الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرأي

البرهان يزور البيت الأبيض

د. ياسر يوسف إبراهيم

كان الأسبوع الماضي أسبوعا لبروز نتائج وحصاد سياسة خارجية هادئة التفس إنتهجها مجلس السيادة السوداني منذ تفجر الحرب قبل أكثر من سنتين من الآن ، ففي ذلك الوقت الذي قامت فيه المليشيا بضربة خاطفة سيطرت بها علي مؤسسات الدولة السيادية ولاحقا العاصمة الخرطوم وولايتي الجزيرة وسنار في وسط السودان ، وأجزاء كبيرة في كردفان ودارفور بدا للمراقبين أن المعركة قد حسمت لصالح المليشيا ، وماهي إلا أيام حتي يذيع دقلو حكومته المؤيدة بتحالف قحت وتأييد المبعوث الأممي فولكر بيرتس وأطراف خارجية أخري كانت تنتظر علي أحر من الجمر..
لقد كانت الهزة التي تعرضت لها الدولة السودانية من القوة حتي ظن كثيرون أنها لن تقوي علي الصمود والعودة من جديد ، وفي ظل إنهيار منظومة الخدمة العامة وإحتلال الوزارات من قبل المليشيا ، ومحاصرة القائد العام نفسه وطاقم قيادته العسكري في مبني القيادة العامة ، واصلت المليشيا وداعميها الإقليميين والدوليين وحلفائها من تحالف قحت الدعاية المكثفة لضرب معنويات الشعب السوداني وإفقاده ثقته في جيشه وقيادته ، ولكن ومن بين كل ذلك المشهد يتشكل تيار وطني عريض من قوي يسارية ويمينية ومثقفين من مختلف المشارب يتولون أمر التعبئة العامة ورفع معنويات الجيش والشعب علي السواء ، ويتصدون بكل قوة لمشروع المليشيا وداعميها في الداخل والخارج..
ومثل خروج الفريق أول ركن البرهان من القيادة العامة إلي العاصمة الإدارية محطة مهمة لإلتقاط الأنفاس وإعادة بناء خطة التحرير وهزيمة المليشيا عسكريا وسياسيا ، وحين بدأ ذلك الجهد المبارك كانت علاقات السودان الخارجية في أشد مراحل إنخفاضها وتراجعها ، ولم تكن هناك إلا دولة أو دولتين كانتا تمتلكان الحس الإستراتيجي لإعلان وقوفها مع الجيش الوطني صراحة ، هذا الواقع أثر حتي علي الأوصاع الداخلية لوزارة الخارجية وبعض منتسبيها ، وعلي الرغم من التحرك الواسع الذي إبتدره البرهان يومها خارجيا يمكن قراءة المشهد علي النحو التالي :

كان انسحاب البعثات الدبلوماسية المبكر من العاصمة وإجلاء رعاياها رسالة مباشرة بأن الحرب ستطول ، وأن الشعب السوداني ترك تحت رحمة المليشيا التي لا رحمة لها ..
مواصلة قوي قحت تبني حملة خارجية واسعة لدعم مواقف المليشيا وتثبيط الجيش والتشكيك في قدرته على كسب المعركة ، والتحدث نيابة عن داعميهم الإقليمي دولة الإمارات بأن الجيش ماهو إلا كتيبة من الإسلاميين ، وأن هناك متطرفون من خارج السودان يقاتلون مع الجيش ، وهو ما ردده أكثر من قيادي من قحت أبرزهم حمدوك وإبراهيم الميرغني ..
تبني الإيغاد لسردية المليشيا وتصريح أحد رؤسائها بأن القيادة السودانية الحالية يجب تغييرها ، بل وسارعت دول إيغاد إلي إستقبال قائد المليشيا حين خروجه من السودان ..
صعدت دولة الإمارات من دعمها العسكري واللوجستي للمليشيا وحلفائها السياسيين ضاربة بغرض الحائط كل التقارير الدولية التي نددت بتلك الخطوات ..
كانت مواقف الإدارة الديمقراطية ( وجنجويدها الدوليين ) كما سماهم عشاري من ( شلة نولاند والسفيرة مولي في والسفير جون غودفري ) ومن بعدهم المبعوث توم بريلليو غاية في الإرباك والمراوغة ، وهو ما قاد إلي فرض عقوبات متكررة علي القيادة السودانية وعلي منظومة الصناعات الدفاعية ..
وبناء علي ذلك الواقع وتقويا بما تتوهم قحت عن نفسها وتوهم بها حليفها المليشي من إحتكارها للعلاقة مع الغرب وقدرتها على تجيير مواقفه لصالح خطهم السياسي قامت بتنظيم مؤتمرات جنيف لفرض حلول غير وطنية علي الجيش ، ولكن قائد الجيش قاوم الضغوط الكثيفة واستمات محافظا علي المسار الذي حدده مجلس السيادة والجيش وهو هزيمة المليشيا وتفكيكها وعدم الإذعان لتهديدات حليفها المتحور من قحت إلي تقدم ثم صمود والحكومة الموازية …
وفي مرحلة أخري تكثفت الضغوط علي قيادة الجيش لقبول الإمارات كوسيط حتي تضمن وجود المليشيا ضمن أي تسوية سياسية في المستقبل ، ومرة أخرى تمسكت قيادة الجيش بموقفها الوطني الرافض لأي خطوة من شأنها تبديد التماسك الوطني وتضييع حقوق شعبه ، وهذا الموقف المستند علي الإرادة الشعبية والإنتصارات الباهرة التي حققها الجيش بدأت تؤتي أكلها ، فبعد تراجع مجموعة إيغاد عن مواقفها السابقة أعلن الإتحاد الإفريقي ترحيبه بتكوين حكومة كامل إدريس قبل أن يردف ذلك برفضه خطوة المليشيا تأسيس حكومة موازية ، وهو نفس الموقف الذي أعلنته جهات ودول مهمة للسودان منها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ، ولاحقا مجلس الأمن الدولي…
وجاء إجتماع جنيف الأخير بين الفريق أول البرهان ومستشار ترمب مسعد بولس ليؤكد أن المجتمع الدولي بات أكثر قناعة بالسردية التي ظل يكررها السودان من أنه يتعرض لعدوان خارجي يتخذ من المليشيا وحلفائها أدوات لتدمير السودان ، ومن الواضح أنه سعي لتجاوز عقدة الرباعية الدولية التي يتحفظ السودان تدعمه جهات معتبرة علي الوجود الإماراتي فيها ، وعلي الرغم من أن ما تسرب من ذلك اللقاء قليل حتي الآن ولكن عناوينه البارزة تؤشر إلي أن هناك قناعة دولية بتبني مواقف حكومة السودان الشرعية ..
وبالنظر إلى نهج إدارة ترامب بعقد لقاءات مباشرة مع أصحاب المصلحة وأطراف النزاع سعيا لحلها بأسلوبه الخاص هل نتوقع زيارة البرهان للبيت الأبيض قريبا ..

اترك رد

error: Content is protected !!