تتوالى هذه الأيام بمدينة مراكش المغربية الساحرة أعمال القمة الأمريكية الأفريقية، برعاية كريمة من جلال الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية الشقيقة. الاجتماعات التي يشارك فيها قرابة الألف من المسئولين الحكوميين، والدبلوماسيين، ورجال الأعمال، والتنظيمات المهنية، ومنظمات المجتمع المدني، تستهدف إقامة شراكات ما بين الشركات الأمريكية والشركات الافريقية، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتستهدف هذه الشراكات قطاعات الأغذية والطاقة، في ظل التحديات الدولية الراهنة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على سلاسل الامداد الغذائي، كما أثرت على سلاسل الامداد بالطاقة.
تأتي هذه الاجتماعات في إطار سلسلة من الحراك الدولي ما بين معسكرين، الأول تقوده الولايات المتحدة التي تسعى للحفاظ على الدولار كعملة أساسية في التجارة الدولية، كما تسعى لإحداث الاستقرار في امدادات وأسعار الغذاء والطاقة لكبح جماح التضخم الذي اجتاح مختلف دول العالم. والمعسكر الثاني تقوده روسيا ومن خلفها الصين وبقية دول البريكس (الهند وجنوب افريقيا والبرازيل) التي تسعى لفك الهيمنة الامريكية على الاقتصاد والتجارة الدولية.
سبقت القمة الامريكية الافريقية جولة بايدن رئيس الولايات المتحدة لمنطقة الشرق الأوسط، وعقده لقمة بجدة بالمملكة العربية السعودية بحضور زعماء السعودية ومصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، وتمثلت أهم بنودها أيضاً حول محوري أمن الطاقة وأمن الغذاء.
بدا واضحاً أن السياسة الخارجية في مختلف دول العالم أصبحت القضايا التنموية والاقتصادية في مقدمة اهتماماتها، وهنا يبرز السؤال أين السودان في خضم هذا الحراك النشط؟ خصوصاً أن السودان بموارده الهائلة الكامنة سواء في مجال الغذاء أو مجال الطاقة يستحق أن يكون عنصراً أساسياً فيه، إن لم نقل قائداً له.
يبدو أن الأوضاع السياسية الداخلية المتأزمة تأخذ جل اهتمامات وتفكير قيادات الدولة، لكن هذا سوف يضيّع على السودان فرصة مواتية هائلة لطرح نفسه كأمل للمنطقة العربية والافريقية لتجاوز أزمة الغذاء العالمية.
السفير محمد الياس سفير السودان لدى جمهورية مصر العربية ومندوبه لدى الجامعة العربية يقود تحركات مهمة لطرح السودان كعنصر أساسي في حل أزمة الأمن الغذائي العربي، وكانت له مجهوداته الواضحة التي أسفرت عن اعداد رؤية السودان نحو تحقيق الأمن الغذائي العربي، هذه الرؤية تحتاج لمساندة من قبل الحكومة بمختلف مستوياتها. تحتاج لتبنيها من قبل رئيس مجلس السيادة لطرحها على مؤتمر القمة العربية بالجزائر في مطلع شهر نوفمبر القادم، وعلى القمة العربية التنموية المزمع عقدها بموريتانيا مطلع العام القادم. وتحتاج هذه الرؤية لمساندة وزيري الخارجية والمالية من خلال الاتصالات المتوالية والاجتماعات المشتركة مع وزراء الخارجية والمالية في مختلف الدول العربية من المحيط للخليج.
من ناحية فنية تم في الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب بالكويت في 30 يناير الماضي تكليف المنظمة العربية للتنمية الزراعية بوضع تصور لتنفيذ مبادرة الأمن الغذائي العربي، بما أن مقر المنظمة بالخرطوم، ومديرها العام هو السوداني البروفسور إبراهيم الدخيري، الذي كان وزيراً للزراعة في وقت من الأوقات، نتوقع اتصالات جادة، وتقديم مشروعات وأفكار لهذه المنظمة، من قبل وزارة الزراعة ووزارة الثروة الحيوانية ووزارة الاستثمار والقطاع الخاص السوداني.
نحتاج لدبلوماسية تنمية متعددة الأطراف للاستفادة من الفرصة المتاحة التي يجب الا تشغلنا عنها الأوضاع الداخلية المتجهة لنهايات سعيدة بإذن الله تعالى.
