
.. زيارة الرئيس البرهان السرية لمقابلة ممثل الرئيس الأمريكي في سويسرا، تركت الجميع في حالة من الدهشة، وذهب الناس في الجانبين مؤيدين له ومعارضين لطرح اسئلة كثيرة واراء متباينة وهذا طبيعي لحد كبير ان كانت الزيارة معلنة واعقبها تصريحات من مسئولين عن مخرجاتها، لكن كونها سرية انقلبت التعليقات فصارت المؤيدة تصدر من المعارض والرافضة من المؤيد، وكل ذلك لم يحرك الرئيس او إدارته للخروج بحديث معلن او تصريح رسمي حتي الان، مبدئيا ننظر للزيارة من عنوانها المريب من ناحية بروتوكولية فما كان يجب أن تكون سرية، ولا يجب أن يسافر رئيس دولة ذات سيادة لمقابلة شخصية بدرجة مستشار رئيس لدولة اخري، بل كان يجب أن يحضر المستشار الي مقر دولة الرئيس، لذلك ذهب الناس لتفسيرات مختلفة منها ما يتحدث عن رضوخ الرئيس لمطلوبات ترامب التي أثر توصيلها مباشرة هذه المرة دون وسطاء او لجان ودون تسويف وتجميل، اراء اخري تقول انه خضوع ترامب بعد ان أصبحت الحرب المتهم باشعالها من وراء حجاب لم تثمر ما اشعلت لأجله وصارت عبئا عليه وعلي حلفائه في الإقليم واراد ان يوقفها تكلفتها الغالية.
.. في الداخل السوداني فسر البعض الأمر بأن البرهان قد قرر التخلص من حمل أثقل كاهله بأتهامه بأنه أداة في يد الإسلاميين وهو ما ظل يدلي برفضه تلميحا في كل خطاباته بأن لا دور لهم في هذه الحرب سوي باشعالها او في إدارة دفتها وان الوجود المقدر لشبابهم ضمن المستنفرين ما هو إلا عمل قومي شارك فيه الجميع دون أي رايات. وان في ذلك ارضاء وخضوع لتيار مجموعة صمود التي ظلت تناصبه العداء من قبل الحرب ومنذ الاطاحة برجالها في التغيير الذي حدث لحكومة حمدوك بعد الثورة، وفي الجانب الاخر الداعم للجيش كانت التصريحات أكثر وضوحا ورفضا لاي تقارب او تفاهمات تعيد المشهد السياسي والعسكري لما كان عليه قبل الحرب وهو الموقف الذي يجد دعما شعبيا كبيرا وسندا من أحزاب ذات وزن سياسي وثقل جماهيري وحركات كفاح مسلح للتخلص من الجنجويد ومن صمود نفسها التي سبق ورفضت مشاركتهم في صحيفة الاطاري.
.. ان تداعيات لقاء البرهان مع مستشار ترامب في سويسرا، مؤكد انها حملت دلالات مهمة فالاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات فقط، لابد انه شهد طرح الحل من الولايات المتحدة والذي من المؤكد فيه ضغط مباشر على قيادة الجيش السوداني لوقف الحرب، وفي المقابل رفض البرهان لأي وجود للمليشيا في السلطة عقب الحرب، وضرورة تفكيكها وتسريح عناصرها ومحاكمة قادتها. ومؤكد ان الاجتماع طرح الحاجة لمفاوضات مباشرة بين السودان والإمارات بهدف خفض التوتر بين البلدين، بتوقف أبوظبي عن الاستمرار في دعم التمرد. الي جانب مناقشة الأزمة الإنسانية في السودان بفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات دون عوائق. وبغض النظر عن النتائج المتوقعة خلال قادم الأيام، فمن المهم أن نقول بأن الاهتمام الأمريكي لم ولن يكون رافة وحبا في السودان وأهله وما صار اليه حالهم، فتاريخها الأسود في فيتنام وأفغانستان والعراق يؤكد ذلك، لكنه فقط تحول تكتيكي للظفر لاحقا وقريبا بنصف الكعكة بعد ان تعذر الحصول عليها كلها وذلك بوضع شروط وترتيبات تؤدي الي فصل دارفور، علي الرغم من وضوح الرؤيا باستحالة ان تكون دارفور دولة مستقلة مستقرة، لان اس الخلاف كان ولا زال وسيكون داخل دارفور نفسها، وبين مكوناتها، لانه لم يكن قضية مركز وهامش كما يصدر للناس والمجتمع الدولي، وهو ما قد يعتبره ترامب أمرا أكثر سهولة في الحل بعد تعثر الخيار الاول بالحل الشامل وبفقه (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، وفصل دارفور أيضا لن يتم الان وفورا بإيقاف الحرب كما يظن البعض، بل هو برنامج يطابق نموذج فصل الجنوب بمباحثات طويلة الأمد قد تمتد لسنوات واستفتاء معلب يتم ترتيب الوصول اليه بخارطة جديدة تعمل في التوفيق والتوافق بين الحركات ومليشيا الدعم السريع ثم صناعة الية لمواجهة المركز بمخرجاته وضرورة تنفيذه. المهم ان يدرك الجميع أن هذا الشعب وجيشه لن يتنازل عن حقه في إلمضي قدما نحو التخلص من الجنجويد نهائيا وبلا رجعة ولن يقبل باي صيغة تفاوض تعيدهم ومن دعهم في هذه الحرب الي الواجهة مرة اخري، وانه لا يوجد الان ما يصرفه عن هدفه المحدد، فالان يموت الناس هناك جنودا بواسل في الميدان ومدنيين جوعا وعطشا من أجل تحقيق ذلك، ولن تشغلهم عنه أي موضوعات جانبية فاما النصر او الشهادة.
عيد الجيش العظيم فرحة شعب
جيش واحد شعب واحد