارع البرسيم الكبرى بشرق النيل، ومزارع الحوامض والبطاطس بغرب النيل. ونهب وحرق وتدمير مخازن المبيدات والأسمدة والتقاوي بشركات الإنتاج. تقدر خسائر القطاع الزراعي بحوالي 10 مليار دولار.
بناءً على ما تقدم فإن جملة خسائر القطاعات الاقتصادية المختلفة حسب هذه التقديرات تقدر بحوالي 108.8 مليار دولار. غير أن ما فات الناس من كسب، والخسائر الناجمة عن عدم تدوير المال في الأنشطة المختلفة تتجاوز هذه القيمة بكثير.
ان تعويض الخسائر الكبيرة التي أصابت الاقتصاد السوداني، وإعادة تأهيله، فضلاً عن تعويض المستهلكات الهائلة في الأسلحة والمعدات للجيش السوداني وقوات الشرطة والأمن تحتاج لمساعدة خارجية كبيرة، ومصر هي أكثر الدول المؤهلة لتقديم مثل هذه المساعدة، ذلك لأن مصر تعتبر الشريك الاستراتيجي الأنسب للسودان.
الواقع أن من مصلحة مصر الشراكة الاستراتيجية مع السودان لثلاثة أسباب أولها: الفقر المائي في مصر، والثاني الزيادة السكانية في مصر مقارنة مع موارد الغذاء المتاحة، والثالث الموارد الاقتصادية الكامنة في السودان.
بالنسبة للفقر المائي في مصر تشير تقارير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري إلى أن نصيب الفرد من المياه في مصر كان في عام 1986 حوالى 1138 متر مكعب سنويا وتضاءل الى 860 متر مكعب عام 2003 والى 759 متر مكعب عام 2007 متوقعا ان ينخفض الى 582 متر مكعب سنويا عام 2025 .
وعن الاسباب وراء التحديات المائية التي تواجه مصر تبين هذه التقارير انها تتمثل في الزيادة السكانية المطردة وتركزها في وادي ودلتا النيل، الى جانب النمو الزراعي والصناعي وذلك في مقابل ثبات الموارد المائية. وذكرت التقارير ان نهر النيل يمثل المصدر الاساسي للمياه في مصر اذ يمد البلاد بحوالي 55.5 مليار متر مكعب تمثل 86.7 في المئة من اجمالي الموارد المائية.
وعلى هذا من الواضح ان الحفاظ على حصة مصر من مياه النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب وفقاً لاتفاقية تقاسم مياه النيل 1959، وهي الاتفاقية التي حددت للسودان 18.5 مليار متر مكعب، هو مسألة مهمة جداً لتحقيق الأمن المائي لمصر، ويمثل سد النهضة الإثيوبي تهديداً حقيقياً لهذا الأمن المائي في حالة عدم توقيع أثيوبيا على التزام قانوني بالحفاظ على هذه الحصة بالنسبة للدولتين. وعلى هذا تبدو الشراكة الاستراتيجية بين السودان ومصر مهمة للغاية لتحقيق هذا الهدف، لأن لهما مصلحة مشتركة فيه.
أما فيما يتعلق بالسبب الثاني الداعي للشراكة الاستراتيجية بين مصر والسودان، والمتعلق بالزيادة السكانية في مصر مقارنة مع موارد الغذاء المتاحة، فقد أكدت وزارة الزراعة المصرية أن الأمن الغذائي المصري في خطر بسبب ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، وبسبب نمو عدد السكان مع عدم الاستقرار النسبي للمعروض من المواد الغذائية، مما يسبب عجزاً في الطلب على المواد الغذائية.
تستهلك مصر 20 مليون طن من القمح سنوياً، تنتج منها 7 مليون طن، وتحتاج لاستيراد 13 مليون طن قمح من الخارج، لتكون بذلك أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم.
يمكن للسودان تغطية احتياج مصر من هذه السلعة الغذائية الهامة باستصلاح التروس العليا بولايتي الشمالية ونهر النيل المجاورتين لمصر، ويتطلب هذا الاستصلاح استثمارات بحجم كبير في قطاع الطاقة، لأن ري هذه الأراضي سوف يعتمد على المياه المستخرجة من الحوض النوبي الجوفي وليس من مياه النيل. إن إمداد مصر للسودان بالطاقة، ومقابل ذلك إمداد السودان لمصر بالقمح، يعتبر عنصراً أساسياً للشراكة الاستراتيجية بين القطرين.
السبب الثالث الداعي للشراكة الاستراتيجية لمصر مع السودان هو توفر الأخير على موارد اقتصادية كامنة أهمها الموارد المعدنية، تحوي أرض السودان وبحره الإقليمي والمنطقة البحرية الاقتصادية المشتركة مع المملكة العربية السعودية على البترول والغاز الطبيعي والذهب واليورانيوم والنحاس والحديد والسيلكون والمنغنيز والكروم والكوبالت والألمنيوم والمايكا والاسبستوس بكميات تجارية قابلة للاستخراج في حال توفر الطاقة ووسائل النقل. الصناعات الأساسية في مصر والتصنيع الحربي المتقدم في كل من مصر والسودان يحتاجان لهذه المعادن الأساسية.
مما تقدم يتضح أن الشراكة الاستراتيجية بين السودان ومصر سوف تبنى على أساس المصلحة المشتركة وعلى قاعدة WIN/WIN (رابح/رابح) ليس فيها خاسر بإذن الله، وهو ما ينتظر أن يركز عليه الرئيس المصري القادم.
إن الدلائل الأولية تشير الى أن الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في مصر خلال الأيام القادمة سوف تسفر عن إعادة انتخاب الرئيس المحترم عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية جديدة، تعتبر هذه من المؤشرات المريحة للجانب السوداني، لأن الرئيس السيسي ظل على الدوام في جانب الشعب السوداني سواء السودانيين الموجودين بأرض السودان، أو الذي اضطرتهم الظروف للحضور لبلدهم الثاني مصر، كما أن الرئيس السيسي متفهم للغاية لأهمية العلاقات الاستراتيجية المصرية/ السودانية، وقد عبر عن هذا في أحد خطاباته مؤخراً حيث قال بالعامية المصرية المحببة (مصر والسودان ما لهمش غير بعض). وهذه العبارة تكفي لكي نرفع الأكف لله سبحانه وتعالى بأن يوفق الرئيس السيسي بإعادة انتخابه لخير مصر والسودان.